عام 1989، ومن أصل مجلس نيابي انتخب عام 1972 ويضم 99 نائباً، كان لا يزال حياً 73 نائباً. 17 سنة مرت من دون انتخابات بسبب الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1975. 63 نائباً فقط شاركوا في مؤتمر الطائف بالسعودية، لوضع وثيقة إنهاء الحرب وعودة الاستقرار إلى دولة مزقتها 15 سنة من المعارك على امتداد خريطة الوطن الصغير. النواب الذين حضروا في مدينة الطائف كانوا يمثلون أنفسهم، وبعضهم كان على تنسيق وطيد مع قوى تحاربت ولها وزنها السياسي والشعبي. 22 يوماً استغرقت المناقشات والاتصالات. لبنانياً أكتوبر (تشرين الأول) 1989 كان شهر “وثيقة الوفاق الوطني”، الاسم الرسمي لـ”اتفاق الطائف”. وأكتوبر 1990 كان شهر إنهاء تمرد العماد ميشال عون. بين الشهرين حصلت أحداث كثيرة، تركت أثرها على تنفيذ “الطائف” بنصه وروحه حتى يومنا هذا.
“اندبندنت عربية” اختارت شخصيتين عاصرتا ما حصل في تلك الأيام والسنوات التي تلت، كل منهما من زاوية مختلفة. فؤاد السنيورة رئيس حكومة أسبق ووزير في خمس من حكومات ما بعد الطائف، وشهد من موقعه في السلطة التنفيذية التدخلات التي أودت بالاتفاق إلى مسارات وأعراف لا تمت إلى روح الاتفاق ونصه. وبطرس حرب وزير أسبق ونائب أسبق لعب دوراً أساسياً في نهارات وليالي المناقشات، والتي تواصلت حتى بعد انتهاء المؤتمر في الطائف. وكان ممن صاغوا ذلك الاتفاق نظراً إلى خبرته السياسية وتبحره في القانون الدستوري. نبدأ الحلقة الأولى مع فؤاد السنيورة.
“حزب الله” يحاصر السنيورة
في يوليو (تموز) 2005 تولى فؤاد السنيورة منصب رئيس الحكومة اللبنانية. وفي خضم عواصف سياسية لم تهدأ، وفي يناير (كانون الثاني) 2006، وفي سابقة في تاريخ لبنان الحديث، حاصر “حزب الله” بواسطة أنصاره مقر رئاسة الحكومة، ونصبوا خياماً في محيطه. من دوافع ذلك الحصار اعتراض “حزب الله” على إنشاء محكمة دولية تنظر في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. صمد السنيورة في مقره الحكومي، على رغم سلسلة الاغتيالات التي استهدفت رموزاً من “حركة 14 آذار”، والتي بدأت قبل تعيينه رئيساً للحكومة واستمرت لسنوات. سألناه “بعيداً من المواجهة السياسية اليومية لتلك الأيام، هل خطر في بالك أن ما يحصل هدفه محاولة النيل من موقع رئيس الحكومة الذي كتب له دور محوري في “اتفاق الطائف”؟
فقال، “الحقيقة أن الأمر لا يتعلق فقط بموقع رئاسة الحكومة، الدولة اللبنانية كانت المستهدفة. فحصل استهداف للدولة الحريصة على استقلال لبنان وعروبته وعلى الدور الذي تقوم به من أجل المواطنين اللبنانيين.
لذا فطرح السؤال وكأن القضية تتعلق بفريق من اللبنانيين غير دقيق. الواقع أن الدستور اللبناني الذي جاء نتيجة “اتفاق الطائف” أراد أن يحقق إنجازاً كبيراً، ليس فقط من أجل إنهاء الحرب، وهذا أمر طبيعي وأساسي، ولكن تطلَّعَ إلى إنجاز أمر لم يستطع الآباء الأولون لاستقلال لبنان أن يحققوا فيه تقدماً. كانت الصيغة اللبنانية قائمة على سلبيتين. الأولى لا للوحدة مع سوريا، والثانية لا لاستمرار الانتداب الفرنسي. ولذا قال كثيرون كيف يقوم بلد على سلبيتين؟ جاء “اتفاق الطائف” ليغير هذه الصيغة وحوَّلها صيغة قائمة على إيجابيتين. الإيجابية الأولى عروبة لبنان، والثانية نهائية الكيان والدولة اللبنانية”.
الاتفاقات قبل “اتفاق الطائف”
ويعود السنيورة إلى الأوراق والاتفاقات التي سبقت ثم مهدت لولادة “اتفاق الطائف”، فيقول “ثمة حقيقة لا بد من الإشارة إليها. هذا الاتفاق ليس وليد تلك الاجتماعات فقط التي حصلت في أكتوبر 1989. في الواقع هناك تراكم للعديد من الاجتماعات والأوراق والصيغ التي أُعدت على مدى فترة طويلة، ومهدت لـ”اتفاق الطائف”، بدءاً بـ”الوثيقة الدستورية” التي وضعت في نهاية عهد الرئيس سليمان فرنجية عام 1976. وهناك أمر مهم للغاية، “اتفاق الطائف” تطلع إلى اللبناني كمواطن، وليس فقط بكونه ينتمي إلى طائفة معينة. تطلع إلى المواطن وتطلع إلى المجموعات اللبنانية وأراد أن يجد حلاً لإشكالية ما يعرف بالميثاق. كل ما يتعلق بالميثاق الوطني أصبح موجوداً في صلب الدستور اللبناني. مقولة “لا شرق ولا غرب” صارت جزءاً من الدستور ونظر “الطائف” إلى المواطن بأنه فرد لديه مجموعة كبيرة من التوقعات التي يطلبها من الدولة. هو مواطن يريد العيش بأمان وأن يحصل على حقوقه في الأمور الصحية والمعيشية والتعليمية والأمور الأمنية… والمواطنون متساوون في هذه الحقوق أكانوا مسلمين أو مسيحيين، والمجلس النيابي يعبر عن تطلعاتهم. ولأن لبنان مركب من طوائف حلت “وثيقة الوفاق الوطني” أي “اتفاق الطائف” هذه المشكلة بـ”مجلس الشيوخ”. هذا المجلس كان موجوداً قبل الاستقلال، ثم ألغي. مجلس الشيوخ ليس مجلساً تشريعياً ويحرص على ألا يُصار إلى تهميش أي من المجموعات اللبنانية”.
وهر الدستور
ولدى سؤاله عن سبب تعثر “اتفاق الطائف” أجاب، “لنكن واضحين لا شيء في “دستور الطائف”، وحتى الدستور ما قبله، ينم على أنه ليس دستوراً مدنياً. وبالمعنى الحقيقي ليس هناك من موقع في لبنان ينص على أنه حكر على مجموعة من المواطنين. حتى بما يتعلق بمواقع رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة المجلس النيابي، لا يوجد نص في الدستور على أن هذه المواقع حكر على طوائف معينة. وهذا يسري أيضاً على الوزراء والمدراء العامين ولا غيرهم؟ والدستور حرص في المادة 12 والمادة 95 أن يعلي شأن الكفاءة والجدارة في تحمل المسؤوليات. هذا هو الدستور اللبناني وجوهره. الذي حصل وقعنا بعد “اتفاق الطائف” في مشكلة كبرى. أوكل إلى النظام الأمني السوري اللبناني أن يتولى الإشراف على عملية تطبيق “اتفاق الطائف” جراء أخطاء ارتكبت سأتناولها لاحقاً. وفي عودة إلى حصار مقر رئاسة الحكومة، وقبله اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كان الاستهداف واضحاً، لكنني تمسكت بألا يبقى أي مجرم في منأى عن المحاسبة والعقاب. وكان همي الأول أن يصار فعلياً إلى إقرار المحكمة الدولية، والأيام أثبتت أنه لو لم تحصل محاكمة دولية لقتلة الرئيس الشهيد الحريري لوقعت في لبنان كل يوم فتنة. وما يثبت ذلك عدم الحسم حتى اليوم في مسألة جريمة انفجار المرفأ وكثرة الخلافات في الموضوع القضائي. عندما كنت في السراي كان في ذهني تلقائياً “استهداف الطائف” وموقع رئاسة الحكومة. ولكن كان في ذهني أيضاً هو الدفاع عن الدستور والدفاع عن الدولة. لقد حاولوا تزوير العملية الدستورية”.
الجدل حول مفهوم “الميثاقية
ويتابع السنيورة، “هنا وحسماً للجدل في شأن كلمة “ميثاقية”، خصوصاً من باب مقاطعة بعض الوزراء للاجتماعات. عندما تُشكل الحكومة يجب أن تضم كل الفرقاء المعنيين من مسلمين ومسيحيين. لكن النص الدستوري واضح إذ تعتبر الحكومة مستقيلة عندما يستقيل أكثر من ثلث أعضائها. لا يوجد نص في الدستور بما معناه أن فريقاً أو فئة إذا استقالت تعتبر الحكومة مستقيلة. أمر غير معقول أن نقول سقطت الميثاقية لأن وزيراً يمثل طائفة البروتستانت مثلاً استقال أو قاطع جلسات الحكومة. وأنا عندما صممت على الصمود في السراي كنت أدافع عن الدستور وعن الدولة اللبنانية. وقلت، إذا استقال وزراء ووزراء لم يستقيلوا، فمن يحسم الأمر؟ الجواب طبعاً أن مجلس النواب هو من يحسم الأمر. ولكن وقتها هناك شخص (يقصد رئيس البرلمان نبيه بري)، أقفل المجلس وأخذ المفتاح معه. كان يفترض برئيس المجلس أنه يدعو إلى جلسة لمجلس النواب، ويصار إلى البحث بشكل واقعي. وهنا أُذكّر بما حصل في جلسة الحوار في مارس (آذار) 2006. مواضيع عدة كانت مطروحة، وأول موضوع حُسم وفي الربع ساعة الأول، كان موضوع المحكمة الدولية. وهذا يعني أنهم عطلوا البلد وعطلوا المجلس النيابي وقاموا بكل ما هو مخالف للدستور وبخلاف ما اتفقنا عليه”.
التذمر السني من التجاوزات أثناء الحرب الأهلية
أين كان السنيورة أثناء مداولات “الطائف”، وكمواطن كان لا يزال يعمل في القطاع الخاص، كيف يفسر حال التذمر التي عاشتها الساحة السنية في الحرب، جراء تجاوزات الميليشيات والتنظيمات الفلسطينية المسلحة، وممارسات النظام السوري؟
“من دون شك هذا التذمر كان موجوداً، ولم يقتصر فقط على المكون السني. وأريد الإشارة هنا إلى أمر مهم. هناك من قرأ “اتفاق الطائف” بأنه أخذ من رئيس الجمهورية الماروني ليعطي رئيس الحكومة السني. الحقيقة “اتفاق الطائف” أعطى المؤسسات الدستورية. التطبيق السيئ للاتفاق ترك انطباعاً وكأن هناك صراعاً بين رئيس الجمهورية الماروني ورئيس الحكومة السني. في عودة إلى ما قبل “الطائف”، فعلياً كان يحصل تدمير لدور الدولة، ساعة من الميليشيات الفلسطينية وساعة من الميليشيات الأخرى التي جاءت كرد فعل على غيرها من الميليشيات. وأصبح المواطن غير آمن في يومه وغده وعلى مستقبله ومستقبل أولاده. حصلت انسدادات كبرى ما كان بالإمكان الخروج منها لو لم يأت “اتفاق الطائف” ليضع الحلول. وهنا أسمح لنفسي بهذا التشبيه. حتى تقود سيارة عليك أن تتعلم أيضاً نظام السير وقانونه. النظام يشرح لك كيف تنظر إلى المرآة الخلفية وكيف تقود على الجهة اليمنى. إذا قررت أن تبقى عيناك تنظران إلى الخلف وأن تقود على الجهة اليسرى، فستتعرض لحوادث سير تسبب لك ولغيرك الأضرار الجسيمة. إذا حصل ذلك لا يمكنك القول بأن المسؤول هو قانون السير. وهذا ما حصل معنا في “اتفاق الطائف”. هدفه كان حل المشكلات ولم يحصل التطبيق الحقيقي لبنوده. خلال التطبيق يمكن أن تكتشف أموراً ينبغي أن يُصار إلى النظر فيها. ولكن كل علماء الدستور في العالم يجمعون على حقيقة أساسية وهي أن كل الدساتير تستند فعلياً عند التطبيق إلى حسن نيات من يطبقونها. لا يوجد دستور ينص على كل الحالات التي يمكن أن تحصل. الدستور ناظم للعلاقات بين أبناء ويحتاج إلى وقت وبناء على التجارب تنظر إليه وفيه. وهو لا يُعدّل عند كل مشكلة. قبل “الطائف” مررنا بفترة عصيبة من 1975 إلى 1989. في أيام الاجتماعات في الطائف كنت أعمل في القطاع الخاص، وكنت ناشطاً في الشأن العام. كنت أتابع من خلال الرئيس رفيق الحريري لأنه كان حاضراً وبقوة هناك، ومن خلال الرئيس سليم الحص. وأيضاً مع الدكتور خالد قباني وهو مرجع دستوري وكان مستشاراً للرئيسين سليم الحص وحسين الحسيني”.
“الترويكا”
وعن رأيه بمصطلح “الترويكا” (اختصار الحكم بثلاثة أشخاص). هل “الترويكا” بنت طبيعية لتركيبة السلطة التي أوجدها “الطائف” أم هي من صناعة النظام السوري؟
يقول رئيس الحكومة الأسبق إن “الترويكا” من صنع النظام السوري ليقبض على البلد، ويحصر السلطة بثلاثة أشخاص ليمرر ما يريد ويمنع ما لا يريد. كان يفترض مع “الطائف” أن تتخذ السلطة شكلاً شبيهاً بتركيبة كانت قبل الاستقلال وبعده لفترة. عندما نشأ لبنان كدولة مستقلة كان يوجد تياران: “الكتلويون” و”الدستوريون”. التياران ضما شخصيات وأحزاباً من كل الاتجاهات والطوائف. التطبيق السيئ حصل ليضمن النظام الأمني السوري اللبناني إحكام قبضته على لبنان ولمنع الممارسة الحقيقية للنظام الديمقراطي”.
مسؤولية ميشال عون
ولكن الرئيس رفيق الحريري كان أحد أركان “الترويكا”. يتوسع السنيورة بالشرح إلى ما هو أبعد من “الترويكا” ويقول “دعني أقول لك ما حصل. الرئيس حافظ الأسد كان له تأثير معين على “اتفاق الطائف” في بعض بنوده. وبعد أخذ ورد وضغوط متبادلة توصلنا إلى بند انسحاب القوات السورية في مرحلة أولى إلى المديرج وضهر البيدر. وهنا حصل متغير أساسي أسهم فيه الجنرال ميشال عون بشكل كبير، وأوقع لبنان كلياً في حضن النظام السوري. عون كان ضد “الطائف”، وكان من موقعه كرئيس حكومة انتقالية واجبه التعجيل في انتخاب رئيس للجمهورية، فقام بعكس ذلك وحل البرلمان الذي يجب أن ينتخب الرئيس. وتبنى اجتهادات خطيرة لا سيما بعد حصول متغير استراتيجي أساسي تمثل باجتياح الكويت من قبل قوات الجيش العراقي. هنا تغيرت الأولويات عند دول المنطقة ودول كبرى وبالذات الولايات المتحدة. كنا في بداية مرحلة “القطب الواحد”. وتكثفت الجهود لإخراج الجيش العراقي من الكويت. اقتضى ذلك مشاركة عربية وإسلامية، وأيضاً إقفال كل البؤر المتوترة في المنطقة. ومنها طبعاً ضرورة إقفال الملف اللبناني. ومن غير النظام السوري قادر على هذه المهمة؟ فشارك الجيش السوري رمزياً في عملية تحرير الكويت، وقبض النظام الثمن بإمساكه بالملف اللبناني. وتسبب الجنرال عون بطريقة أو بأخرى في وصولنا إلى هذه الحالة. وبعد عودته من فرنسا عام 2005 عاد إلى السياسة التخريبية ذاتها”.
هل “حزب الله” يريد “الطائف”؟
دولة الرئيس هناك من يقول إن “حزب الله” لا يريد تغيير “اتفاق الطائف” فالوضع الحالي مريح له أكثر. هو يمسك بالسلطة من دون تبعات سياسية وطائفية. ورقة تغيير النظام تبقى في جيبه إلى حين ظروف مؤاتية. ما ردك؟
“من دون أدنى شك “حزب الله” يمارس بخلاف ما ينص عليه “اتفاق الطائف”. كل محاولاته الأخيرة تقع في خانة المخالفات الدستورية، لا سيما في فترة تولي ميشال عون رئاسة الجمهورية. ليس في “اتفاق الطائف” ما يعني تسلط الأقلية على الأكثرية. بحسب الدستور هناك أكثرية تمارس الحكم وأقلية لا تُهمش ويُستمع إليها، لا أن تتسلط الأقلية على الحكم وتمارس ما يُسمى “الثلث المعطل”. في فترة عون جرت محاولات لإفراغ الدستور من محتواه. وخرجوا علينا ببدعة أن الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة تحصل، ولكن لا يُعمل بمضمونها. وأصبحنا نسمع بنظرية “التأليف قبل التكليف”. هذه مخالفات دستورية فاقعة. وهنا سأورد مسألة مهمة. عندما كلفت بتشكيل الحكومة عام 2005 اقترحت على الرئيس نبيه بري جلسة مساءلة أسبوعية، أسوة بما يحصل بأعرق الديمقراطيات في العالم.
وقلت له: على مدى نحو عشر سنوات وأنا وزير في خمس حكومات، كنت تدعو لجلسات مناقشة عامة على مدى يومين وثلاثة، جلسات تتحول إلى “توك شو”، يفرغ النواب ما في صدورهم من دون نتيجة. بعد أن أُصبح رئيساً للحكومة أتمنى عليك الدعوة لجلسات أسبوعية للمحاسبة حيث تجتمع الهيئة العامة ويدلي النائب برأيه باختصار لدقيقتين أو ثلاث وليس بمطولات لا طائل منها. ويقوم الوزير المعني أو رئيس الحكومة بالرد، إذا لم يقتنع النائب يقدم استجواباً وإذا أيضاً لم يقنعه الرد على الاستجواب يطرح الثقة بالحكومة. هذه هي الطريقة الصحيحة. استجاب الرئيس بري على مدى خمسة أشهر ثم توقفت هذه الممارسة الديمقراطية. وقلت آنذاك أن هذه الممارسة الحقيقية تقطع الطريق على قيام “الترويكا”. إن دستورنا قائم على فصل السلطات وتعاونها. و”حزب الله” في مسألة “اتفاق الطائف” تسري عليه مقولة “أسمع كلامك يعجبني أشوف أفعالك استعجب”. يقول لا يريد تغيير “الطائف”، وهذا كلام نقدره، لكن لا نرى بالممارسة هذا الأمر. الدستور لا يخضع لعملية انتقائية تأخذ ما يعجبك وتهمل ما لا يرضيك. عليك التزامه ولو لم تعجبك هذه المسألة أو تلك. أنا أذكر مرة حادثة رواها لي الرئيس رفيق الحريري. أحد القوانين لم يعجب الرئيس الياس الهراوي وقال للحريري “أنا غير راض على هذا القانون لكنني سأوقعه لأن الدستور يفرض هذا التوقيع”. “حزب الله” يتكلم كثيراً عن احترام الدستور، ولكنه فعلياً لا يوليه الاحترام الحقيقي”.
النظام السوري والانسحاب الإسرائيلي
هل ما ورد عن حل الميليشيات في “اتفاق الطائف” عنى ضمناً استثناء سلاح “حزب الله”؟ برأي السنيورة أن “الاستثناء جاء نتيجة وجود أراض لبنانية محتلة، ولذلك غُضَّ النظر عن تسليم “حزب الله” لسلاحه، وحتماً السوريون لعبوا دوراً أساسياً، وكل المبررات التي اعتمدت جاءت بسبب وجود احتلال إسرائيلي. وهنا لا بد من ذكر هذه الواقعة. لقد تبين لي، مما سمعته لاحقاً من الدكتور محمد شطح، مندوب لبنان في الأمم المتحدة، إسرائيل من عام 1998 تريد الانسحاب من لبنان، أي قبل سنتين مما حصل بعد ذلك. وما كان يؤخر هذا الانسحاب عدم موافقة لبنان آنذاك، طبعاً بتدخل مباشر من النظام السوري. عام 2000 انسحبت إسرائيل فقاموا بكل المحاولات لتبرير استمرار السلاح، واخترع لغز مزارع شبعا. ودخلنا في دوامة المزارع لبنانية، ولكن سوريا لا تعترف بذلك، وتقول هذه أرض سورية، ولا تعطي لبنان صلاحية أن يقول هذه أرضي ليطالب الأمم المتحدة بتطبيق القرار 425 الذي نص على انسحاب إسرائيل من كل الأراضي اللبنانية. وما حصل بعد عام 2000 أن سلاح “حزب الله” تغيرت وجهته وأصبح موجهاً نحو الداخل اللبناني، ومن الأمثلة ما حصل عام 2008 عندما أصبح موجهاً نحو الدولة اللبنانية. وحالياً يستمر هذا الحزب بممارسة الافتئات على سلطة الدولة اللبنانية”.