إنّ المرحلة الراهنة من مأزق الفكر السياسي عند المسيحيين والموارنة عمومًا يلّفه حالة من التقهقر والشلل والمرارة ، وعلى ما يبدو وإستنادًا للوقائع ولبعض التقارير التي تصدر عن مراكز أبحاث محلية ودولية بدأت هذه الحالة الإنحدارية تتعاظم على واقع هذا الفكر وفاعليته ومهابته وعلى دوره الوطني وحتى الديني في بلورة منظومة سياسية وطنية وإشاعة الطمأنينة في نفوس المسيحيين عامةً والموارنة خصوصًا وبالتالي ترسيخ هذا الحضور المسيحي لبنانيًا ومشرقيًا ، ولكن من المؤسف أنّ الفكر السياسي المسيحي حاليًا لم يُرسِّخ الديمقراطية ولا أواصر الجمهورية (جمهورية العام 1920) ولا إشاعة العدل وترسيخ حكم ديمقراطي وثقة مجتمع ، بل غياب كُلي عن لعب دور محوري في المحافظة على الكيان الوطني وأسباب الديمومة.
الفكر السياسي المسيحي يشوبه القحط وإنهيار طبقة المفكرين وحاليًا تسيطر طبقة “البزنس – السياسي ” على ما ورد في مقالة أحد المفكرين الموارنة ، وأضحت المزايدة سيّدة الموقف والشعبوية السياسية لدى المسيحيين عامة والموارنة خاصة تصيب كل المجتمع اللبناني وأدتْ إلى الطريق المسدود لا بل إلى كوارث ، وبتنا نغوص بها حتى الغرق وقادة الرأي المسيحيين والموارنة علمانيين وروحيين لهم كامل البعد في المغالاة والإفراط في لغة الأنا ، وإشعال فتائل الإثارة الإعلامية والبحث عن شهرة سياسية مزيّفة والتشكيك بنوايا بعضهم البعض وحصر الأدوار الوطنية في أنفسهم ، إضافةً إلى الميل لإلقاء التهم المُعلّبة على من يختلفون في وجهات نظرهم وآرائهم تجاه ما يجب التركيز عليه من أولويات وطنية وفكرية مسيحية .
الفكر السياسي المسيحي في مرحلتنا الحاضرة يسعى وبكل ما أوتيَ من جهود ومناسبات في تأمين عملية توريث سياسي أو إنتقال للسلطة إلى من يراه مناسبًا ليُتابع دوره ومسيرته السياسية والأمنية بطريقة سلسة تتضمن شكلاً ديمقراطيًا ولكنها في حقيقة الأمر تتم وفق أصول وأساليب دكتاتورية لا تُراعي رأي المكونات المسيحية والمارونية ولا توجهاتها ولا رغبتها في التغيير والتطوير ولا اللجوء إلى صناديق الإقتراع .
الفكر السياسي المسيحي – الماروني لا يرغب وجود فساد داخل قيادات ورموز مسؤوليه ، ولا يرغب وجود قادة موارنة يبيعون يُساومون يرهنون يُبدّلون ويتبدّلون ويتلونون ، إنّ هذا الفكر يريد قادة رأي أهل رحمة ومحبة وعطاء ورجاء يُمارسون الشأن السياسي والديني بطهارة وبروح الإنسانية وبُشرى السلام . الفكر السياسي المسيحي – الماروني أمام مأزق خطير ومصيري وعلى ما يبدو قادتهم في سبات عميق وعلى المسيحيين والمورانة الشرفاء أن يُبادروا إلى قلب الطاولة وإتخاذ زمام المبادرة ويُساعدوا على إستنهاض مسيرتهم وقيادة النخبة وفق مفاهيم وطنية ودينية تأخذ بعين الإعتبار مصالح المسيحيين والمورانة بشكل خاص قبل فوات الأوان حيث أحداث المنطقة وإفراغها من المسيحيين لخير دليل على ما نسلفه من وقائع .
الفكر السياسي المسيحي – الماروني أمام فرصة تاريخية إمّا الإنصياع للأمر الواقع أو الإنتفاض متعلمًا من التجارب السابقة ومن المفترض ألا يُمارس الهيمنة الفكرية أو الأحادية الفكرية التي أوصلتنا إلى الإحتلالات والوصايات . هذه المرحلة تتطلب فكرًا رائدًا وإختيار نوعية القادة ، كما إختيار المحافظة على الدستور والقوانين المرعية الإجراء والمطالبة بتطبيق كل القرارات الدولية ذات الشأن التي صدرت لدعم السيادة الوطنية . وإلاّ سنبقى في دوّامة مأزق الفكر السياسي عند المسيحيين وهناك البكاء وصرير الأسنان على ما ورد في إنجيل متّى 13 : 42