وبعد، فإن أوجه الشبه تقف عند هذا الحدّ وتبدأ عنده أوجه الخلاف. فحيث كانت قوات مصر وسوريا في عام 1973 مضاهية إلى حد ما للقوات الإسرائيلية وقد خاضت ضدها حرباً نظامية، إن قوات «حماس» أضعف من قوات الدولة الصهيونية بما لا يُقاس. فبينما اصطدمت في عام 1973 الطائرات بالطائرات والمجنزرات بالمجنزرات والقذائف بالقذائف على أنواعها، فإن المعدات التي استخدمها مقاتلو «حماس» لا تُقارن البتة بمعدات الجيش الصهيوني. وربّما شكّلت المثال الأسطع على ذلك الطائرات الشراعية التي استخدمها المقاتلون الفلسطينيون في العبور فوق السياج المحيط بالقطاع مقارنةً بالطائرات النفاثة والمروحيات الثقيلة التي يحوز عليها الإسرائيليون. وحتى الصواريخ التي تطلقها «حماس» بغزارة يبقى مفعولها محدوداً جداً مقارنة بالقصف الجوّي والصاروخي الإسرائيلي الفتّاك.
فإذا أخذنا التفاوت العظيم بين قوى الطرفين بالحسبان كما يجب، بدل أن ننساق وراء العواطف كما يحلو للضعفاء الذين يتوقون إلى أعمال تتوخّى روعة المشهد (روعة هنا بمعنى الفزعة) تعويضاً عن ضعف الإمكانيات وتنفيساً للاحتقان، لا بدّ لنا أن ندرك أن عملية «طوفان الأقصى» سوف يصنّفها التاريخ في خانة اعتداءات «الحادي عشر من سبتمبر» التي خضّت أمريكا والعالم في عام 2001 أكثر مما في خانة «حرب أكتوبر». وبالفعل فقد أخذ عدد من المعلقين في دولة إسرائيل، كما في العالم أجمع، يصفون «السابع من أكتوبر» كرديف لدى إسرائيل لما شكّله «الحادي عشر من سبتمبر» لدى الولايات المتحدة. والحال أن العمليتين تشكلان بامتياز نموذجين من «الاشتباك غير المتكافئ» الذي يلجأ فيه الطرف الضعيف إلى الحيلة والابتكار من أجل الالتفاف على جبروت عدوّه ومفاجأته.
فلننظر إذاً فيما آلت إليه اعتداءات «الحادي عشر من سبتمبر». لقد سدّدت لأمريكا ضربة مذهلة ومؤلمة في آن واحد، بيد أن جورج دبليو بوش استفاد منها كي يشنّ، بدعم شعبي ما كان يستطيع أن يحلم به، حملات عسكرية ما كان قادراً على شنّها لولا الاعتداءات التي نفّذها تنظيم «القاعدة» على نيويورك وواشنطن. وبالطبع فإن أهم هذه الحملات كانت اجتياح العراق واحتلاله قبل عشرين عاماً، وما أحدثه ذلك من كارثة حلّت بالشعب العراقي والمنطقة العربية بأسرها، ولا تزال آثارها ماثلة بقوة حتى يومنا. هذا وقد أتى الاجتياح بعد التدخّل الأمريكي في أفغانستان واجتثاث تنظيم «القاعدة» منها.
ومن هذا المنظور المقارن، فإن عملية «طوفان الأقصى» قد أدّت إلى إعادة توحيد صفوف مجتمع إسرائيلي كان يعاني من انشقاق عميق وأزمة سياسية خطيرة، وخوّلت بنيامين نتانياهو وزملاءه في أقصى اليمين الصهيوني جرّ صهاينة الضفة السياسية الأخرى معهم في الاستعداد لحرب أخذت تبدو عليها بصورة متزايدة ومقلقة للغاية معالم حرب الإبادة، بدءاً من فرضهم حصاراً مطبقاً، يشمل الكهرباء والماء والمواد الغذائية، على قطاع غزّة بمجمله وسكانه الذي يناهز عددهم المليونين ونصف المليون، في انتهاك فادح وخطير للغاية لقانون الحرب يؤكد أن الصهاينة يستعدّون لارتكاب جريمة ضد الإنسانية من العيار الثقيل.
فمنذ أن قامت دولة إسرائيل واليمين الصهيوني يحلم بأن يستكمل نكبة عام 1948 بطرد جماعي جديد للفلسطينيين من أراضي فلسطين بين البحر والنهر، بما فيها قطاع غزّة. ولا شكّ في أنهم يرون الآن فيما جرى يوم السبت الماضي صدمة تتيح لهم جرّ سائر المجتمع الصهيوني وراءهم في تنفيذ حلمهم في القطاع أولاً، في انتظار فرصة تنفيذه في الضفة الغربية. إن خطورة ما فُجعت به إسرائيل يوم السبت الماضي من شأنها أن تخفّف من الدور الرادع لاحتجاز «حماس» للرهائن، خلافاً لما جرى في جولات المواجهة السابقة بين الحركة والدولة الصهيونية. ومن المحتمل جداً ألّا ترضى هذه الأخيرة هذه المرّة بأقل من تدمير القطاع إلى حد يفوق كل ما شاهدناه حتى اليوم، وذلك بغية إعادة احتلاله بأقل كلفة بشرية إسرائيلية ممكنة والتسبب في نزوح معظم سكانه إلى الأراضي المصرية، كل ذلك بحجة استئصال «حماس» منه استئصالاً كاملاً. لذا يُخشى بشدّة أن يجرف «طوفان الأقصى» في نهاية مطافه قطاع غزة بأكمله مثلما جرف الطوفان الطبيعي مدينة درنة الليبية قبل شهر، لكن على نطاق أوسع بكثير.