اكتفى حزب الله، الطرف السياسي والعسكري الأبرز في لبنان، حتى اللحظة بتدخّل محدود في الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، لكنه قد يضطر إلى فتح جبهة جديدة في حال شنّت الدولة العبرية هجوما بريا على غزة، وفق محللين.
وتجمع “غرفة عمليات مشتركة” حزب الله وحركة حماس مع حركة الجهاد الإسلامي وفيلق القدس الموكل العمليات الخارجية في الحرس الثوري الإيراني، وفق ما يقول مصدر مقرب من حزب الله لوكالة فرانس برس. وسبق تشكيل هذه الغرفة بأشواط الهجوم في غزة.
وتنسّق هذه الأطراف منذ سنوات تحرّكاتها معاً في إطار “محور المقاومة” الذي يضمّ فصائل فلسطينية وأخرى من لبنان والعراق وسوريا ومجموعات أخرى مناوئة لإسرائيل، تتلقى دعماً بالمال والسلاح من إيران.
ويقول الباحث في مركز مالكوم كير- كارنيغي للشرق الأوسط مهند الحاج علي لفرانس برس “في حال حدوث غزو بري كامل لقطاع غزة، فإن ذلك سيستدعي دخول حزب الله إلى الساحة”.
ويشرح أنه “في حسابات حزب الله لناحية +وحدة الساحات+، فإن تعرض أي طرف من الأطراف المشاركة في التحالف (محور المقاومة) لهجوم حاسم قد يقضي بشكل كامل” عليه.
ويرى أن هزيمة حماس في أي حرب مقبلة “تعني طبعاً هزيمة مبكرة لحزب الله والتحالف الذي ينضوي ضمنه”.
وقال متحدث عسكري إسرائيلي الخميس إن الجيش يستعد لهجوم بري على غزة، لكنه ينتظر “ما ستقرره قيادتنا السياسية”.
وشنّت حماس السبت هجوما غير مسبوق على إسرائيل انطلاقا من غزة. وردت الدولة العبرية بقصف مكثّف على القطاع. وأوقع التصعيد آلاف القتلى من الجانبين.
ومنذ الأحد، تردّ إسرائيل على قصف يستهدفها بشكل يومي من جنوب لبنان، بدأه حزب الله بقصف مواقع تابعة لها في منطقة حدودية متنازع عليها.
وتبنّت حركة الجهاد الإسلامي الإثنين عملية تسلّل عبر الحدود، تصدّت لها إسرائيل، وردّت بقصف كثيف أوقع ثلاثة قتلى من عناصر حزب الله. كما تبنّت حماس إطلاق صواريخ الثلاثاء من جنوب لبنان باتجاه إسرائيل.
توازن الردع
ورغم تبادل القصف الذي رفع منسوب التوتر عند الحدود، إلا أن تدخّل حزب الله المباشر ما زال محدوداً.
ويقول مصدر دبلوماسي غربي في بيروت لفرانس برس إنّ إسرائيل وحزب الله ما زالا حتى اللحظة “يلتزمان قواعد الاشتباك” المعمول بها ضمنياً منذ صيف 2006.
ويسود توازن ردع بين الطرفين منذ الحرب المدمرة التي خاضاها في تموز/يوليو 2006، والتي خلّفت أكثر من 1200 قتيل في الجانب اللبناني معظمهم من المدنيين، و160 قتيلا في الجانب الإسرائيلي معظمهم من العسكريين.
والأربعاء، أعلن حزب الله إطلاق صواريخ موجّهة باتجاه موقع عسكري إسرائيلي، رداً على مقتل ثلاثة من عناصره الإثنين، مؤكداً أنه سيكون حاسماً في الرد على أي استهداف مقبل.
لكنّ المصدر الدبلوماسي يشير إلى “خشية حقيقية من أن يتدهور الوضع في حال توفر عامل محرّك، على غرار هجوم بري في غزة أو مقتل مدنيين من الجانبين”.
ويقول الباحث آرام نيرغيزيان من معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية لفرانس برس إن “موقف حزب الله منذ عام 2006، كان يركز على الردع أكثر من المواجهة العسكرية”.
ويسيطر حزب الله بحكم الأمر الواقع على جنوب لبنان، رغم انتشار الجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة الموقتة (يونيفيل). وهو يمتلك، وفق نيرغيزيان، “أكثر فأكثر مجموعة متطورة من القدرات الصاروخية”.
كلفة النزوح
في منتصف آب/أغسطس الماضي، قال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله إن حزبه يستطيع إعادة إسرائيل إلى “العصر الحجري”، رداً على توعّد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت خلال جولة حدودية بإعادة لبنان “إلى العصر الحجري” إذا استفزّ الحزب إسرائيل.
وقال نصرالله حينها إنّ حزبه يحتاج إلى “بضعة صواريخ دقيقة” لتدمير لائحة أهداف عدّدها، خصوصا منها “المطارات المدنية، المطارات العسكرية، قواعد سلاح الجو، محطات توليد الكهرباء وتوزيعها، محطات المياه، مراكز الاتصالات الرئيسية، مجموعة من البنى التحتية، مصافي النفط والبنزين والأمونيا”، إضافة الى “مفاعل ديمونا” النووي في جنوب الدولة العبرية.
وفي أيار/مايو الماضي، أقام حزب الله مناورة أمام وسائل الإعلام في جنوب لبنان، تخللتها محاكاة لهجمات ضد أهداف إسرائيلية ولاقتحام الجدار الحدودي الفاصل، في تكتيك مماثل لما قامت به حماس في هجوم غزة.
وحذرت إسرائيل والولايات المتحدة التي أرسلت إثر هجوم غزة حاملة الطائرات “يو إس إس جيرالد آر فورد” والسفن الحربية المرافقة لها إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، حزب الله من مغبّة فتح جبهة جديدة مع إسرائيل.
ودفع تبادل القصف عبر الحدود سكان قرى في جنوب لبنان الى مغادرة بلداتهم خشية من تفاقم الوضع أو اندلاع اشتباكات مباشرة، ما أعاد الى الذاكرة مشهد النزوح إثر حرب 2006، حين غادر نحو مليون لبناني بلداتهم الى مناطق بقيت بمنأى عن الحرب.
لكنّ كلفة النزوح هذه المرة ستكون أكبر على وقع الانهيار الاقتصادي المزمن الذي يعاني منه لبنان منذ أربع سنوات، ووسط انقسام سياسي يعطل المؤسسات الدستورية.
وينبّه نيرغيزيان إلى أن “الاستقطاب السياسي والمجتمعي بلغ مستوى، قد لا يجد معه ناخبو حزب الله الشيعة الفارون في حال نشوب حرب كبيرة في جنوب لبنان استقبالاً من مواطنيهم”، مثل ما كان الحال عليه صيف 2006.