لبنان
2 لم يَحْكما و2 خرجا بسلاسة ... بالصور هؤلاء هم رؤساء لبنان المتعاقبون
الراي الكويتية
Thursday, April 21, 2022
من بين أحد عشر رئيساً للجمهورية في أحد عشر عهداً عرفها لبنان منذ الاستقلال الأول العام 1943 وحتى ما بعد الاستقلال الثاني العام 2005، (عهدان لم ينطلقا هما عهد الرئيس بشير الجميل ورينيه معوض) لم يَخرج بهدوءٍ من القصر الجمهوري سوى رئيسيْن: شارل حلو والياس سركيس إذ معهما للمرة الأولى التسليم والتسلم يتم وفق الدستور، لا فراغ رئاسياً ولا محاولاتٍ للتمديد أو للتجديد.

اليوم مع اقتراب انتهاء عهد الرئيس ميشال عون، يمكن القول إن ذاكرة لبنان انفتحت مجدداً على سلسلة تواريخ وأحداث جعلت من غير الممكن أن يَعْبُرَ رئيس الجمهورية بوابة قصر بعبدا بسلاسةٍ ومن دون أن يثير خلفه زوبعة من التساؤلات ومحاولات البقاء لأطول فترة ممكنة.

يتفرّد عون عن غيره من رؤساء الجمهورية بأنه حلّ رئيساً للحكومة الانتقالية في نهاية عهد الرئيس أمين الجميل (1988)، ورفض الخروج منه إلى أن أقصي عنه (أكتوبر 1990) تحت وطأة القصف السوري، فلجأ إلى السفارة الفرنسية ومن ثم إلى منفاه في فرنسا. عون عاد رئيساً للجمهورية قبل ستة أعوام، فصار الوحيد من بين الرؤساء الذين خرجوا منه وعادوا إليه.

وهذه المرة، ورغم أن ولايته تشارف على نهايتها، مازالت التساؤلات تُطرح حول حقيقة موقفه.

هل يغادر عون فعلياً قصر بعبدا في ظل حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها الرئيس نجيب ميقاتي أم يرفض تسليم صلاحياته إليها، فيبقى في القصر الجمهوري؟

بشارة الخوري

مع بشارة الخوري، أول رئيس للاستقلال، حصل في لبنان أول تجديد للعهد الرئاسي.

فإذا كان الدستور حدد ولاية الرئيس بست سنوات، إلا أن الخوري سعى مع بطانته وأولهم شقيقه السلطان سليم ومجموعة نيابية مؤيِّدة له إلى التجديد لولاية ثانية.

وهو برّرها في مذكراته بأن الميثاق الوطني أَوْجد الجو المؤيد للتجديد، وعجّل به تجديدُ الرئاسة لشكري القوتلي في سورية وحرب فلسطين.

نال الخوري ولاية ثانية، بتعديل الدستور تعديلاً استثنائياً بموافقة 46 نائباً.

لكنه لم يكمل الولاية، فعلى أبواب العام الرابع قامت القيامة ضده.

قدم الرئيس صائب سلام استقالة حكومته واعتذر الرئيس حسين العويني عن عدم تشكيل حكومة أخرى، فاضطر إلى تقديم استقالته، وعيّن اللواء فؤاد شهاب رئيساً للحكومة.

علماً أن دستور ما قبل الطائف سمح للخوري، ولاحقاً للرئيس أمين الجميل، بتعيين رئيس للحكومة، وفي المرتين كان رئيس الحكومة عسكرياً، الأول شهاب والثاني عون.

كميل شمعون

كان شهاب رئيساً للحكومة لفترة انتقالية، تحضيراً لانتخاب خلف للخوري.

فجاء الرئيس كميل شمعون على رأس عهد عرف عزاً وازدهاراً لم يعرف مثيله أي عهد آخر، وانتهى بثورة 1958 التي اندلعت من اعتبار معارضي شمعون أنه يريد التجديد لنفسه. ورغم أنه لم يعلن نيته صراحة، لكن الإطار العام ظل مشدوداً لفكرة أن شمعون يُعِدّ العُدة كي يُنتخب مرة أخرى رئيساً للجمهورية.

وقفتْ المعارضة في وجهه، فكانت أولى ثورات لبنان التي خاضتْها المعارضة بشدة ضده، مع تدخلات خارجية مع شمعون وضده.

لكن الأخير رفض مغادرة القصر الجمهوري، كما فعل من بعده جميع رؤساء الجمهورية الذين أصروا على البقاء في كرسي الرئاسة حتى الدقيقة الأخيرة من ولايتهم.

فؤاد شهاب

انتُخب شهاب خَلَفاً لشمعون.

عهده، الذي تميّز بإطلاق الإدارة اللبنانية وتثبيت مؤسساتها، شابتْه عَسْكَرَةُ السياسة وإطلاق يد «المكتب الثاني»، أي استخبارات الجيش والانتخابات المزوَّرة.

لم يستطع المكتب الثاني هضْمَ فكرة انتهاء ولاية قائد الجيش السابق وبدأ العمل على التجديد له، من دون أن يعلن الجنرال نيته صراحة.

وحتى اللحظات الأخيرة كان شهاب متمسّكاً بعدم إعلان نياته، التي كانت المعارضة تتهمه بها، كما كانت الحال في أواخر عهد شمعون.

لكن في نهاية المطاف، لم يتم التجديد لشهاب إلا أن عهده تجدد مع انتخاب الرئيس شارل الحلو الذي اعتُبر خليفته.

شارل الحلو

الحلو والرئيس سركيس لاحقاً هما الوحيدان اللذان لم يرغبا بالبقاء في قصر بعبدا إلا من الناحية الدستورية التي تفرض عليهما البقاء إلى حين انتهاء الولاية.

عدا ذلك، لا رغبة بالتجديد ولا بالتمديد.

الحلو أنهى ولايته كما بدأها، لا بل بديموقراطية طبعتْ انتخابات الرئاسة التي فاز فيها سليمان فرنجية.

سليمان فرنجية

الحرب اللبنانية التي بدأت أسبابها قبل عهد فرنجية، اندلعت في أواخره.

لكن الرئيس لم يَلِن ولم يتزحزح عن رفضه مطالب استقالته.

أراد البقاء في القصر الذي قُصف مراراً، فانتقل إلى قصر آخَر في الكفور وأصر على البقاء رئيساً.

إلا انه ارتضى في المقابل أن يتم انتخاب خليفته قبل ستة أشهر من انتهاء الولاية، وهذا ما لم يقبله عون حالياً.

أول انتخابات مبكرة عرفها لبنان، لم تُنْهِ الحربَ لكنها جعلت ولاية فرنجية تنتهي برئيسيْن واحد يَحْكم وواحد مُنْتَخَب.

كان عهد فرنجية صاخباً سياسياً وأمنياً وعسكرياً، لكنه ظل يحتفظ بما وصل إليه رئيساً منتخباً ولم يسلّم خليفته سوى في اللحظة الأخيرة من ولايته.

إلياس سركيس

تَسَلَّمَ سركيس رئاسة الجمهورية من فرنجية والبلاد تعيش على نار حامية. ستة أعوام عاشها سركيس تحت وطأة القصف والتهديدات والتدخلات الخارجية والحروب الداخلية، ولعله أكثر الذين كانوا يستعجلون نهاية عهدهم. وهو ظُلم لأنه سعى إلى تحضير أرضية صالحة لخليفته، أي الرئيس بشير الجميل، رغم كل الخضات الداخلية والمعارَضة الشديدة له.

عاصفةُ نهاية عهد سركيس لم تتعلق به ولا برغبته بالتمديد، بل العكس تماماً كان تواقاً للخروج من الحرب المدمّرة ومن القصر. إلا أن العاصفة كمنت في أنه سلّم مقاليد السلطة إلى بشير الجميل الذي اغتيل لاحقاً.

بشير وأمين الجميل

نهاية عهد بشير كانت دامية. انتهت ولايته قبل أن تبدأ، فانتُخب شقيقه الرئيس أمين الجميل خَلَفاً له، ليبدأ فصل جديد من فصول العهود الرئاسية التي تنتهي نهاية مدمّرة.

يقول الجميل في مذكراته «كان سليم الحص قد أبلغني عودته عن استقالة حكومةٍ ليس هو رئيسها الأصيل، بل وكالة بعد اغتيال الرئيس المستقيل رشيد كرامي.

انتحل الصفة رسمياً خلافاً لأحكام الدستور، الأمر الذي لم يكن في وسعي القبول به. لذا، كان عليّ أن أشكل حكومة جديدة بحسب ما يقتضيه الدستور، وكما درجت التقاليد اللبنانية».

وبعد فشل انتخاب خلَف له وعدم نجاح المفاوضات لتشكيل حكومة برئاسة الرئيس شارل الحلو أو بيار الحلو أو حكومة جديدة برئاسة الحص نفسه، اختار الجميل قائد الجيش العماد ميشال عون رئيساً للحكومة الانتقالية.

وكان ما كان منذ ذلك الوقت، إذ دخلت البلاد في أتون حرب مسيحية ـ مسيحية، وحرب مع سورية انتهت بإخراج عون من بعبدا، وهو الذي كان رفض الاعتراف بانتخاب رينيه معوض رئيساً للجمهورية كما باتفاق الطائف.

رينيه معوض والياس الهراوي

انتُخب الرئيس رينيه معوض، وعلى غرار ما حصل مع بشير الجميل، اغتيل الرئيس المنتخَب، الذي لم يتسلم صلاحياته من سلفه. وانتهى عهد جديد، وبدأ عهد الرئيس الياس الهراوي لست سنوات، كان يفترض أن تنتهي بانتخابات رئاسية وفق الدستور. لكن مرة جديدة عُدّل الدستور، بعدما وعد الرئيس السوري حافظ الأسد الهراوي بالتمديد له.

لم يحتمل الوضع تجديداً لولاية الهراوي ست سنوات جديدة، بل تمديداً لثلاث سنوات بتعديل دستوري.

إميل لحود

تلا ذلك انتخاب الرئيس إميل لحود. وتكررت الواقعة بعد ست سنوات. وعد الرئيس بشار الأسد لحود بالتمديد له، علماً أن الجو العام كان يشي بانتخاب سليمان فرنجية.

مُدّد للحود بتعديل دستوري عارضتْه مجموعة من النواب عُرفوا لاحقاً «بنواب لائحة الشرف»، واغتيل الرئيس رفيق الحريري وانفجر الوضع الداخلي.

خرج السوريون من لبنان ولم يخرج لحود من قصر بعبدا.

لم توافق بكركي حينها على إسقاط الرئيس الماروني في الشارع، فبقي حتى نهاية عهده، وغادر قصر بعبدا الذي أطفئت أنوارُه، من دون انتخاب خَلَف له. فكان الفراغ الرئاسي الثاني.

ميشال سليمان

مع انتخاب الرئيس ميشال سليمان بعد اتفاق الدوحة، بدا أن المنحى الدستوري يستعيد مساره، لكن الأمر لم يكن كذلك بتاتاً. وحين بدت السنة الأخيرة من عهده تعطي ملامح الفراغ الرئاسي الثالث واستعاد العماد ميشال عون ملف الرئاسة الذي قال إنه تنازل عنه مع اتفاق الدوحة، صار على الجميع توقع فراغ طويل الأمد.

وهذا ما حصل. رغم أن أجواء سياسية تحدثت حينها عن احتمالات التمديد لسليمان، لكن ذلك لم يكن جدياً. غادر سليمان القصر الجمهوري، ليدخله عون بعد عامين ونصف العام من الشغور الرئاسي.

الحكومات

بين أدوار الرؤساء ورغباتهم، لم يكن للحكومات دور أساسي ما خلا ما حصل عند إشكالية حكومة الحص وعون في نهاية عهد أمين الجميل.

أما في المحطات التي تلت اتفاق الطائف، المرة الوحيدة التي كان للحكومات دور فيها، حين تسلّمت حكومة الرئيس تمام سلام التي شُكلت قبل انتهاء عهد سليمان مقاليد السلطة التنفيذية بوصفها «حكومة رئاسية» ورثت صلاحيات رئيس الجمهورية.

عامان ونصف العام كانت الحكومة القائمة شرعياً ودستورياً تدير الشؤون الداخلية والخارجية. أما اليوم فحكومة الرئيس نجيب ميقاتي هي حكومة تصريف أعمال قدمت استقالتها بعد الانتخابات النيابية.

وحتى الآن لا بوادر إيجابية يمكن أن تساهم في رفع أسهم تشكيل حكومة جديدة في حال خلت سدة الرئاسة. والكباش عاد ليتجدد، بين سيناريوهات قديمة وجديدة، وفراغ رئاسي واحتمال تشكيل حكومة قبل 31 أكتوبر المقبل، أو تَمَسُّك عون ببقائه في قصر بعبدا.

أما بقاء حكومة تصريف الأعمال لتنتقل إليها مهمات الرئاسة الأولى فسيكون سابقة تضاف إلى سوابق كثيرة انتُهكت فيها الحياة السياسية والدستور مرة تلو أخرى.

Copyright © 2022 -  sadalarz  All Rights Reserved.
CSS smooth scrolling effect when clicking on the button Top