ولم يحمل لودريان مبادرة جديدة ولم يقدم حلاً على رغم تأكيده في كل اللقاءات أن فرنسا تبحث عن حل للبنان بات ملحاً وضرورياً، خصوصاً بعد مؤشرات تؤكد تحلل الدولة فيه إضافة إلى أنه فقد مصداقيته تجاه دول العالم وهذا أمر خطير، كما قال للقيادات اللبنانية.
لم يستثن وزير الخارجية الفرنسي السابق أي أحد من اجتماعاته، لكنه اختار من يزور ومن يستقبل في قصر الصنوبر. لم يدخل في الأسماء ولم يسوق لأي مرشح، ولم يقترح المقايضة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والاتفاق المسبق على بعض المراكز الحساسة، كحل. لكن من التقاه شعر بقناعة ثابتة لديه بأن انتخاب الرئيس يحتاج إلى موافقة “الثنائي الشيعي”، حركة “أمل” و”حزب الله”، ما يعني حتمية الرئيس التوافقي، الأمر الذي لا ينطبق على مرشح “الثنائي” رئيس تيار المردة سليمان فرنجية أو مرشح تقاطع المعارضة و”التيار الوطني الحر” مدير الشرق الأوسط وآسيا لصندوق النقد الدولي جهاد أزعور.
غادر لودريان لبنان على أن يعود إليه الشهر المقبل وقد يكون الموعد بعد 14 يوليو (تموز)، وقد باتت لديه نظرة شاملة للأزمة الرئاسية استناداً إلى التنوع الذي ميز لقاءاته، سيعرضها على الرئيس إيمانويل ماكرون والخارجية الفرنسية والمجموعة الخماسية، لكن الحل لا يبدو أكيداً أو قريباً كما تقول مصادر نيابية في المعارضة، خصوصاً أن الثمن لتنازل “حزب الله” أو قبوله بالتوافق على رئيس مقبول من قبل المعارضة، لا قدرة للداخل أن يقدمه له.
وتكشف مصادر دبلوماسية لـ”اندبندنت عربية” أن الأمل ضعيف في قدرة فرنسا وحدها على إيجاد حل للأزمة الرئاسية في لبنان، وتتحدث عن مساع حوارية يقودها الفاتيكان مع إيران في شأن ملف لبنان، انطلاقاً من مخاوف الكرسي الرسولي على محاولات تغيير هوية بلاد الأرز، بعدما بلغه تصميم “حزب الله” على التشدد بالملف الرئاسي للوصول إلى تغيير النظام. وأكدت المصادر الدبلوماسية أن الفاتيكان أعطى مهلة شهرين ليصل في حواره مع طهران إلى الحل. وإلا فإن الملف اللبناني سيتجه إلى التدويل، وقد تكلف المجموعة الخماسية بعقد مؤتمر من أجل لبنان.
رسائل في الشكل لا في المضمون
اعتمد الموفد الرئاسي الفرنسي تكتيك طرح الأسئلة المركزة عوض تبني طرح فكرة محددة. لم يقدم اسماً ولم يتبن مرشحاً لكنه طرح سؤالاً على الأحزاب والقوى المعارضة، يؤشر إلى بحث فرنسي غير معلن عن اسم ثالث. لودريان سأل محدثيه من المعارضة عن موقفهم إذا حصل أي تقاطع جديد على اسم غير أزعور، فكان التقاطع في الموقف بين “القوات اللبنانية” و”الكتائب” بحيث أتى الجواب بعدم الممانعة لكن ذلك يتوقف على المواصفات التي سيتمتع بها المرشح الجديد، وكشف النائب بيار بو عاصي أن رئيس حزب “القوات اللبنانية” أبلغ لودريان أنه طالما “حزب الله” يصر على فرنجية “لسنا في وارد الاستسلام لمشيئته”، كما أكد عضو كتلة “الكتائب” النائب سليم الصايغ أنهم قالوا للموفد الفرنسي “لن نقبل الاستسلام حتى لو طال الأمر ألف سنة”.
في الشكل، أعطى الموفد الرئاسي في اختياره منبر بكركي، مقر البطريركية المارونية، للإدلاء بالتصريح الوحيد الذي قدمه للإعلاميين طوال فترة إقامته في لبنان، انطباعاً بأن المرحلة السابقة في تخطي الفريق المسيحي قد طويت. كما كان لافتاً تخصيص الكتلتين المسيحيتين، “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، وقائد الجيش العماد جوزف عون، بزيارة، في حين عقدت كل اللقاءات الأخرى مع بقية الأحزاب والنواب المستقلين و”التغييريين” وشخصيات من المجتمع المدني، في مقر إقامة السفيرة الفرنسية في قصر الصنوبر. ولفتت اجتماعاته مع المرشحين الثلاثة الذين صوت لهم النواب في جلسة الانتخاب الأخيرة في 14 يونيو (حزيران)، من دون أي تمييز في الشكل قد يفهم منه تبنياً أو دعماً. فالموفد الفرنسي استقبل على مائدة الغداء فرنجية، وعقد اجتماعاً سريعاً مع الوزير السابق زياد بارود قبل أن ينضم وإياه إلى العشاء الذي أقامه لمجموعة من المجتمع المدني، وتواعد مع جهاد أزعور أن يلتقيا قريباً بعد عودة الأخير من واشنطن.
تراجع حظوظ فرنجية لكنه لا يزال في السباق
لا ينطلق الموفد الرئاسي الفرنسي من حيث بدأ سلفه المستشار باتريك دوريل. ويقرأ كثيرون في لبنان مهمة الخلف بأنها طي لصفحة فرنجية، خصوصاً أن تكليف لودريان بالملف اللبناني الرئاسي يعني أن المبادرة السابقة قد وصلت إلى حائط مسدود. وللمفارقة فإن لكل فريق قراءته للموقف الفرنسي، لا سيما أن زيارة لودريان اتخذت طابعاً استطلاعياً ولم يتخللها طرح جديد أو نص فرنسي مكتوب.
فبعد اجتماعه مع الموفد الفرنسي الخاص في معراب، قال رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع لدى سؤاله عن إمكانية إحياء المبادرة الفرنسية التي رشحت سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، “إن هذه المرحلة باتت من الماضي، وإنها صفحة وانطوت”، وأضاف “أن الموفد الفرنسي لم يأت أبداً لإقناعنا بفرنجية أو بمرشح آخر”.
وفي السياق نفسه، كشفت مصادر “التيار الوطني الحر” نقلاً عن الموفد الفرنسي أنه أبلغ جبران باسيل بأن المرحلة السابقة حول ترشيح فرنجية قد طويت وبدأت مرحلة جديدة. في المقابل أكدت مصادر مقربة من فرنجية الذي التقاه لودريان على مائدة غداء في قصر الصنوبر، أن فرنجية لم يشعر بأن فرنسا تراجعت عن مبادرتها السابقة، وأن الاجتماع كان إيجابياً وبأن المبادرة لا تزال قائمة. وأكدت المصادر المقربة من مرشح “الثنائي الشيعي” أن الفرنسيين يبحثون عن حل متكامل للأزمة يشارك فيها جميع الأفرقاء. وكان رئيس كتلة “حزب الله” (الوفاء للمقاومة) النائب محمد رعد قد شرح للموفد الفرنسي موقف حزبه من التمسك بفرنجية وأسباب هذا الموقف.
في ختام زيارته إلى لبنان والتي لن تكون الأخيرة أعلن الموفد الرئاسي الفرنسي أن للبحث الفرنسي في بيروت صلة، وشدد على أن أي حل يجب أن ينطلق من الجانب اللبناني، لكن ذلك يقتضي أن تقتنع القوى اللبنانية أولاً بأن الحل يأتي من عندها وليس من الخارج.