وفي انتظار تكشف نتائج الاتصالات الدبلوماسية لاحتواء أي تصعيد، طُرحت علامات استفهام حول مصير لجنة مراقبة الأعمال العدائية بعد تلويح قيادة الجيش اللبناني بتجميد التعاون معها، في وقت استمرت الحملة الإسرائيلية على لبنان، وزعمت هيئة البث الإسرائيلية «أن الحكومة اللبنانية كانت على علم ببناء «حزب الله» مسيّرات قبل أسبوع من الضربة الإسرائيلية في ضاحية بيروت الجنوبية». وقالت «إن الجيش اللبناني لم يتصرف ضد بناء «حزب الله» مسيرات في ضاحية بيروت الجنوبية برغم علمه بهذا النشاط».
وعصر أمس تولت قوة من الجيش اللبناني الكشف على مبنى مدمّر في منطقة المريجة ـ الليلكي في الضاحية الجنوبية لبيروت بحثاً عن أسلحة أو معدات عسكرية، وقد طوّقت المنطقة عند مشروع الكاظم خلف مدرسة الإمام الصادق، ومنعت الدخول إلى المكان. وأفيد بأن لجنة وقف إطلاق النار أبلغت الجيش اللبناني بضرورة الكشف على المكان «تحت طائلة استهدافه». وتزامناً مع كشف الجيش اللبناني على أحد المواقع في المنطقة حلّقت طائرات مسيرة إسرائيلية على علو منخفض فوق الضاحية الجنوبية.
وقد وجّه نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب تحية لرئيس الجمهورية العماد جوزف عون على موقفه «في الشروع بأخذ مواقف عملية تصعيدية لردع العدوان الصهيوني المتمادي على لبنان الذي وجد تأييداً ودعماً قويين من الشعب اللبناني وقواه الوطنية المختلفة، والذي يعبّر عن الثقة الكبيرة بفخامته والبناء عليها بتوحد الشعب اللبناني حوله، وتأييده لخطاب القسم الذي يعبّر عن مرحلة جديدة يتحمل فيها مَن في موقع المسؤولية أخذ القرار المسؤول في الظروف الصعبة مهما كانت التبعات، ويأخذ لبنان من مرحلة الانقسام السياسي إلى الوحدة الوطنية التي تبني وطناً موحداً يقف أبناؤه صفاً واحداً يوحدون كل طاقاتهم، بما فيها المقاومة والجيش بقيادته الوطنية التي نوجه لها التحية لمجابهة الخطر الصهيوني».
الخطيب: جرائم القتل والإبادة
واعتبر الخطيب «أن العدو الإسرائيلي فاقت جرائمه كل الحدود في ما يمارسه من جرائم القتل والإبادة في غزة والتدمير والقتل والإرهاب على الشعب اللبناني، رغم القرار الأممي الذي وافق عليه بعد طلبه وقف اطلاق النار، وبعد تعهد لجنة الإشراف الخماسية بتنفيذ هذا القرار، وبعد تكفل المسؤولين اللبنانيين عبر الوسائل الدبلوماسية تحرير ما احتله العدو وتحقيق الأمن والاستقرار للبنانيين». وقال «كل هذه السردية التي يعرفها كل اللبنانيين رسميين وغير رسميين لم يتحقق منها شيء.
لقد أضحى جلياً أن هذا العدو لا يلتزم بشيء ولن يلزمه احد بشيء، بل كل ذلك يحصل بموافقة من يرأس لجنة الاشراف على تنفيذ الاتفاق ويفترض أنه ضامن لتطبيقه حسب ما صرح به العدو نفسه».
وتوجّه عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب هاني قبيسي «من الجنوب، جنوب الشهداء والمقاومة بالشكر لرئيس الجمهورية على موقفه الذي أدان الاعتداء الصهيوني، وشجبه واستنكراه، بل على وقفة مشرفة طال انتظارها من رئيس للجمهورية» مؤكداً «أن هذا الأمر خير للبنان، لأن تضامن الدولة مع قضايا الناس هو تأكيد لروابط حقيقية نستطيع من خلالها مواجهة العدو الصهيوني».
وتواصل عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله مع رئيس الحكومة نواف سلام بشأن تداعيات الغارات الإسرائيلية على الضاحية، وما ألحقته من أضرار أدت إلى تشريد مئات العائلات، وشدد على «أهمية مسارعة الهيئة العليا للاغاثة من أجل الكشف عن الأبنية المتضررة، وتأمين المساعدة المالية اللازمة لتمكين السكان من البقاء في منازلهم». وأعلن «أن رئيس الحكومة تجاوب مشكوراً وكلّف رئيس الهيئة إجراء مسح للأضرار».
جعجع يهاجم «حزب الله»
أما في المقلب السياسي الآخر، فقد لفت كلام عالي النبرة لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وصف فيه أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم من دون تسميته بـ«أبو العبد» الذي كما قال «ما زال في الأسفل يقرّر، ويقول: بدي حارب، وبدي شيل وبدي حط» معتبراً أنه «لا توجد دولة في العالم تقبل بذلك».
ورأى جعجع في احتفال لمجلة «المسيرة» أنهم «يأتون في كل ساعة ويسألون: «أين الحكومة؟ وماذا تفعل الحكومة لردع الاعتداءات الإسرائيلية؟» يا صاحبي، «فك عن ظهر الحكومة، لترى ماذا يمكنها أن تفعل. طالما أنت «راكب» على ظهرها، كيف يمكنها أن تفعل شيئًا؟».
وقال «ما حصل في بيروت فضيحة كبيرة، فبعد ثمانية أشهر من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، تُضرب بيروت مجددًا. ينبرون ليقولوا الآن: «حصل هذا لأن إسرائيل «غاشمة» يا «غشيم» نحن ندرك أن إسرائيل «غاشمة» ولكن ما الذي فعلته أنت حيال ذلك، كي لا يتمكن «الغاشم» من «تغشيمك»؟ إن كانت إسرائيل «غاشمة» فأنت عليك أن تتصرف بطريقة تمنعها من التصرف بغشم، وتمنعها من أن تضربك».
وشدد على «أن الحل هو من خلال «المعادلة الإقليمية الواضحة، والمعادلة الدولية الواضحة. إننا نحتاج إلى من يأخذ بهذه المعادلات لكي نتمكن من حل مشاكلنا. لا يجوز أن يبقى المواطن اللبناني في كل لحظة في خطر، وأنه في أي لحظة قد يُضرب أو يُقتل، بينما يوجد حل» قائلاً «الحل أوّلاً «إِنَكْ تفك عن سمانا، وتفك عن سما الدولة» لكي تصبح الدولة دولة، حتى تتمكن من العمل. الحل معروف.
ومن المؤسف أنه حتى جماعة الدولة لا يقولون هذا الكلام لهم وإنما يعمدون إلى مسايرتهم، وما إن يحصل أي شيء، حتى تبدأ الأوركسترا: «العدو الصهيوني، العدو الصهيوني»…، وتنتهي المسألة عند هذا الحد، ويدخلون جميعًا في حالة «ترانس» أي كأنهم تحت تأثير مخدّر، فيبدأون بالهتاف: «العدو الصهيوني!» وكأننا إذا قلنا «العدو الصهيوني» نكون قد حصلنا على حقنا. حسنًا، قلنا «العدو الصهيوني» وإن أردتم نزيد ونقول «العدوّان الصهيونيان أو الأعداء الصهاينة» فهل تُحل مشكلتنا بذلك؟».
وتابع جعجع: «تسألهم: ما هو الحل العملي الذي تملكونه؟ يجيبون بأن الحل العملي هو أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤوليته. غريب عجيب أمرهم، وكأن المجتمع الدولي يحصر كل اهتماماته في مصالحنا كشعب لبناني، وما نتعرض له، في حين أن الحقيقة هي أن المجتمع الدولي «مش فرقانة معو» عليك أنت أن تتحمل مسؤوليتك بالدرجة الأولى، وان تقوم بالعمل الذي يمكن لك من خلاله أن تستجرّ المجتمع الدولي لدعمك فيه، وهذا هو السبيل الوحيد لحل مشكلتنا. ولكن الحقيقة، أنهم لا يقومون بذلك أبداً، وعبثاً نحاول، ليس هناك أي عقل سياسي، أو تفكير منطقي، أو واقعية يمكن أن تُجدي نفعًا عندهم، وجل ما يقومون به لا يعدو كونه طبل وزمر ورقص على «الدربكة» ونحن في حاجة ماسة وسريعة إلى إيقاف هذا العبث. لأننا إن لم نوقفه، لن يتوقّف لوحده».
ورأى «أن لدى لبنان الآن فرصة، ولا أعلم إن كانت ستبقى موجودة بعد شهرين. لدينا أصدقاء كبار في هذا العالم، بدءاً من دول الخليج، والمملكة العربية السعودية، وليس انتهاءً بأمريكا.
هؤلاء قادرون على مساعدتنا في وقف الاعتداءات الإسرائيلية، وقادرون على مساعدتنا في إخراج الإسرائيليين من لبنان، ولكن بشرط أن نصبح دولة فعليّة. وفي الواقع لم نصبح بعد دولة فعلية. لا يتطلب الأمر الكثير. إذا كان لدى أحدكم حل آخر، فليطرحه. ليقل «أنا عندي الحل الفلاني».
لكن علينا ألا نضيّع أيامنا بالبكاء والندب، والهجوم اللفظي على إسرائيل وكأن هذا الهجوم سيحلّ لنا مشاكلنا، فهذا ما حصل في الكثير من الدول العربية منذ سبعين عامًا، وهو ما أوصل إلى خسارة القضية الفلسطينية.
لذلك، علينا أن نتعلّم من تجارب الآخرين. لا يتطلب الأمر الكثير، فالحلول العمليّة موجودة وعلينا أن نُطبقها».
إشادة بالشرع
وختم جعجع «انظروا إلى حدودنا الشرقية مع الرئيس أحمد الشرع. الرجل، رغم المشاكل كلها التي كانت تعانيها سوريا، قام خلال أربعة أو خمسة أشهر بحلّها دفعة واحدة. بغض النظر عن ميوله الأيديولوجية أو الفكرية، هذا لا يعنيني الآن، يمكن للشخص أن يؤمن في داخله بما يريد ولكن عمليًا عليه أن يتخذ الخطوات اللازمة لحماية بلده وشعبه، وقد أخذ القرارات اللازمة، وهو الآن يقوم بتعزيز دولته أكثر فأكثر، ففي الأسبوع المنصرم، جاءت الحكومة القطرية وقرّرت أن تبني ثلاثة أو أربعة معامل كهرباء في سوريا، كل واحد منها بقدرة 1500 ميغاواط، مع العلم أننا في لبنان في حاجة فقط إلى معمل واحد من هذا النوع، وبادرت الحكومة القطرية إلى ذلك من دون الحصول على أي ضمانات من الحكومة السورية، لأنه لا يمكنها أن تعطي ضمانات، إنما فقط لأن القطريين رأوا أن هناك من يُمسك اللعبة بشكل صحيح، واتخذ القرار، ويتصرّف بطريقة صحيحة.
أما نحن، فماذا فعلنا هنا؟ لم ننتج شيئًا، ومن الفضيحة أن يعود ليحصل ما حصل، وتراهم يكررون «الترجومة» عن «إسرائيل والعدو، «والغاشم والغشيم».
وفي المواقف، رأى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي «أننا نعيش اليوم في لبنان زمنًا مليئًا بالتحديات، لكنه أيضًا زمن فرص جديدة، ورجاء مستمر». وقال «مجتمعنا اللبناني في حاجة إلى نفحة الروح القدس، تجدد فينا وفي كل مواطن الطاقات، وتنعش فينا المسؤولية الوطنية الإجتماعية». واضاف «في لبنان يتعطش المواطنون إلى صدق في القيادة، واستقرار في المؤسسات، وتعاون صادق بين المكونات، وروح متجدد في المؤسسات. فشعبنا، رغم الضغوط، ما زال متمسكًا بالإيمان والإنفتاح، والرغبة في أن يكون لبنان وطن الرسالة في هذا المشرق».