الدعوة وقعت في الآذان مرتين على طريقة العاصفة التي تهب مرتين، دعوة القائد العسكري لـ”كتائب القسام” محمد الضيف “أبناء الوطن العربي والإسلامي إلى الزحف نحو فلسطين للمشاركة في تحرير الأقصى”.
الترجمة العملية لذلك هي بدء طوفان أقصى عربي وإسلامي، لكن الدعوة بقيت صرخة في الهواء، بصرف النظر عن التضامن مع قضية فلسطين وشعبها، فلا زحف من أي بلد عربي، ولا زحف من أي بلد إسلامي.
أما الجمهورية الإسلامية في إيران التي ترفع شعار “الموت لإسرائيل”، وتهدد يومياً بالاستعداد لمحو الكيان الصهيوني من فوق الخريطة، فإنها لجأت إلى ما تسميه “الصبر الاستراتيجي” وقررت نوعاً من الحرب بالوكالة من خلال أذرعها في المنطقة من دون أي تورط مباشر.
“حزب الله” فتح جبهة الجنوب اللبناني على حرب “مشاغلة” لإسرائيل ومساندة لـ”حماس” ضمن معادلة قابلة للمط من دون الوصول إلى حرب مفتوحة. الفصائل العراقية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني بدأت حركة قصف بالصواريخ والمسيرات لقوات أميركية في العراق وسوريا، وحين جاءها الرد القوي توقفت، واتجهت نحو قصف متقطع بالصواريخ والمسيرات نحو إسرائيل. جبهة الجولان في سوريا جرى تحييدها عملياً.
و”أنصار الله” الحوثيون في اليمن وجدوا فرصة للحصول على دعم شعبي والقيام بدور في لعبة إقليمية ودولية عبر تهديد الملاحة التجارية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر بحجة منع السفن الإسرائيلية والأخرى المتجهة نحو ميناء إيلات الإسرائيلي. وضمن هذه الحدود بقي كل شيء. إسرائيل ترد، وأذرع إيران تقصف. لعبة “كرة طاولة”: ضربة وردها ضربة. تتسع المسافة، يتسع الرد. و”أمر اليوم” الإيراني هو تجنب التورط وتوريط طهران في حرب شاملة مع إسرائيل، بالتالي مع أميركا.
اللعبة الدائرة حالياً بعد توريط لبنان هي السعي إلى توريط الأردن، ففي لبنان، حيث السلطة ضعيفة والجمهورية بلا رئيس، و”الثنائي الشيعي” يتحكم بكل شيء، كان من السهل على “حزب الله” أن يقرر منفرداً فتح الجبهة الجنوبية. والدمار اللاحق بلبنان، ولا سيما في الجنوب، هو ثمن ما يسميه “حزب الله” الصراع الجيوسياسي و”النصر” الآتي على الكيان الصهيوني الذي وصلت خسائره في الجليل الأعلى إلى أرقام كبيرة. والمعادلة سوريالية: نصر مع دمار في الوطن الصغير في مقابل خسائر في إسرائيل من دون تحرير شبر واحد من الأرض اللبنانية المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، أو في فلسطين.
أما الأردن، حيث النظام القوي والجيش القوي، فإن توريطه يأخذ طابعاً آخر: تظاهرات في الشارع، ومطالبة بإلغاء “معاهدة وادي عربة” وإغلاق خط الإمداد البري إلى إسرائيل، واستعداد فصيل عراقي مرتبط بالحرس الثوري لتسليح مقاتلين أردنيين يفتحون جبهة “إسناد” لغزة، بالتالي تغيير الموقع الجيوسياسي الأردني، على الطريق إلى تغيير النظام إذا صار ذلك ممكناً، وهو ليس ممكناً.
والجانب الآخر لذلك ما جاء في بيان لحركة “فتح” التي تقود السلطة الوطنية الفلسطينية. “فتح” اتهمت إيران بأنها تعمل على “إحداث الفوضى والفلتان والعبث في الساحة الداخلية الفلسطينية”، فضلاً عن اتهام “حماس” بأنها “تحرض ضد السلطة الوطنية في الضفة الغربية وضد المملكة الأردنية في كل مكان”.
واللعب بما يقود إلى حرب أهلية أو أقله إلى صراع سياسي وأهلي حاد في لبنان، والأردن ليس مجرد عمل خطر ضد مصلحة البلد والأكثرية الرافضة للتورط في حرب، ولا هو عمل يخدم قضية فلسطين بل يخدم المشروع الإقليمي الإيراني. وهو محكوم بالفشل في لبنان في آخر المطاف، وإن بدا حالياً كأنه “ناجح”، ومحكوم بالفشل من البداية في الأردن.