لكن لا أحد سيهمس في أذن الدبلوماسي الفرنسي أن لبنان، “المزدهر سياحيا” هذه الأيام، غارق اجتماعيا وأمنيا في مستنقعات لا ينتشله منها انتخاب رئيس للجمهورية.
فاللبنانيون يعايشون ألوانا من الانهيار الأخلاقي والأمني تتأرجح بين الذهول والرعب، ويواصلون تجرُّع كؤوس السم الكفيلة بتحطيم أي إرادة للوجود والاستمرار والصمود للبقاء في بلدهم.. وبالحد الأدنى للحياة.. ما يجعل أي عاقل قادر يحزم حقائبه ويحمل أولاده ويبحث عن مكان طبيعي للعيش.. لا يهم أين وكيف وبأي مقومات.. المهم الهروب مما لا يمكن تحمله أو تخيله..
وإلا كيف يمكن قراءة الكوابيس التي ترافق الحياة اليومية، مع أمراض اجتماعية قد يعاني منها أي بلد آخر، لكن وجود دولة وقانون وأمن وقضاء ومحاسبة يلجمها ويحدها ويخفف من الضرر الممكن أن تلحقه بالمواطنين والمقيمين.
فالإعلام يشهد تناقضات تكاد تسلبه مصداقيته وهو ينقل تقارير عن ازدهار السياحة بفعل انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية قياسا إلى الدولار، ليلحقها بتقارير أخرى وفي النشرة ذاتها عن عمليات السلب والنهب والاعتداء على على القاصرين والقاصرات والأطفال، إن بشكل فردي أو عبر مافيات منظمة متجذرة في الأحياء الشعبية تحديدا، أو مستثمرة في الفئات الأكثر ضعفا وحاجة..
أكثر من ذلك الإعلام بات عاجزا عن حماية نفسه من انتهاكات، أقل ما يمكن أن يقال فيها أنها “زقاقية”، لم يعد يكتفي أصحابها بالتعابير البذيئة، ليحاولوا إظهار ولائهم واستنادهم على قوة مرجعياتهم بالاشتباكات وعلى الهواء مباشرة، ومن دون أن يتسبب مثل هذا الأداء البلطجي بوقف حلقة حوارية.
ولعل ما خفي ولم يجد طريقه إلى الإعلان والاعلام قد يكون أعظم وأفظع.. ما يدفع إلى التساؤل إن كان انتخاب رئيس يملك مواصفات فتح مسار العودة إلى الحياة الطبيعية إلى لبنان.. وما يطرح علامات استفهام تتعلق بقدرته وقدرة حكومته على معالجة هذه الأوضاع التي تفوق بأهميتها المالية العامة للدولة أو حصص الزعماء الطوائف من جبنة الحكم.
ولعل أكثر ما يخيف هو هذه البلادة الاجتماعية في تقبل لأوضاع الشاذة والمستعصية والمتزايدة، من دون أن يتحرك الناس، إلا بشكل فردي ولأهداف خاصة.. ومن بعدهم الطوفان.. فقد باتت شرائح واسعة من الذين خسروا ويخسرون أمانهم الاجتماعي والمالي مع تفاقم الأزمات، مقتنعة أن من يستثمر في الحثالة يصل إلى أهدافه، ومن يلتزم بالقيم والضمير والأخلاق لا يملك إلا الشكوى للخالق سبحانه وتعالى.
أو أن المطلوب هو هذا الانهيار إلى مراتب متقدمة من جحيم يفوق كل ما ورد في الأساطير، بحيث لا يبقى في البلد إلا اللصوص الكبار والصغار ومن يدور في فلكهم ومن يخضع لهم.. وإلا لما كان الهدف لهؤلاء اللصوص واضح لجهة القضاء على خصوصيات هذا البلد الصغير الذي كان غنيا بقطاعات الاستشفاء والطبابة والتعليم والمصارف والإعلام والمسارح والثقافة وحرية التعبير.
وها هو يتحوَّل إلى مأوى لكبار الخارجين عن القانون وصغاره، ولملوك المخدرات وتبييض الأموال وتهريب البشر والاتجار بهم.. عن سابق تصوُّرٍ وتصميمٍ..
وإزاء الوقائع المخيفة هذه، فإن شعارات الإصلاح ومعالجة الأزمات من فوق تبدو طنانة لكن لا جدوى فعلية لها إذا لم تترافق مع ورشات حثيثة ومعالجات جذرية لتنظيف قاع المجتمع.. والا ماذا ينفع لبنان إذا ربح رئيسا وخسر نفسه..