بعد الإنجيل ألقى عظة قال فيها: “المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت، ووهب الحياة للذين في القبور. إنجيل اليوم يحدثنا عن أعمى طلب منه الرب يسوع أن يغتسل بمياه بركة سلوام لكي يبصر مجددا، لكنه قام قبلا بفعل يشير إلى إعادة الخلق إذ تفل في التراب وجبل طينا وطلى به عيني المولود أعمى فمضى واغتسل وعاد بصيرا. لقد أعاد الرب البصر للأعمى وشفى بصيرته أيضا لأنه آمن بيسوع واعترف به أنه الرب. لا تقع هذه الحادثة في خانة حوادث الشفاء، إنما هي حادثة إعادة خلق لأن الرجل ولد أعمى. في البدء، قبل خلق الإنسان، خلق الله النور، وهنا، قبل إعادة فتح العينين، يعلن المسيح أنه «نور العالم»، يقابله ظلام الخطيئة وظلمة الجهل، جهل من لم يعرف المسيح. إن العمى الحقيقي هو العمى الروحي، عمى القلب، أي عدم القدرة على معرفة الحق، وأبرز دليل موقف الفريسيين من الشفاء والتحقيقات التي أجروها مع الأعمى ومع أهله، وحكمهم على يسوع لأنه لم يحفظ السبت”.
أضاف: “دعاؤنا أن يفتح الرب أعين قلوبنا لأن أعيننا الجسدية غالبا ما لا ترينا حقيقة الأمور، أما الإيمان فمن القلب ينبع، والله يخاطب قلوبنا ويسكن فيها متى كانت مفعمة بالإيمان به. أما من أعمت الخطيئة عينيه وحدت رؤيته بعيون القلب، فلا يعود بصره إليه ما لم يلمس المسيح عينيه معيدا جبلتهما بحيث لا تعودان تريان سوى الخير، وتميزانه عن الشر. هذا ما تقوم به الكنيسة عندما يؤتى إليها بمن يطلب المعمودية. فقبل غسله بمياه الجرن، تصلي الكنيسة بواسطة الكاهن من أجل أن يطرد «كل روح شرير نجس مخفي ومعشش» في قلبه، ثم ينفخ الكاهن ثلاثا في وجه المعمد، رمزا لإعادة خلقه بنفحة الروح الإلهي. قبل اقتباله استنارة الروح القدس، يقبل المعمد المسيح (أو عراباه بالإنابة عنه إذا كان طفلا)، ويعلن إيمانه به، الأمر الذي فعله الأعمى الذي «رأى وآمن» مثل توما وحاملات الطيب والمخلع والسامرية”.
وتابع: “البركة التي أرسل الرب الرجل إليها ليغسل عينيه تدعى «سلوام»، أي «المرسل»، وهي تشير إلى الكنيسة (جسد المسيح) التي أسسها الرب يسوع في العنصرة، وهو القائل: «أنا قد جئت نورا إلى العالم، حتى كل من يؤمن بي لا يمكث في الظلمة» (يو 12: 46). في الكنيسة يحصل المؤمنون على الروح القدس في المعمودية، ويجددون لباس معموديتهم من خلال سر التوبة والاعتراف، إذا ما حاول الشيطان أن يصيبهم بالعمى مجددا، عبر جذبهم إلى نار الخطيئة المحرقة، تماما كما حصل مع الفريسيين الذين عاينوا معجزة الشفاء، لكنهم فضلوا البقاء على عماهم، فلم يروا في يسوع سوى أنه كسر السبت ولم يتمم الناموس. إن الشفاء يبدأ بالاغتسال. فالمعمودية هي اغتسال من خطايا الإنسان القديم، وتحول إلى إنسان جديد مملوء من الروح القدس. والتوبة هي اغتسال بالدموع وشفاء من مرض الخطيئة العضال. يقول بولس الرسول أن المسيح «أحب الكنيسة وأسلم نفسه من أجلها، لكي يقدسها، مطهرا إياها بغسل الماء بالكلمة، لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة، لا دنس فيها ولا غضن … بل تكون مقدسة وبلا عيب» (أف 5: 25-27). الكنيسة – جسد المسيح، بدورها، تساهم في إعادة الخلق هذه، عبر غسل المعمودية، إضافة إلى معمودية دموع التوبة، كما عبر نقل الكلمة الإلهية للمؤمنين، التي بها تنقي النفوس، وتعيد خلقهم أناسا جددا، لا عيب فيهم”.
وقال: “نعيد اليوم لقديسين ملكين استحقا لقب «معادلين للرسل». فبعد أن كان قسطنطين وأمه هيلانة أعميين بالوثنية، أنار المسيح درب الملك قسطنطين بعلامة صليبه المحيي، وأقامه من الظلمة إلى النور، فاعتمد وقبل مواهب الروح القدس، وأرشد والدته إلى النور حتى اعتمدت بدورها. لم يبقيا النور لنفسيهما، بل عملا على نشر نور المسيح في أرجاء الإمبراطورية. الأعمى منذ مولده اعترف بإيمانه بالمسيح بلا خوف، والملكان قسطنطين وهيلانة لم يخشيا أية ردة فعل من الشعب الوثني، بل أعلنا إيمانهما ونشراه في كل الأقطار”.
أضاف: “حبذا لو يحذو مسؤولونا حذو الملكين القديسين، اللذين بنيا بلادهما بدل هدمها، واهتما بمصلحة الشعب روحيا ودنيويا، فساعدا المحتاجين، وحكما بالعدل، وناضلا ضد عبادة الأوثان. في بلدنا، لا نزال نجد من يعبد أصناما متمثلة بزعماء أو بمصالح مادية وكراس ينخرها سوس الفساد. نجدهم يبثون الخطيئة في النفوس، بدلا من الرجوع إلى الله، والحكم بهديه، والامتلاء بروحه، والاغتسال من الآثام التي تسببوا بها تجاه شعب يعاني القهر والفقر والذل والضياع. هذا الشعب كان ثائرا وغاضبا ورافضا تصرفات المسؤولين، لكنه عاد وانتخب من كانوا سبب نكباته وآلامه وضياع موارده ومدخراته فأوقع نفسه في هوة أعمق. عسى يكون ما يعيشه الشعب درسا في تحمل المسؤولية وفي حسن التمييز وحسن اتخاذ المواقف. ان اختيار ممثلين عن الشعب لا يكون بالاستزلام لهم والتعامي عن أخطائهم بل بتوكيلهم ومحاسبتهم. كذلك اختيار رئيس للبلاد لا يكون بحسب قربه أو بعده عن الأطراف، بل بحسب برنامجه ورؤيته ونزاهته وخبرته، وبحسب ولائه لهذا البلد وأمانته لله وللبنان. أين ذهبت الوعود المقطوعة منذ سنة؟ متى يصل المسؤولون عندنا إلى درجة من الوعي والوطنية والنضج والديمقراطية فلا يتجاهلون أي استحقاق وواجب؟ ومتى سيفتح مجلس النواب لانتخاب رئيس؟ هل يليق بلبنان أن لا يشارك رئيسه في اجتماع عربي أو دولي؟”
وتابع: “نرجو أن يكون لنا رئيس في أقرب وقت وأن يكون الإيمان من المزايا التي يبحث عنها الباحثون عن رئيس للجمهورية، لأن الحاكم إن لم يكن لله، فإن عمى الطمع والفساد سيصيب الجميع مجددا، ولن يصل الشعب إلى نور القيامة المرجوة لهذا البلد”.
وختم: “دعوتنا اليوم أن نؤمن بالرب، ونعلن إيماننا به من دون خوف، لأننا بذلك نفعل ثمار الروح القدس التي بذرت فينا يوم المعمودية. المسيح يدعونا إلى التطهر والاغتسال من الخطايا، فهل نستجيب لدعوته؟ المهم ألا ننسى أن أجسادنا هي هياكل للروح القدس، وعلينا أن نتحمل هذه المسؤولية بجد وجهاد”.