لم يمر تصريح الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي من بيروت السبت الماضي مرور الكرام، فهو قال إن “الجامعة العربية لم تعُد تصنف (حزب الله) إرهابياً”، بعد ساعات من لقائه رئيس تكتل “حزب الله” النيابي النائب محمد رعد.
هذا الكلام اللافت في توقيته ومضمونه أثار ردود فعل منددة، لا سيما في الداخل اللبناني المعارض للحزب، وكذلك أثار استغراب كثير من المحللين، خصوصاً أن الدول العربية وتحديداً تلك المعنية عن قرب بملفات الشرق الأوسط، لم تبدل موقفها من الحزب ولا نظرتها إليه، باعتبار أن دوره داخل لبنان وخارجه ما زال نفسه وكذلك ارتباطه المباشر بإيران.
في التوقيت، يأتي هذا القرار فيما يعيش الجنوب اللبناني ما يشبه الحرب مع إسرائيل، وسط ترقب لحرب شاملة “يختفي معها لبنان”، كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت.
والمعارك الدائرة منذ تسعة أشهر انفرد “حزب الله” بقرار خوضها من دون العودة للحكومة أو المؤسسات العامة أو حتى من دون موافقة أكثرية اللبنانيين، في إطار ما قال إنها “جبهة مساندة” لغزة في حربها مع إسرائيل منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
كذلك سأل متابعون عن أسباب هذا التصريح في هذا التوقيت وخلفياته والرسالة من ورائه، خصوصاً أنه أتى بعد ساعات على زيارة قام بها السفير زكي لرعد، ضمن لقاء هو الأول من نوعه منذ أكثر من 10 أعوام.
ووسط هذه العاصفة والتساؤلات الكثيرة، خرج السفير زكي قبل ساعات بتصريح فُسر على أنه توضيح أشبه بتراجع، إذ قال “تصريحاتي السابقة في شأن حزب الله فسرت في غير سياقها الصحيح… والتحفظات على سلوك وسياسات حزب الله ما زالت قائمة داخلياً وإقليمياً”.
وتابع أن قرارات الجامعة العربية ذات الصلة وأهمها القرار الخاص بصيانة الأمن القومي العربي ومكافحة الارهاب ينص في إحدى فقراته على الامتناع عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم الصريح أو الضمني إلى الكيانات أو الأشخاص الضالعين في الأعمال الارهابية، بما في ذلك إلى أي ميليشيات أو مجموعات مسلحة غير نظامية، وهو قرار معتمد بإجماع الدول الأعضاء.
كلام زكي لم يكن التوضيح الوحيد في هذا الملف، إذ أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط بدوره أن “الأمانة العامة تلتزم دوماً التنفيذ الكامل لقرارات الدول في كافة المواضيع”، وشدد على أن “التكليف الصادر لزكي بزيارة لبنان موفداً شخصياً من جانبه للتواصل مع القوى السياسية اللبنانية هو تنفيذ لقرارات مجلس الجامعة في شأن التضامن مع لبنان”.
اليوم وعلى رغم التوضيح الذي صدر عن زكي ثم أبو الغيط، لم يقتنع كثيرون بأن ما حصل كان فعلاً “سوء تفسير” للكلام، واعتبروا أنه كان بمثابة جس للنبض اللبناني والعربي.
فهل ما حصل كان محاولة لإعادة التواصل مع الحزب اصطدمت برفض غير متوقع، أم أنه اجتهاد شخصي من الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية؟.
“انسحاب غير منظم”
يوضح وزير الإعلام الأردني السابق سميح المعايطة في حديث إلى “اندبندنت عربية” أن أي قرار يصدر عن جامعة الدول العربية هو قرار الدول وليس قرار الأمين العام المساعد، إذ إن الجامعة هي مجموعة أشبه بالهيئة العامة. ويعتبر أنه ربما كانت هناك محاولة لفعل شيء في ما يتعلق بالوضع في لبنان والتصعيد مع إسرائيل أو ربما لوضع أرضية لتحرك ما.
ويردف أن زكي أتى إلى لبنان موفداً شخصياً لأبو الغيط، وما قاله لم يكُن قرار دول الجامعة، تحديداً تلك الكبرى والمؤثرة، ولكنه ربما كان محاولة لفتح حوار مع الحزب.
وعن توضيحه قبل ساعات، قال وزير الإعلام الأردني السابق إنه “لم يكُن كافياً لأن كلامه الأول الذي صدر قبل أيام كان واضحاً ورسالته كانت في غاية الوضوح، أما التوضيح فأتى كنوع من انسحاب غير منظم وطريقة في التعبير لم تؤدِّ الغرض المطلوب منها”، ويضيف “لا هو حافظ على موقفه الأول في رسالته للحزب ولا هو قام بتصحيح ما حصل بناء على ردود الفعل… هو فقط حاول أن يمسك العصا من المنتصف”.
وعن علاقة الدول العربية بـ”حزب الله” وإن كانت تغيرت، قال المعايطة إن هناك دولاً علاقتها بعيدة من “حزب الله” وهناك دولاً قريبة، إنما الدول التي كان موقفها سلبياً من الحزب فهي لا تزال على موقفها ولم تغيره، أو بات جزءاً من العلاقات السلبية تحت الرماد وجمدت في الوقت الحالي.
الكاتب والصحافي اللبناني قاسم قصير (المقرب من “حزب الله)، رأى بدوره أن كلام زكي هو عربي جديد في ظل المتغيرات الإقليمية والتطورات في غزة ولبنان، وأضاف أننا أمام مرحلة جديدة والحوار مع الحزب أصبح ضرورياً.
يقول قصير إن التوضيح لا يغير من الموقف أي شيء بل هو محاولة لاستيعاب بعض ردود الفعل السلبية، مؤكداً أن “اللقاء حصل مع النائب محمد رعد… وهناك تواصل مباشر أو غير مباشر بين الحزب وعدد من الدول العربية والغربية”.
تحول في الشرق الأوسط
أما الصحافي والكاتب اللبناني جورج علم، فرأى بدوره أن الاستحقاقات الكبرى في المنطقة باتت قريبة، وأن ليس على الطريق المؤدي إلى الشرق الأوسط سوى المنتديات الحوارية المنتشرة هنا وهناك حول غزة وجنوب لبنان، وشروط الترتيبات الأمنية المتنقلة بين عواصم عدة، على وقع التهديد بالتصعيد.
ويتحدث علم عن تحول في الشرق الأوسط بين عملية السابع من أكتوبر وما بعدها من تهدئة بعيدة من صخب المعارك والمدافع.
وفي إطار هذا التحول وضع علم كلام حسام زكي من بيروت، فيما التوضيح الذي أتى بعد “الزوبعة” التي حصلت “لم يقنع نخباً، أو يبرر سبباً”، وقال “قانونياً يفترض بمجلس الجامعة أن يجتمع ويتخذ قراراً بأكثرية الأعضاء، إذا تعذّر الإجماع، ليحدد الموقف صراحة، على غرار اجتماعه في مارس (آذار) عام 2016 حين صنف الحزب منظمة إرهابية بتحفظين لبناني وعراقي”.
وطالب مجلس الجامعة يومها الحزب بالتوقف عن نشر التطرف والطائفية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول وعدم تقديم أي دعم للإرهاب والإرهابيين في محيطه الإقليمي.
وعن الحوافز التي أملت هذا التحول، أوضح علم أن من ضمنها الحديث المتنامي عن تقارب خليجي- إيراني وتقارب إيراني- مصري والانفتاح العربي المتدرج على سوريا، والتزام الحزب “مبدئياً” تهذيب خطابه وسلوكه تجاه العرب، ودول الخليج تحديداً، وختم بالقول “رمى حسام زكي حجره في البركة اللبنانية- العربية، وراح يراقب التموجات”.