تلقى لبنان، خلال الساعات الماضية، رداً أميركياً رسمياً على ملاحظاته التي كان قد سلّمها إلى الموفد الأميركي توم برّاك، في إطار التفاعل مع المبادرة التي تُعرف إعلامياً بـ «ورقة برّاك».
وتضمن هذا الرد تشديداً على عدد من الشروط الأميركية، أبرزها مكافحة تبييض الأموال واقتصاد الكاش، وهو ما تُرجم سريعاً بقرار صادر عن مصرف لبنان يقضي بمنع التعامل مع مؤسسة القرض الحسن وعدد من شركات الصرافة غير المرخصة. وتشير مصادر مطلعة إلى أن هذا البند المالي يُعدّ ركناً أساسياً في الاستراتيجية الأميركية الهادفة إلى تضييق الخناق المالي على «حزب الله»، بالتوازي مع المطالبة بحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.
ويكتسب هذا القرار المالي بُعداً سياسياً مباشراً، باعتباره يمسّ إحدى أبرز الأدوات المالية التابعة لـ «حزب الله»، وهو ما يندرج ضمن استراتيجية واشنطن الرامية إلى تجفيف منابع تمويل الحزب، بالتوازي مع مطلبها المحوري بحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.
ومن شأن خطوة مصرف لبنان أن تشكّل تمهيداً لتصعيد اقتصادي ضد «القرض الحسن»، وصولاً إلى مطالبة رسمية بإغلاقه، وهو ما كان يُعدّ سابقاً خطاً أحمر في ميزان التسويات اللبنانية.
وفي سياق موازٍ، تكشف مصادر مطلعة أن الرد الأميركي تضمّن ملاحظات إضافية حول ضرورة وضع جدول زمني واضح ومُلزم لسحب سلاح «حزب الله»، بما يشمل مراحل متتالية تبدأ من الجنوب وتمتد إلى البقاع وبيروت.
وبحسب هذه المصادر، ينص المقترح الأميركي على تقسيم عملية نزع السلاح إلى 3 مراحل، الأولى تطال جنوب نهر الليطاني وشماله، والثانية تشمل بيروت وضواحيها، أما الثالثة فتركز على البقاع.
وتترافق هذه الضغوط السياسية مع تصعيد ميداني لافت، فقد شنّ الجيش الإسرائيلي سلسلة غارات جوية عنيفة على مواقع لـ «حزب الله» في منطقة البقاع، استهدفت مخازن أسلحة وآليات لحفر الآبار، مما أدى إلى مقتل 12 شخصاً بينهم 5 من حزب الله، حسب وكالة رويترز، فيما يعدّ أكبر تصعيد عسكري منذ اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في أكتوبر الماضي. ويشير هذا التصعيد إلى اعتماد إسرائيل استراتيجية الضغط الميداني المكثف لدفع الحزب نحو تقديم تنازلات وقبول الشروط الأميركية. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أمس، إن الضربات الإسرائيلية المستمرة على لبنان رسالة واضحة لجماعة حزب الله، متهماً الجماعة المدعومة من إيران بالسعي لإعادة بناء قدراتها بما ينتهك اتفاقاً لوقف إطلاق النار.
وذكر الجيش الإسرائيلي في وقت سابق أنه بدأ قصف أهداف تابعة لقوة الرضوان، قوة النخبة بالجماعة.
وقال كاتس في بيان «غارات جيش الدفاع الإسرائيلي الجارية حالياً في لبنان رسالة واضحة إلى منظمة حزب الله الإرهابية، التي تخطط لإعادة بناء قدراتها لشن الغارات ضد إسرائيل من خلال قوة الرضوان». وذكر أن الغارات رسالة أيضاً إلى الحكومة اللبنانية، المسؤولة عن الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار.
وتتجاوز المطالب المطروحة «حزب الله»، لتطول البنية العسكرية للفصائل الفلسطينية في لبنان، وتشير المعطيات إلى أن خطة التفكيك تبدأ من جنوب «الليطاني»، لاسيما في مخيمات البص والرشيدية والبرج الشمالي، حيث يُطلب سحب الأسلحة الثقيلة، بما يشمل الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيّرة، على أن تتبعها مرحلة ثانية لتفكيك الأسلحة المتوسطة. وتشدد المصادر على أن المهلة الأميركية لتنفيذ هذا المخطط تمتد حتى نهاية العام الحالي، على أن يؤدي أي إخفاق في الالتزام بها إلى تصعيد عسكري محتمل، وفق التحذيرات الإسرائيلية المتكررة.
في المقابل، يتمسّك «حزب الله» بموقفه الرافض لتسليم سلاحه دون الحصول على ضمانات واضحة بانسحاب الجيش الإسرائيلي ووقف الانتهاكات والخروقات المتكررة للسيادة اللبنانية.
غير أن استمرار الانقسام الداخلي حول هذا الملف يهدد بتأزيم المشهد السياسي، وقد تجلّى هذا الانقسام بوضوح خلال الجلسة النيابية الأخيرة المخصصة لمناقشة الحكومة، حيث شدّدت مداخلات أغلبية النواب على ضرورة تسريع سحب السلاح والاطلاع على تفاصيل المفاوضات مع واشنطن، وهو ما قد يفضي إلى انقسام أوسع داخل مجلس الوزراء وخارجه، مع احتدام الجدل بشأن السيادة والقرار الوطني المستقل.