بدأت الأسواق في لبنان تتحضر لموسم الأعياد الذي يشمل عيد الميلاد ورأس السنة، بعدما خفتت أصوات المدافع عقب وقف إطلاق النار بين جماعة “حزب الله” وإسرائيل، لتتجه الأنظار إلى بث الروح مجدداً في الحركة التجارية والسياحية بأسواقها وفنادقها، مع عودة شركات طيران لتسيير رحلاتها رغم خروقات تقع جنوباً.
ورغم سريان اتفاق وقف إطلاق النار الأسبوع الماضي، فإن أسابيع من الغارات والقصف الإسرائيلي والهجمات الضاروخية من جانب “حزب الله” باتجاه شمال إسرائيل تركت بصماتها واضحة على مختلف قطاعات الاقتصاد اللبناني.
حركة السياحة
انعكست تداعيات الحرب على نسبة إشغال الفنادق ونشاط المنشآت السياحية، إذ توقف نشاط هذه المشروعات بشكل كلي في مناطق التوتر مثل جنوب لبنان والبقاع شرقاً.
أما في جبل لبنان باتجاه الشمال فقد تراجعت الحركة بشكل كبير، وانخفضت أعداد الرحلات الخارجية، وأعداد السياح القادمين للبلاد.
وأوضح رئيس اتحاد النقابات السياحية ونقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر لـ”الشرق”، أنه لا أحد يملك “أرقاماً رسمية واضحة بالخسائر خلال الفترة الماضية”.
وقال الأشقر: “حركة موسم الأعياد لا تزال بطيئة، على الرغم من أن وقف إطلاق النار يعطي أملاً، إلا أنه على الأرض لم يتحقق شيء بعد من حيث إشغال الغرف الفندقية”.
وأكد أن الفنادق والمنشآت السياحية جاهزة دائماً لاستقبال الزبائن، مضيفاً أن “الجاهزية كانت موجودة حتى خلال الحرب، ولكن أي تحسن في المرحلة المقبلة سيكون خجولاً”.
وأشار إلى أن نسبة الإشغال في فنادق بيروت في شهر مايو 2023 بلغت نحو 40%، أما في الشهر نفسه من العام الحالي، فلم تتجاوز نسبة الإشغال 20%.
وكشف الأشقر أن العدد الأكبر من القادمين إلى لبنان ليس من السياح العرب ولا الأجانب، ولكن من المغتربين اللبنانيين، قائلاً: “المغترب يقيم في منزل عائلته، وأعداد قليلة تحجز في الفنادق”.
أما بالنسبة لأعداد القادمين لحضور حفلات رأس السنة، فتوقع نقيب أصحاب الفنادق ألا تكون بأعداد كبيرة نظراً لأن معظم الفنانيين اتفقوا على تنظيم حفلاتهم في الخارج.
رحلات الطيران
ومع تصاعد حدة الضربات بين إسرائيل و”حزب الله” في سبتمبر الماضي، علقت معظم شركات الطيران العربية والأجنبية رحلاتها إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، خشية أن تمتد إليه العمليات العسكرية؛ لأن محيط المطار يقع على تخوم ضاحية بيروت الجنوبية التي تعرضت لقصف مكثف خلال الأسابيع الماضية.
ودفع هذا التصعيد شركات الطيران لتغيير خطوط رحلاتها من بيروت إلى مطارات أخرى، بينما استمرت وحدها شركة الخطوط الجوية اللبنانية (طيران الشرق الأوسط) في تسيير رحلاتها.
ومع سريان وقف إطلاق النار، ورغم اتهامات متبادلة بين الجانبين بانتهاكه وتسجيل أكثر من 50 خرقاً؛ بدأت شركات الطيران تعلن استئناف رحلاتها لمطار بيروت، كالخطوط الأردنية والعراقية والتركية والإيرانية والألمانية والاتحاد للطيران، مع توقعات بعودة بقية الشركات في الأسابيع المقبلة.
وسجلت أرقام الوافدين إلى مطار بيروت قبل التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر، ما يتراوح من 2000 إلى 2500 شخص يومياً، لكنها ارتفعت عقب سريان الاتفاق لتسجل ما بين 4 آلاف و4 آلاف و200 شخص في اليوم الواحد.
وفي الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي سجلت أرقام حركة السفر عبر المطار 4.9 مليون راكب من الوافدين والمغادرين، بينما وصل هذا العدد في الفترة نفسها من العام الماضي إلى نحو 5.7 مليون راكب.
الأسواق التجارية
وكان تقرير أوليّ أصدره البنك الدولي منتصف الشهر الماضي، تضمن تقديرات بأن قيمة الأضرار والخسائر التي تكبدها لبنان في الحرب قاربت 8.5 مليار دولار، بينما توقع أمين سلام وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال في مقابلة صحافية، أن تتراوح الخسائر بين 15 و20 مليار دولار.
ويرجع متابعون أسباب التباين في أرقام تقديرات الخسائر بين المؤسسات الحكومية اللبنانية والمنظمات الدولية إلى عدم إجراء مسح شامل لكل المحافظات التي تضررت جراء المعارك.
وقال رائد فقيه، عضو نقابة تجار الجنوب، في تصريح لـ”الشرق”، إن العمل يجري حالياً في محافظتي النبطية وجنوب لبنان، لإحصاء الأضرار على مستوى البناء وحجم التلف بالمواد وآلية التعويض المعتمدة.
ويضيف فقيه الذي يمتلك متجراً لبيع الملابس في مدينة صور، أن “ما يقوم به التجار حالياً، هو ترميم بسيط لمحالهم إذا كانت ما زالت صالحة لبعض التحسينات، أما ما تهدم بشكل كليّ، فيبحث صاحبه عن موقع آخر يستأجره بانتظار إعادة الإعمار”.
أما بالنسبة لموسم الأعياد، فيقول عنه فقيه: “لا نعتقد أن الحركة ستكون جيدة، فالأمر لا يتعلق بأصحاب المهن والتجار، وإنما بقدرة الناس على الشراء والأولوية في احتياجاتهم اليومية، من المأوى والمأكل قبل الوصول إلى اللباس والاحتفالات الأخرى”.
واعتبر فقيه أن رغبة أصحاب المحال تتجه نحو إعادة افتتاح مؤسساتهم، لأنهم يدركون أن كل المساعدات المالية التي ستقدم لهم لن تساهم في ترميم الضرر.
وتابع: “نسبة الخسائر لا تقاس بالدمار فقط، ولكن بما كان يمكن للبائع والتاجر تحقيقه من ربح خلال فترة الحرب، هنا تكون الخسارة أكبر. والعمل على تنشيط الحركة هدفه مساندة بعضنا للنهضة مجدداً بالأسواق المحلية”.
وأعلن نعيم قاسم، الأمين العام لـ”حزب الله”، الخميس الماضي، تقديم مساعدات مالية لأصحاب المنازل المهدمة كلياً، لتغطية تكاليف إيجار مساكن بديلة لمدة عام أو أكثر حتى الانتهاء من ترميم منازلهم أو إعادة بنائها، وذلك بقيمة 14 ألف دولار لسكان بيروت وضواحيها، و12 ألف دولار لسكان المناطق الأخرى.
وفي شهر أكتوبر الماضي، عقد مؤتمر دولي لمساعدة لبنان بالعاصمة الفرنسية باريس، وتعهدت الدول المشاركة فيه بدفع أكثر من 800 مليون دولار، لتخفيف الأزمة الإنسانية ومساعدة النازحين.