لا جديد في التهديدات الإسرائيلية بشن حرب موسعة على لبنان، تتفاوت أهدافها بين فرض منطقة عازلة تمتد كيلومترات عدة داخل الأراضي اللبنانية، والحصول على ضمانات بعدم استخدام ««حزب الله» صواريخه لتهديد المستوطنين في شمال إسرائيل، وصولا إلى تكرار الشعارات الإسرائيلية بالقضاء على القدرات العسكرية لـ «الحزب»، والمشابهة لتلك التي أطلقتها إسرائيل بعد السابع من أكتوبر 2023، لجهة القضاء على حركة «حماس».
تهديدات تتكرر يوميا عبر موفدين دوليين يحضرون إلى لبنان، وعبر رسائل وتقارير ديبلوماسية، وتتضمن الدعوة إلى قيام لبنان الرسمي بترتيبات. في حين انه يتعذر الحصول على ردة فعل من «حزب الله»، عدا ما يكرره مقربون منه من التزامه بـ «قواعد الاشتباك»، وتفادي توسيع الحرب، في موازاة التأكيد على جاهزيته الكاملة لقتال يمتد سنوات مع إسرائيل. وهذا الأمر يأخذه المراقبون الغربيون على محمل الجد، ويقابلونه بضغوط على الحكومة الإسرائيلية، ودعوتها إلى تفادي الدخول في حرب تهدد بإشعال المنطقة.
وكشفت الساعات الأخيرة الماضية نقلا عن مصادر غربية رفيعة، حجم الخسائر البشرية التي أوقعها رد «حزب الله» في استهدافه قاعدتي غليلوت وعين شيمر الاسرائيليتين ردا على قتل إسرائيل المسؤول العسكري الأرفع في صفوفه فؤاد شكر، في غارة استهدفت مكان تواجده في حارة حريك بالضاحية الجنوبية لبيروت في 30 يوليو الماضي. واشارت إلى سقوط 22 قتيلا وجرح 75 آخرين في الرد، من دون تأكيد المعلومات من الجانب الإسرائيلي.
ووسط إيقاع التطورات الأخيرة، يميل اللبنانيون إلى الاقتناع بصعوبة إنجاز الاستحقاق الرئاسي المتعذر تحقيقه منذ 31 أكتوبر 2022 تاريخ نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون.
الا ان الاتصالات والمساعي الخارجية والداخلية، والمصحوبة بزخم عربي، تستمر سعيا إلى إحداث خرق. لكن دونها عقبات داخلية بين الأفرقاء اللبنانيين، الذين يواصلون التصدي لبعضهم البعض بوضع سلسلة من الشروط أشبه بالتعجيزية. ويقابل ذلك بالعمل من قبل «سعاة الخير» من الموفدين العرب والأجانب، على تقريب المسافات وتوفير أطر للتلاقي على نقاط معينة، تمهيدا للانطلاق منها إلى الأمام.
وتتجه الأنظار إلى اجتماع سفراء اللجنة الخماسية (الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا ومصر والمملكة العربية السعودية وقطر) غدا السبت في مقر إقامة السفير الفرنسي في قصر الصنوبر بالعاصمة بيروت. ويترافق الاجتماع مع كلام عن تكثيف الخماسية تحركاتها ورفع وتيرتها، والانتقال إلى مرحلة جديدة في مقاربة الملف الرئاسي، لا تقل فيها الأمور عن طرح أسماء لمرشحين جديين ممكن ان تتقاطع عليهم الأطراف اللبنانية.
في حين قال مصدر مطلع لـ «الأنباء»: توحي الحركة الديبلوماسية الدولية النشطة في لبنان بمؤشرات عديدة باتجاه إحداث خرق إيجابي من اللجنة الخماسية، من خلال الاتصالات التي اجراها السفراء قبل اجتماعهم، إلى التحرك المرتقب للموفد الفرنسي جان إيف لودريان، والموفد الأميركي أموس هوكشتاين، فضلا عن زيارة مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إلى بيروت، وان وضعت زيارته في خانة الوداعية لانتهاء مهمته.
وأضاف المصدر «تبدو الساحة اللبنانية أمام فرصة لإحداث تغيير ما في مسار الأمور». وشدد على ضرورة تعاطي الأطراف اللبنانية معها بجدية كاملة، والا فإننا سندخل في مرحلة انتظار طويلة، ولا احد يعرف إلى أين تذهب الأوضاع بعدها وتصبح الرئاسة في مهب الريح، خصوصا أن البلاد أمام تحديات واستحقاقات على عدة مستويات.
في المواقف، رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» د.سمير جعجع في حديث تلفزيوني إلى محطة «سكاي نيوز عربية»، ان «حزب الله وجماعته يحاولون تسويق فكرة احتمال سيطرته على مختلف مفاصل الدولة مقابل تنازلات من قبله في الجنوب». وأكد جعجع «ان هذا الكلام غير صحيح لا على صعيد الأوساط الديبلوماسية ولا على المستوى الداخلي». كما استبعد «أي طرح جديد في الملف الرئاسي إثر التحركات الديبلوماسية»، مشيرا «إلى ان الجميع يدركون ان محور الممانعة يعطل الانتخابات الرئاسية».
وعما اذا كان هذا المشهد يؤدي إلى تصعيد اقليمي في المنطقة، أجاب: «بحدود معينة نعم، فلننظر إلى تحرك الحوثي في اليمن و«حزب الله» في لبنان».
وكرر جعجع دعوة الحكومة اللبنانية «إلى الطلب من حزب الله الانسحاب من الجنوب وانتشار الجيش فعليا للدفاع عن الحدود، ولكن المشكلة تكمن في انها حكومة الحزب والاكثرية فيها تؤيده. من هنا أهمية الإتيان برئيس ومن ثم رئيس حكومة ووزراء لا ينتمون إلى محور الممانعة لنشهد قيام الجمهورية، والا سنبقى في أرض سائبة».
واستبعد ان «يستمر الوضع في الجنوب لسنة أخرى بل سنشهد حلا له بعد أسابيع أو أشهر».
في الميدان الجنوبي، نعى «حزب الله» عنصرين من صفوفه هما صادق مصطفى مبارك من بلدة مركبا وسكان بلدة زبدين في جنوب لبنان وقد سقط مع طفله مهدي، وساجد محمد مصطفى من بلدة مليخ وسكان بلدة تول. وأعلن استهداف القاعدة الأساسية للدفاع الجوي الصاروخي التابع لقيادة المنطقة الشمالية في ثكنة بيريا، بصواريخ الكاتيوشا. كما استهدف «الحزب» ثكنة زبدين في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة وقبلها موقع المرج بالأسلحة الصاروخية.
في المقابل، أغار الطيران الحربي الإسرائيلي فجر الجمعة، مرتين على مدينة بنت جبيل. واستهدفت الغارة الأولى منزلا في حي العويني، والثانية منطقة الوادي.
وانشغل اللبنانيون مساء الخميس بالحريق الذي اندلع في مكب النفايات في منطقة الجديدة بساحل المتن الشمالي، مقابل مجمع «سيتي مول». وارتفعت سحب اللهب وغطت أحياء وبلدات مجاورة عدة، علما ان المكب يقع على تخوم «جزيرة نفطية» حيث خزانات خاصة بالوقود والغاز والمازوت لشركات نفطية عدة.