تُنافِسُ طفرةُ السياحة بؤرَ التوتر في بلدٍ وَجَد في موسم الصيف الواعد متنفّساً من أزماتٍ سياسية – مالية تُطْبِق عليه منذ 2019 وحوّلته «دولة زومبي» بمؤسساته المتحلّلة ومصارفه (بنوكاً ومصرفا مركزيا) المُفْلِسة مع «وقف الإعلان الرسمي».
وليس أكثر دلالةً على هذا التنافس من أن يتقاسم نشاط رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في أول يوم عمل بعد عطلة الأضحى المبارك عنوانان: أمني تمحور حول احتواء الاهتزازِ الذي أطلّ برأسه من على قمة القرنة السوداء وما كاد أن يستجرّه من سيناريوات سود، والثاني سياحي تركّز على متابعة الوضع في مطار رفيق الحريري الدولي.
وفيما كانت الأنظار على مساعي تعطيل «صاعق» القرنة السوداء ومنْع تحوّله «شراً متستطيراً»، حاول «اجتماع المطار» الذي ترأسه ميقاتي وشارك فيه وزراء الداخلية والسياحة والإشغال والنقل، والمدير العام للأمن العام بالإنابة والمدير العام للطيران المدني فادي الحسن، مواكبة «هبّة الزوار» صيفاً برزمة إجراءاتٍ لتسهيل حركةِ المُسافرين (وصولاً ومغادرة) وضمان استمرار التكييف في المطار.
وتخلل الاجتماع تقييم للخدمات في المطار في ظل ما تعانيه الدولة من عجز في الخزينة العامة وما يشهده هذا المرفق الحيوي من إقبال للسائحين والمغتربين «بأعداد لم نشهدها منذ العام 2018 حيث بتنا نتكلم الآن عن نحو 36 ألف راكب كمعدل وسطي في اليوم (واصلين ومغادرين)» كما قال وزير الأشغال والنقل علي حمية الذي كشف أيضاً أن «إيرادات المطار تناهز نحو 250 مليون دولار (كاش) يتم تحويلها إلى الخزينة وتُنفق على سدِّ عجْز الموازنة ورواتب القطاع العام وجزء منها يذهب لكهرباء لبنان».
وبدا الرهانَ على إنجاح موسم الاصطياف على طريقةِ التقاط قطرة الضوء في النفق المظلم ومحاولة توسيع قُطْرِها علّها تعين الوطن الصغير على مزيدٍ من صمود «آخِر نَفَس» ريثما تكون انقشعتْ الرؤيةُ في الأزمة الرئاسية العالقة في شِباك تعقيدات داخلية وخارجية منذ نحو 10 أشهر.
ولكن حتى بريق الأمل بـ «استراحةِ صيفٍ» بين العواصف لالتقاط الأنفاس، بات يُخشى عليه من هبّة ساخنة أمنية من هنا، أو موجة سقوط حرّ جديدة من هناك لليرة التي تشهد منذ فترة استقراراً نسبياً داخل القعر السحيق، وهو ما يفسّر تركُّز الأنظار على توفير «ممرّ آمِن» لانتقال سلس لحاكمية مصرف لبنان نهاية يوليو من رياض سلامة إلى نائبه الأول وسيم منصوري (الشيعي) مع محاولة ضمان «استمراريةٍ» في السياسات والأدوات التي هدأتْ من روع الدولار الأسود وأبرزها «منصة صيرفة»، وأيضاً الجهود المبذولة لسحب الفتيل الطائفي من جريمة القرنة السوداء التي قُتل فيها مواطنان من منطقة بشري (هيثم ومالك طوق) عند «خط تماسٍ» حدودي يُختزن نزاعاً متجذراً عقارياً ومائياً بين الضنية (بقاعصفرين) وبشري وفي جغرافيا حساسة ومعقّدة قابلة لـ «الاستثمار» في أكثر من اتجاه ومن أكثر من طرف.
وهذه العوامل هي التي جعلتْ سباقاً يرتسم بين:
– مساعي تهدئة النفوس الغاضبة في بشري التي شيّعتْ أمس ابنيها في جنازة ترأسها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وسط مواقف لحزب «القوات اللبنانية» (بشري معقله الرئيسي) تؤكد التمسك بالسلم الأهلي والاحتكام للجيش اللبناني والأجهزة الأمنية لكشف حقيقة ما جرى يوم السبت و«إحقاق الحق والعدالة التي لن نتخلى عنها، وحقّنا لا يموت ودماء الشباب لن تذهب هدراً، ولن يصحّ إلا الصحيح» كما قالت النائبة ستريدا سمير جعجع.
– وبين الخشية من عدم تكشف خيوط ما جرى في القرنة السوداء وأدى بدايةً لمقتل هيثم طوق بالرصاص (قنصاً أو عن مسافة قريبة) ثم مالك طوق عصراً وتالياً مِن استدراج البلاد إلى فتنةٍ رغم حرص فاعليات المنطقتين على احتواء الموقف.
وفيما كان الجيش اللبناني يَمْضي في توقيفاتٍ لمحاولة تركيب «بازل» ما حصل في القرنة السوداء وكيف سقط هيثم طوق وهل الأمر يرتبط بالخلاف العقاري المزمن بين بشري وبقاعصفرين أو بوقائع أخرى مَخْفِية أم بيدٍ خفية، ومن دون أن يُحسم حتى الساعة بنيرانِ مَن قضى مالك طوق وهل باشتباك مع الجيش اللبناني خلال محاولة مجموعة من شبان بشري التوجه إلى الموقع الذي قُتل فيه هيثم، حرص رئيس بلدية بقاعصفرين ـ الضنية بلال زود على ملاقاة يوم الحداد العام في قضاء بشري ببيانٍ أعلن فيه «الحداد في البلدة عن روح الفقيدين هيثم ومالك طوق من أبناء جيراننا في بشري، وإغلاق المؤسسات الرسمية فيها، وتنكيس الأعلام على مبنى البلدية».
وكان زود زار ميقاتي الذي التقاه بحضور الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد المصطفى والأمين العام للهيئة العليا للاغاثة اللواء محمد خير، وتم بحث موضوع «النزاع على القرنة السوداء مع بلدة بشري».
من جهتها، شدّدت رابطة آل طوق في بيانٍ على أن «بشرّي لم ولن تكون مكسر عصا، وذرائع الخلاف في الجرد هي خارج إطار التاريخ والجغرافيا لأن الحدود مرسّمة منذ عهد المتصرفية»، معلنة أن «المتسلّحين بفائض القوة للتعدّي على البشر والحجر تطاولوا غدْراً على ابننا العزيز هيثم فأردوه قتيلاً على يد قناصٍ محترفٍ متمرّس».
كما ذكّرت بأن «بشرّي عبر كل تاريخها كانت ولا تزال إلى جانب الدولة ولا سيما الجيش اللبناني، ومن المثير للعجب أن هذا الجيش الذي نحترمه ونجلّه في الستينات لم يلعب دور الحكم العادل فقُتل بعض شبابنا، وها هو يتكرّر الحدَث ذاته مع ابننا مالك الذي سقط برصاص الجيش».
وسألت: «لماذا لم يَستعمل الجيش اللبناني هذه القوّة والعتاد لضبط الوضع المتأزم في الجرد قبل الحادثة؟ لماذا سُحبت السيارة المصابة من قبل عناصر الجيش؟ وما مبرّرارته جراء ذلك لا سيما أن هذه السيارة تشكل دليلاً دامغاً على ما حدث”؟
وأكّدت رابطة آل طوق أن «بشرّي لديها فائض من القوة تسخره دائماً لحماية الحقوق ودعم الدولة»، محذّرة «من الاستمرار في هذا النهج لأنها ستضطر آسفةً لتعديل مسلكها».
وإذ طلبت من قيادة الجيش والقضاء المختص «كشف ملابسات القضيّة بأقرب فرصة لمعرفة مَن قتل الشهيدين كي ينال جزاءه المستحَق لأنّ لا نصرة للمظلوم إلّا باحقاق الحق وصون العدالة»، حذّرت من أن «تُقرع في الغد أجراس النفير».