وبات معروفاً أن قوى المعارضة رافضة أي تحاور مع حزب الله وحلفائه وتشكّك في جدواه، ولا ترغب في تحميل رئيس الجمهورية أي التزامات سياسية مسبقة باعتباره التفافاً على الدستور وعلى واجب الانتخاب أولاً. ولاحظت هذه القوى المعارضة أن حزب الله يعتمد على الأمر الواقع خارج المؤسسات لإلغاء دورها حين يشاء، والعودة إليها عندما يضمن نتائج الآليات الديمقراطية بوسائله غير الديمقراطية فرضاً وترهيباً وترغيباً وإلغاء، كي يستخدمها لحساب مشروع هيمنته على لبنان، وهذا يدفعها كقوى معارضة إلى «التحذير من فرض رئيس للجمهورية يشكل امتداداً لسلطة حزب الله، محتفظة بحقها وواجبها في مواجهة أي مسار يؤدي إلى استمرار خطفه الدولة» كما ورد في بيان المعارضة.
أكثر من ذلك، فقد أثارت رسالة لودريان إلى رؤساء الكتل النيابية التي طلب فيها الإجابة خطياً على سؤالين امتعاض القوى المعارضة من الطريقة في التعاطي مع اللبنانيين، ورأوا فيها فوقية واستعادة لملامح الانتداب الفرنسي. وكان النائب التغييري وضاح الصادق شديد الوضوح بقوله «لن أرد على
فقد طلب لودريان من رؤساء الكتل النيابية معرفة المشاريع ذات الأولوية المتعلقة بولاية رئيس الجمهورية خلال السنوات الست المقبلة وما هي الصفات والكفاءات التي يجدر برئيس الجمهورية المستقبلي التحلي بها من أجل الاضطلاع بهذه المشاريع؟ وأرفق الموفد الفرنسي هذين السؤالين بتشديده على الضرورة الملحة للخروج من الطريق المسدود الحالي على الصعيد السياسي، الذي يعرّض مستقبل البلد لمخاطر جمّة.
غير أن الردود الأولية التي جاءت عقب خطوة لودريان أظهرت بوضوح عمق الانقسام اللبناني وتباعد نقاط الالتقاء بين الأطراف المتخاصمة وعدم وجود بيئة مؤاتية لبلورة حلول توافقية في هذه المرحلة. فقوى المعارضة تؤكد أنه آن أوان الحسم ولم يعد هناك أي مجال لاضاعة الوقت، ورسمت إطاراً سياسياً للمواجهة في المرحلة الراهنة، معلنة عدم قبولها بتسويات ظرفية تعيد إنتاج سيطرة حزب الله على الرئاسات الثلاث والبلد. أكثر من ذلك، لعلها المرة الأولى منذ مرحلة اغتيال الرئيس رفيق الحريري تتجرّأ بعض القوى علناً للمطالبة بتطبيق القرار 1559 الذي ينص على نزع سلاح الميليشيات وفي طليعتها حزب الله، وذلك خلافاً للبيانات الوزارية الانشائية التي تخفي بين سطورها إقراراً بمعادلة «جيش وشعب ومقاومة» التي يصرّ حزب الله على التمسك بها، ويرى فيها حماية وقوة للبلد في مواجهة إسرائيل.
من هنا تبدو الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات، ويظهر أن شكل التفاوض الوحيد المقبول لدى المعارضة هو الذي يجريه رئيس الجمهورية المقبل وضمن مهلة زمنية محدودة بُعيد انتخابه، على أن يتمحور حول مصير السلاح غير الشرعي وحصر حفظ الأمنَين الخارجي والداخلي للدولة بالجيش والأجهزة الأمنية، ما يفسح في المجال لتنفيذ كافة مندرجات وثيقة الوفاق الوطني في الطائف لا سيما بند اللامركزية الموسعة بوجهيها الإداري والمالي، وتطبيق الدستور وقرارات الشرعية الدولية وسلة الإصلاحات الإدارية والقضائية والاقتصادية، والمالية والاجتماعية. وقد تُرجم هذا الانقسام الكبير بين الأطراف اللبنانية بتطيير الجلسة التشريعية التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري مع ما تعنيه هذه الخطوة من إفقاد الرئيس بري ورقة التحكّم بالمجلس بعدما كان ضابط الايقاع على مدى سنوات طويلة. ويرفض المقاطعون للجلسة الذين تقاطع معهم أيضاً التيار الوطني الحر أي مشاركة في الجلسات قبل انتخاب الرئيس وهذا ما يؤدي إلى شلل تشريعي في البرلمان وإلى قلّة إنتاجية حكومية، وهو ما دفع برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى رفع الصوت والتحدث عن المرحلة الصعبة، محملاً كل طرف مسؤوليته، مضيفاً «اللهم أشهد أني قد بلّغت».
وترافق موقف ميقاتي مع تسريب أجواء من السراي الحكومي عن تلويح الرئيس ميقاتي بالاعتكاف بعد وصول الأمور إلى خط أحمر خصوصاً على صعيد مالية الدولة ورفض حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري إقراض الحكومة بالدولار أو تغطية بعض المصاريف الضرورية كما حصل أخيراً بعد توقف الشركة المشغّلة لمعملي الزهراني ودير عمار لإنتاج الكهرباء، ونُقل عن ميقاتي قوله للوزراء «هناك قرار حساس يتعلق باستمرارنا في العمل ينبغي اتخاذه». وفُهم أن ميقاتي أبلغ المعنيين نفاد صبره وان الاستمرار في التعطيل والتصرف غير المسؤول سيوصِل البلد إلى الهاوية استنفدنا كل الإجراءات الترقيعية وقد نصل إلى وقت لا صرف فيه ولا تصريف.