نشأة القانون
تتحدث النائبة بولا يعقوبيان لـ”اندبندنت عربية” عن نشأة هذا القانون الذي “تم تحضيره مع المحامي نزار صاغية، وهو أحد مؤسسي منظمة ‘المفكرة القانونية’ للأبحاث، ونظمنا أكثر من ندوة حوله للتوعية بأهميته، وصولاً إلى تقديمه بشكل اقتراح قانون استقلالية القضاء وشفافيته بالتعاون مع ’المفكرة القانونية‘ في صيف 2018”.
وتلفت يعقوبيان إلى أن المشروع بقي لفترة طويلة في لجنة الإدارة والعدل من دون رفعه إلى جدول أعمال جلسات مجلس النواب حتى اشتعل الشارع في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، “حين رفع الناس شعارات قانون استقلالية القضاء كعنوان عريض في الحراك الشعبي وأعلنّا كنواب معارضين أننا سنتغيّب عن الجلسات في حال لم يتم وضعه على سكة الدراسة”.
بعد انتهاء الحراك، تقول يعقوبيان إنه “أعيد انتخاب النائب جورج عدوان رئيساً للجنة الإدارة والعدل للمرة الثانية، وبالتالي عُدنا من جديد إلى المماطلة في دراسة كل بند وكأن كل هذه الطبقة السياسية لا تريد إصدار القانون وحتى الساعة تتم المماطلة به”.
أسباب المماطلة
وعن أسباب المماطلة في البت بالقانون، ترى يعقوبيان أن “استقلالية القضاء أمر أساسي في كل الأنظمة الديمقراطية، إلا أن واقع الحال في لبنان مختلف حيث يوجد شيء يُدعى ‘حصن الزعيم’ وكل مواطن خارج عن هذا الإطار لن يستطيع أن يصل إلى أبسط حقوقه”.
في المقابل، يكشف النائب جورج عدوان، رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية، في حديث لـ”اندبدنت عربية”، أن لجنة الإدارة والعدل أكملت في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 دراسة قانون استقلالية القضاء وقدمت تقريراً مفصلاً للهيئة العامة، ويضيف “في جلسة بتاريخ 21 فبراير (شباط) 2021، كان من المفترض إقرار القانون، ولكن تم سحبه بناءً على طلب وزير العدل لتقديم ملاحظاته. في 7 مارس (آذار) 2023، تمت المصادقة عليه ورفعه مرة أخرى للهيئة العامة. وفي 14 ديسمبر 2023، على رغم أننا قدمنا القانون للمصادقة، جاء رئيس الحكومة وطلب سحبه بتوجيهات من وزير العدل”.
ويشير عدوان إلى أنه “على رغم جهودنا والاستعداد للقبول بالملاحظات، تم سحبه”، لافتاً إلى أن “القانون كان جاهزاً للمصادقة منذ نوفمبر 2021، ولكن تأخيره كان بسبب تأجيلات الحكومة”، مؤكداً “إذا كانت هناك اتهامات بتقصير لجنة الإدارة والعدل، ينبغي أخذ هذه الظروف في الاعتبار”.
التدخل في القضاء
وترى يعقوبيان أن انتشار المحاصصة الطائفية داخل القضاء اللبناني هو “سبب رئيسي لفساد القضاء، فوضعنا اليوم أسوأ بكثير من الحروب التي مر بها لبنان ووصلنا إلى الحضيض في ظل دولة فاشلة بلا مؤسسات متينة، والضرر سيكون أكبر حتماً في حال لم يبصر هذا القانون النور”. وتؤكد النائبة المعارضة أن “الإصلاح القضائي والقانوني هو جزء أساسي من إصلاح الدولة، ونحاول كمشرّعين أن نقدم أهم القوانين الحياتية والأساسية لكي يبقى لبنان على قيد الحياة ولكن تبقى العبرة بالتنفيذ”.
وبحسب يعقوبيان “لا أحد من هذه الطبقة السياسية يريد هذا القانون. كل الجرائم التي حصلت في لبنان من جريمة الرابع من أغسطس (آب) 2020 (انفجار مرفأ بيروت) إلى الجرائم السياسية وأموالنا العالقة في المصارف وجرائم السرقات… لماذا لم نصل إلى الحقيقة؟ طبعاً لأن هذا القضاء تابع ومسيّس”، معتبرةً أن “المنظومة السياسية مرتاحة لأن العدالة بيدها وهذا الأمر يتيح لها القيام بكل الموبقات، ما يؤكد بالتالي ضرورة إقرار قانون استقلالية القضاء وشفافيته”.
المفكرة القانونية
نشرت “المفكرة القانونية” على موقعها الرسمي بعضاً من مآخذها حول اقتراح قانون استقلالية القضاء وشفافيته بعدما قامت لجنة الإدارة والعدل بتعديله، معتبرةً أنه “يناقض عنوةً ضمانات استقلالية القضاء”.
ولفتت إلى أنه “فشل في تحريره من قبضة الحسابات السياسية وأن الاقتراح يجافي العديد من الضمانات الأساسية المكرسة دولياً للقضاة. وأبرزها أنه لا يضع أي قواعد ضامنة للاستقلالية المالية أو للحقوق الأساسية (صحة، تعليم، سكن وإلخ)، ويضيّق حرية القضاة في إنشاء جمعيات والذي يشكل ضمانة لاستقلاليتهم، ويخوّل مجلس القضاء الأعلى عزل قاض (من خلال إعلان عدم أهليته) من دون تعريف عدم الأهلية ومن دون تمكين القاضي من الدفاع عن نفسه. كما يبقي نظام الملاحقة التأديبية خاضعاً لنصوص مطاطة خلافاً لمبدأي شرعية العقوبة وتناسبها مع خطورة المخالفة”. وبالتالي، يبقى الاقتراح نتيجة ذلك مشوباً بنفس العيوب الواردة في صيغة الاقتراح السابقة.
شوائب تعديل القانون
من جهته، يرى المحامي الدكتور بول مرقص، رئيس مؤسسة “جاستيسيا” الحقوقية والعميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ، أنه “بالنسبة للنص الذي تمت مناقشته وأقر في اللجان النيابية ومن ثم أحيل إلى الهيئة العامة لمجلس النواب، فهو غير مناسب للسلطة القضائية لأسباب مبدئية ولملاحظات تكونت على مضمونه”.
ويقول، “لست مع فكرة أن القضاء كي يستقل ويستقيم عمله يجب أن يقر له قانون في مجلس النواب بالضرورة. إن وجود قانون مصاغ على نحو أفضل من ذاك المقترح، من شأنه أن يدعم عمل القضاء، لكن القضاء بذاته يمكنه أن يطوّر قواعد سلوك ذاتية تؤمن استقلالية القضاة وتنزهه عن الفساد، من خلال اعتماد مدونة سلوك تمنع القضاة من تبوؤ أي منصب عام سياسي في الدولة اللبنانية بعد تركهم القضاء لفترة من الزمن ومن ذلك رئاسة المجلس الدستوري وعضويته وحقيبة العدل الوزارية وسواها”.
ويضيف مرقص، “كما إذا أردنا تحقيق مناعة إضافية للقضاء من حيث التشكيلات القضائية التي يجب أن تحفظ له، فيمكن تعديل المادة 5 من قانون القضاء العدلي لهذه الجهة فقط لا غير من دون حاجة لهذا القانون في مجلس النواب، أي اعتبار أن مشروع التشكيلات القضائية تعتبر مقرّة حكماً ولو لم تصادق عليها الحكومة”.
ويتابع، “أما وقد أعيد هذا النص الهجين للجان النيابية للدراسة فإنني لا أستغرب ذلك على اعتبار أن المجلس النيابي من الصعب أن يقر للقضاء قانوناً يحميه إذ لا مصلحة لأفراد المجلس النيابي الذين يتدخلون بمعظمهم في عمل القضاء، أن يقروا له قانوناً على هذا النحو، ولذلك يقتضي على القضاء أن ينتزع استقلاله انطلاقاً من ممارسات ذاتية وشرع ومدونات سلوك أخلاقية يلتزم بها القضاة وتشكيلات يقرها مجلس القضاء الأعلى”.