مفارقة لبنانية بين منطقة وأخرى تفصل بينهما عشرات الأمتار ومئات في الحد الأقصى.
في الضاحية الجنوبية لبيروت يتجمع الناس في ساعات النهار لتصوير الأماكن المحدد استهدافها، بتحذيرات مسبقة من المتحدث العربي للجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي.
يقف الأشخاص على مسافة قريبة ويحملون هواتفهم النقالة للتصوير وتوثيق مشاهد لم يألفها الغرب إلا في الأعمال السينمائية وربما التلفزيونية.
أبنية تسقط بضربة واحدة، بصاروخ يصيبها، ويمكن التقاط صورته بعدسة كاميرا الهاتف، وهو يتجه إلى إسقاط مبنى أو تدمير شارع بالكامل وتحويله ركاما.
في أمكنة أخرى من العاصمة بيروت، وعلى المداخل المؤدية اليها، يلمح الناس زينة خاصة بشهر الأعياد ديسمبر المقبل، إلى عروضات خاصة بشهر نوفمبر، على طريقة «يوم الجمعة الأسود» الأميركي الذي يلي عيد الشكر هناك.
وبين الوقفتين المختلفتين مشهديا، تذكر وزارة الصحة اللبنانية عبر نشرة يومية بأرقام ضحايا الحرب الإسرائيلية، والتي ناهزت 3365 قتيلا حتى مساء الثلاثاء، بينهم 78 قتيلا سقطوا في يوم واحد في مناطق لبنانية عدة. «وقد بات الضحايا مجرد أرقام»، قالتها بحسرة إحدى الزميلات تعليقا على الأرقام التي ترتفع والمتوقع ازديادها مع قادم الأيام، في ظل الترويج لاستمرار الحرب الإسرائيلية الموسعة على لبنان، إلى 20 يناير 2025، موعد تسلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب سلطاته الدستورية من الرئيس الحالي جو بادين.
فترة انتظار ثقيلة، مخضبة بالدماء ومشاهد الدمار والردم جراء تحويل الأبنية والمنازل إلى أنقاض.
على الجهة الشرقية لجسر الدورة المؤدي إلى نهر الموت، غلف مبنى خوري الخاص ببيع الأدوات الكهربائية بالأسود، في إشارة إلى عروضات «يوم الجمعة الأسود» خلال نوفمبر الجاري، على أن يستبدل لاحقا باللون الأحمر على شكل علبة هدية، جريا على عادة سنوية تستقبل بها المؤسسة شهر الأعياد.
في حين بدأت الزينة الخاصة بالميلاد تتدلى في عدد من المجمعات التجارية في جوار العاصمة بيروت، تحضيرا لشهر يشهد حركة بيع نشطة، يعوض بها التجار فترة ركود روتينية، فكيف بالأحرى والبلاد في حرب كبيرة منذ 23 سبتمبر المقبل؟
«شهر الأعياد قائم حتى لو اشتدت الحرب»، عبارة لصاحب مؤسسة كبرى تعنى بتحضير المأكولات وتأمين الولائم في كل المناسبات. وأضاف لـ «الأنباء»: «لدينا حجوزات مسبقة، إذ أراد الناس تفادي ما حصل العام الماضي حين توقفنا عن استقبال الطلبات. ومعلوم أننا لا نؤمن خدمة التوصيل في أيام معينة خصوصا ليلة عيدي الميلاد ورأس السنة». وتابع: «تعود الناس، وقرروا المواجهة، وعدم الانتظار في الملاجئ غير المتوافرة أساسا، رغم ما شهدته البلاد من حروب».
نظرات مختلفة على ضفتين قريبتين في البلاد. هناك يسقط بناء وتدمر معالم، وهنا استمرار الحياة وانتظار الفرج ماديا.
كل ينتظر ما يناسبه، وهي طريقة فضلى في مواجهة الحرب، للعبور إلى يوم أفضل يتمناه اللبنانيون على اختلاف فئاتهم، مكللا بالنصر، رغم تفسيرات مختلفة للنصر المرجو.