أضف الى ذلك الحوادث الأمنية المشبوهة و المتنقلة التي تحدث من حين الى آخر و في مناطق مختلفة و بتواقيتت غير بريئة و ليس آخرها ما جرى في القرنة السوداء في الفترة الأخيرة ، فماذا يجري و الى ما ستؤدي هذه الحوادث المؤسفة ان استمرت على نحوٍ تصاعدي كما يحصل هذه الأيام ؟
بداية في الحوادث المجتمعية و الفردية هي تصنف بمعظمها ضمن حالة الجنون الجماعي التي تعيشها المجتمعات اللبنانية منذ بداية الأزمة الإقتصادية و حتى اليوم و هي ناتجة بشكل أساسي عن الضيقة المالية التي يمر بها الناس و انعدام الأفق لأي حلٍّ في المدى المنطور .
من حوادث الانتحار الى جرائم القتل الى حوادث الخطف و الإبتزاز الى السرقات المتزايدة ، كلها و بشكل أساسي نتيجة مباشرة لتصدّع البنيان المؤسساتي للدولة و اضمحلاله تدريجياً ما يترك المجتمع مكشوفاً و سائباً مما يثير الرعب في عقول الناس نتيجة عجزهم عن اجتراح الحلول و غياب الغطاء الآمن الذي يؤمنه وجود مؤسسات الدولة و حضورها للمجتمعات بشكل عام .
ننتقل الى الحوادث الأمنية المشبوهة و التي تهدف بشكل أساسي إضافة الى الغايات السياسية المبيتة لبعض المستفيدين منها ، تهدف بشكل أساسي الى إنهاك القوى الأمنية و إرباكها و زيادة الضغط عليها بإغراقها بكمية هائلة من الإشكالات المتفرقة و المتفلتة ، أولاً لضرب هيبة تلك الأجهزة مع ما تمثله من صورة الدولة القوية الممسكة بالأمن و ثانياً محاولة تحييد القوى و الأمنية و إرهاقها للحلول مكانها في وقت ما ، عند من يحضّرون لإقامة دولتهم البديلة في لبنان بعد القضاء النهائي على بقايا لبنان القديم .
إن خطر ما يجري في لبنان هذه الأيام هو بمدلولاته ، هي علامات التفكك النهائي و الإنهيار الكلي و الإنزلاق التام نحو المجهول المخيف ما لم بعمل أحد في وقت قريب على محاولة احتواء الجمود و الإستعصاء السياسي الحاصل قبل فوات الأوان ، ما يجري هو بمثابة بروفا مصغرة عن انفجار اجتماعي كبير سيأتي لا محالة إن لم يتم تدارك الأمور قبل حلول الكارثة .
نحن نعيش حالة من التحلل التدريجي للمجتمع و القيم و تخطٍّ مخيف لكل الحدود التي تلزِم نفسها بها المجتمعات المتحضرة ، يترافق ذلك مع مخططات جهنمية لجماعات و دول تريد الغاء الهوية اللبنانية المعروفة و استبدالها بكيان هجين لا يشبه لبنان و اللبنانيين بشيء ، لا بماضيهم و لا بحاضرهم و طبعاً لن يكون من مستقبل لهم فيه ان تغيرت هويته التاريخية و تحول الى شيء آخر مختلف .
فلنراجع تاريخ معظم البلدان التي حصلت فيها انفجارات اجتماعية و حروب و منها التاريخ اللبناني الحديث قبل اندلاع الحرب الأهلية المشؤومة , كلها بدأت بحوادث مشابهة لما يحصل عندنا هذه الأيام و كلها بدأت بتحلل الدولة و مؤسساتها نتيجة الازمات المتلاحقة المستعصية على الحلول , و نحن طبعا لن نشذ عن هذه القاعدة و ما تاريخ الحرب الاهلية اللبنانية القريب و ما سبقها من أحداث مؤسفة سوى أكبر دليل على ما نقول فهل نتعظ قبل فوات الأوان ؟
علينا جميعاً إدراك خطورة ما يجري و خطورة تصاعده التدريجي لأن نتائجه ستكون بأحسن الأحوال كارثية و مدمرة و ستؤدي بنهاية المطاف الى زوالنا كبلد عن خريطة العالم و تشريدنا لنصبح لاجئين مشتتين في أصقاع الأرض نبحث عن هوية مفقودة ووطن ضائع لن يعود .