Share
تحقيق
المطبّات كثيرة وصوَر المرشحين أقلّ عكار الأبيّة... "الحزب" يدفع ومستقبلنا طار
نوال نصر - نداء الوطن
...وها نحن في عكار الأبيّة. الحفر كثيرة، المطبات أكثر، وكلما توغلنا أكثر وأكثر في العمق كلما ندرت الإعلانات الإنتخابية، وكأن دائرة الشمال الأولى في غربة عن اللحظة. لكن، ماذا عن النفوس؟ وهل كل ما نعتقده حقيقة... حقيقة؟ هل الجوع والفاقة والقلق والدولار وندرة الخبز والكهرباء والدواء وأسعار المحروقات النار أنست العكاريين أن الزمن زمن انتخابات؟
ساعة و47 دقيقة، 119,55 كيلومتراً، هي المسافة بين بيروت المتفجرة وعكار المحروقة. والوجع هنا وهناك وهنالك واحد مع فارق أن عكار وكأنها ولدت على عجل وتعيش فقراً ليس بعده فقر. فطوبى لفقراء عكار.
ننظر في الوجوه، نغوص في العيون، فنتأكد أن الأغنياء الذين يعتقدون ان الفقراء سعداء ليسوا أكثر غباء من الفقراء الذين يعتقدون أن الاغنياء سعداء. فالتعاسة في عكار، كما في جارتها طرابلس، مثل الفطر. والناس، كل الناس، ينغلون في اتجاهات شتى، كما المكوك، إيمانا منهم أن الطريقة الوحيدة لتجنب التعاسة أن لا يكون لديهم وقت فراغ.
نعبر، نراقب، نتمهل، نسرع فنصطدم بمطب، بمطبات. لوحات «القوات اللبنانية»الإنتخابية، بلون العلم اللبناني، كثيرة من بيروت الى عكار. لوحات المردة باللون الأخضر الفوسفوري أقل. منى سكر لبكي تطل في صورة ضخمة في جل الديب. كل صور المرشحين في المتن الشمالي ضخمة. «سوا» أخذت، في اللوحات الإعلانية ، حيزاً. ولوحات لوحات باسمِ التغيير. الكلّ يريد تغيير العالم من حوله لكن لا أحد، لا أحد أبدا، يفكر في تغيير نفسه.
الطريق الى عكار تمرّ من طرابلس. شحاذون مسنون ينتشرون بطريقة «مدروسة» على الجسر، في محاذاة فصيلة درك البداوي. مصفاة طرابلس في هدوء أشبه بالموت السريري. وصورة علقها أصدقاء أحمد محمود الخير ذيّلوها بعبارة: كلنا معك. إنها العبارة الأسهل التي يختارها «أصدقاء» المرشحين والزعماء. وصلنا الى المنية. صورة لمرشح مجهول مذيلة بعبارة: كنت معكم وسأبقى. إسم الرئيس الشهيد رفيق الحريري على أوتوستراد المنية يعزز نوستالجيا الذاكرة الجميلة. يافطة «كنّ نسراً حلّق لأعلى تجذب الأنظار». والى جانبها يافطة تعلن: أراض للبيع. وهناك دائماً من يشتري ويبيع حتى في أحلك الظروف.
كيلوغرام الطاووق بمئة ألف. عرضٌ مغرٍ. لكن، كم مئة ألف يتقاضاها إبن عكار، عرين الجيش اللبناني، في الشهر الواحد؟ الحساب طبعا سهل. بلدية بحنين ترحب بنا. كل مظاهر الفقر هنا. المركبات تعبر عكس السير. أطفال يجلسون أمام المقود وكبار تائهون. ويافطة شبه يتيمة تذيّل صورة: نحن أسود الليل والنهار نحن الموت والدمار. ولوحة إعلانية إستخدمها ثوار عكار مجاناً كتبوا عليها بخط اليد: «عكار الثورة مكملين».
ماذا عن ثوار عكار في الإنتخابات؟ ماذا عن وجود تيار المستقبل وقدماء المستقبل؟ ماذا عن الحضور القواتي والعوني؟
ثماني لوائح إنتخابية في دائرة الشمال الأولى عكار: عكار تنتفض (المجتمع المدني)، عكار أولاً (تحالف 8 آذار والتيار الوطني الحر والقومي)، عكار التغيير (المجتمع المدني)، نحو المواطنة (المجتمع المدني)، الوفاء لعكار (مدعومة من نجيب ميقاتي)، الإعتدال الوطني (المستقبل سابقاً)، النهوض لعكار (حركة سوا وبهاء الحريري)، لائحة عكار (القوات اللبنانية وخالد الضاهر).
ننزل على الأرض. نسأل أولاد عكار: هل ستنتخبون؟ يضحكون كثيراً قبل أن يدخلوا في الجدّ والجدّ نادراً ما يلتقي حوله عكاريان. أحدهم، من العاملين في «ملحمة الأفشل» يجيب وهو يراقب بقرة تُنحر: «كل الناس ناطرا المصاري. في دفع في صوت. ما في دفع ما في صوت». يتدخل جاره، في المحل المحاذي بالقول: «لا، لن نقبض ونبيع، لن ننتخب لأن الشيخ سعد «ما بدو». أنا مع المستقبل». يتدخل ثالث بالقول ساخراً: «مستقبل؟ طار مستقبلنا وبتحكيني هلق بليسترين! شو عملنا المستقبل؟». يتدخل رابع حازماً جازما: «نحن، كلنا، مع الشيخ خالد الضاهر» يضيف رفيقه «أنا أنتخب قوات». تقترب إمرأة وكأنها تريد أن تحسم كل القصة وهي تفرك أصابعها (تعبيراً عن بيع وشراء الأصوات) قائلة: «سننتخب الأفضل».
نكاد نشعر بالناخبين وكأنهم يلعبون «بينغو» وهم يتحدثون عن أصواتهم. ماذا عن المرشحين، ممن كانوا نواباً في لائحة المستقبل؟ أكثر من صوت يعترض على ترشّح هادي حبيش تحديداً. لكن، ماذا عن ترشح وليد البعريني الذي هو ايضاً (أو كان) نائب عن تيار المستقبل؟ يجيب رجل يقود فان: «البعريني «يصطفل» فهو مناصر للمستقبل وليس مستقبل لكن مأخذنا على هادي حبيش الذي خرج عن قرار الشيخ سعد». وقبل أن يختم يمرّ ولد مسرع ويقول: «عرفتوا إنو حزب الله يدفع هنا؟».
يقول المثل: خدوا اسرارهم من صغارهم. نتابع مسارنا. نتمهل أمام مواطنين. نسأل. نستفهم. خالد الضاهر يبدو محبوباً جداً هنا. فهل حظوظه أقوى من سواه؟ يتحدثون في عكار عن أن كثرة اللوائح ستساهم في ارتفاع نسبة المشاركة في الإنتخابات، وربما حماوتها، على الرغم من كل الظروف الإقتصادية السيئة في البلاد ونسبة الفقر الهائلة وقرف الناس في هذه البقعة الجغرافية بالتحديد.
هناك من يتحدث عن محاولات «شراء ذمم». لكن، لمصلحة من؟ الجواب يأتي سريعا: «لمصلحة لائحة جهنم». نعم، هناك اتهامات للائحة «عكار أولا» التي تضم العونيين و8 آذار وتحديداً «حزب الله». والعكاريون يحلو لهم تسميتها: لائحة جهنم. مع العلم أن الإجماع، في الشارع العكاري، على أن التنافس يوم الإنتخاب سيكون بين ثلاث لوائح تحديداً: «عكار أولاً»، «عكار»، و»الإعتدال الوطني» أما لوائح المجتمع المدني فتشرذمها منع أخذها على محمل الجد.
نتابع مسارنا. اللحوم الطازجة تتدلى بكثرة في الملاحم المنتشرة بكثرة في الأحياء العكارية. وكثيرون يذبحون على الطريق العام. لكن، هل تبيع الملاحم كل تلك الذبائح؟ يُطمئن صاحب إحدى الملاحم بالقول: كلها مدفوع ثمنها مسبقاً من مرشحين وستوزع قبل الإفطار على الصائمين. نطمئن ونتابع.
سبعون في المئة من العكاريين مسلمون سنّة. والكلام هناك يشي عن تبدل كبير في المزاج الشعبي بين 2018 و2022. يعني، من يُراهن على ما ناله في الإنتخابات الماضية يُخطئ. ويعطون مثلاً اللائحة التي تضم التيار الوطني الحر وجماعة 8 آذار التي نالت يومها أصوات الجماعة الإسلامية وعددها 5500 صوت، وكان حينها شهر عسل بين المستقبل والتيار الوطني الحر، وسعد الحريري كان قد قال لجماعته يومها: أعطوا صديقي جبران. أما الآن فقد تبدلت الصورة كثيراً. ثمة غضب، بحسب الشارع العكاري، من السنّة على «لائحة جهنم» كما يسمونها.
لائحة «عكار أولا» تضم من العونيين جيمي جبور وأسعد درغام ويترأسها النائب السابق محمد يحيى وفيها أيضا الحزب السوري القومي الإجتماعي. فهل معنى ذلك أن الأرقام التي حصل عليها جيمي جبور في 2018 مثلا ستختلف في 2022 (وهو الذي حلّ في 2018 أول، عن المقعد الماروني، في عدد الاصوات التفضيلية التي نالها)؟ يتحدث مراقب في المنطقة أن جبور حصد يومها أصوات الجماعة الإسلامية وهذا ما لن يحصل اليوم، كما أن محمد يحيى، رئيس اللائحة، لن يتمكن من منحه الأصوات الكافية اليوم كما فعل في 2018، كما ان القومي السوري اليوم منقسم وهو يعترض على المرشح شكيب عبود الذي أخذته لائحة «عكار أولا»، فالقومي يعتبر أن عبود لا يمثله. وفي الأرقام نال مرشح القومي السوري في العام 2018، 5000 صوت أما اليوم فلن يحصد أكثر من 2000 صوت. في كل حال، يتحدثون هناك أن تلك اللائحة ستنال، في أحسن الحالات، حاصلاً وكسورا.
ماذا عن لائحة القوات وخالد الضاهر وطلال المرعبي؟ ماذا عن حظوظها؟ يهتف عكاريون يتجمهرون في ساحة ببنين: خالد الضاهر وبس. هل نفهم من ذلك أن أصواتهم ستكون للائحة عكار؟ أوليس لديهم مآخذ مثلا على القوات اللبنانية؟ يتحدثون في عكار عن ان القوات طالما كانت حليفة تاريخية للمستقبل وموقفها واضح وصادق مع رفض السلاح غير الشرعي وبناء الدولة والعمق العربي وبالتالي لا مشكلة تحول دون دخولهم الى كل الضيع، كما أن مرشح القوات الدكتور وسام منصور محبوب عكارياً وحسنا فعلت القوات باختياره مستقل غير حزبي. وهذا يعتبرونه تصرفاً ذكياً. في كل حال، يتحدثون هناك عن بلوك قواتي يزيد عن 8000 صوت.
نتابع مسارنا في الضيع العكارية. باعة التمر الهندي والجلاّب ينتشرون على الطرقات، ويضعونها في قناني وفي أكياس نايلون. الليتر الواحد بسعر 15 ألفا والكيس الواحد 7 آلاف ليرة. الليمون الطازج يباع أيضا على طرقات عكار. القنينة الصغيرة بخمسة آلاف. نصل الى برقايل. الأشغال على قدم وساق. فهل هناك تلزيمات في المنطقة؟ يجيب أحد السكان: الملتزمون حفروا ونسوا التزامهم.
نتمهل كثيرا لنسأل السكان في المنطقة عن حضور «حزب الله» إنتخابيا؟ يجيب أحد وجهاء عكار: «هناك أناس يرتبطون بالحزب الذي يؤمن الدعم الى بعض المشايخ فيؤثر عليهم، لكن هذا التأثير يستمر ضعيفاً. «حزب الله» يسعى من أجل توحيد الجهود ليدفع بحلفائه جميعاً الى إنتخاب مرشحي التيار الوطني الحرّ» يضيف «من يومين أتى مسؤول من «حزب الله» الى ببنين وفطر في وجود عشر شخصيات سنية مؤيدة له لكن تأثيرها ضعيف».
«تنغل»الأطراف كلّها في عكار حالياً. وترجيحات الأرض تعطي فوز ثلاثة مرشحين وما فوق الى لائحة عكار. في المقابل، يبقى للائحة المستقبل «الإعتدال الوطني» (المستقبل سابقاً) بعض الحظوظ القليلة أما بهاء الحريري فلا حظوظ له.
نغادر عكار. نعود الى بيروت. نعبر في ساحة دوار العبده. النفايات تتراكم وعربات باعة الجلّاب والتمر هندي تأخذ مواقع لها في زوايا الساحة. وآرمة «نحو سوريا» تبدو غريبة عن المكان. العكاريون يعانون الأمرين لكنهم عندما يحين الأوان سيقولون حتما كلمتهم.
© 2022 https://sadalarz,com  All Rights Reserved.
CSS smooth scrolling effect when clicking on the button Top