نشرت صحيفة “ديلي تلغراف” تقريرا أعده جيمس إي بالدوين شرح فيه كيفية إنقاذ “مخدرات الجهاد” سوريا التي مزقتها الحرب. وقال فيه إن تحولات درامية مهمة في الحرب السورية التي مضى عليها أكثر من عقد غير تطبيع سوريا علاقاتها مع جيرانها العرب. فدول مثل السعودية وتركيا والإمارات التي كانت راغبة في الماضي بالتخلص من النظام باتت تريد إعادة بشار الأسد للحظيرة الدبلوماسية.
ففي أيار/مايو، شارك الأسد في القمة العربية في جدة بالسعودية، وقبل ذلك زار الإمارات حيث رافقته زوجته. ولعل السبب الرئيسي وراء التغيرات الدبلوماسية هي مادة كبتاغون، المنشط الذي اجتاح الشرق الأوسط، وأصبحت سوريا التي مزقتها الحرب المنتج الرئيسي له. وأصبحت المادة المخدرة “شريان الحياة” لنظام الأسد، حسب الحكومة البريطانية التي قالت في شهر آذار/مارس إن حجم الصناعة وصل إلى 57 مليار دولار أمريكي، أي ثلاثة أضعاف تجارة كارتل المكسيك من المخدرات.
ورغم الخلاف حول حجم تجارة المخدرات إلا أنها باتت مربحة، مثل ذلك النوع الذي ازدهر في سوريا من “الرابطة الفرنسية” للهروين في أربعينيات القرن الماضي إلى تجارة الحشيش التي انتشرت في لبنان في سبعينيات من القرن الماضي، والذي كان خاضعا للسيطرة السورية.
وتعتبر الصناعة التي يشرف عليها مسؤولون فاسدون في نظام الأسد مصدرا للإدمان في مصر والسعودية وبقية دول الخليج تحديدا. ومن خلال الترحيب بالأسد وإعادته للحظيرة العربية، كان هناك أمل بمعالجة المشكلة واحتوائها، إلا أن دروس الماضي تشير للعكس.
وكبتاغون هو اسم تجاري لفينثيلاين المنشط الذي دخل السوق في الستينيات لمعالجة الصرع ولكنه سحب من السوق في الثمانينيات. واليوم تحتوي الحبوب على جزء المادة الأصلية مثل امفيتامين وميتامفين. وكان إنتاج كبتاغون في سوريا نتاجا للحرب، حيث استخدمه المقاتلون للبقاء يقظين في الليل ومنحهم الشجاعة. ومع استمرار الطلب على ما أطلق عليه “مخدرات الجهاد” بين الجنود والمدنيين المصدومين، وجدت الميليشيات التي تسيطر على مصانع الأدوية فرصة سانحة لتمويل عملياتها من خلال زيادة الإنتاج.
إلا أن انتشاره في السوق العالمي بدأ قبل ثمانية أعوام وأغرقت مئات الملايين من الحبوب الأسواق العالمية، ففي كانون الأول/ديسمبر اكتشفت السلطات الأردنية 6 ملايين حبة كبتاغون زنتها طن واحد على الحدود مع العراق، فيما نظر إليه على أنه أكبر مصادرة للمخدرات.
وتحاول الدول حول العالم عمل ما بوسعها لاحتواء التجارة. ففي آذار/مارس فرضت الحكومة البريطانية عقوبات على ساسة ورجال أعمال سوريين بارزين لهم علاقة بالتجارة، وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على الأشخاص أنفسهم. ولكن لا يوجد ما يظهر تراجع التجارة. وفي بداية الشهر الحالي، صادرت السعودية اكثر من 130 ألف حبة عند الحدود مع الأردن. وفي حزيران/يونيو، اكتشفت السلطات اللبنانية 450 ألف حبة مخبأة داخل محركات كهربائية متجهة نحو الخليج، وتمت مصادرة كبتاغون في الدول الأوروبية. وتنبع شعبية المنشط من أنه مصنع كدواء ولا يحيط به العار المرتبط بالكحول أو المخدرات الأخرى. وله استخدامات واسعة، حيث يستخدم كمنشط في الحفلات، ومن العمال الذين يريدون الطاقة، والطلاب الذين يريدون المذاكرة لساعات طويلة في الليل، والنساء اللاتي يردن إنقاص الوزن أو التعامل مع الملل بسبب البقاء في المنزل.
ورغم موقف السعودية المتشدد من المخدرات وفرض عقوبة حكم الإعدام، إلا أنها خففت من موقفها فيما يتعلق بأنواع معنية من المخدرات بسبب انتشار الإدمان، وسمحت بمراكز تأهيل المدمنين، وأنشأت خمسة مراكز جديدة خلال السنوات الثلاث الماضية.
وعلى هرم شبكة كبتاغون غير الشرعية، يقف الرئيس بشار الأسد. ولا توجد أدلة على ضلوع النظام نفسه في الإنتاج والتوزيع، ولكن هذه النقطة لا تفهم طبيعة الدولة السورية وقوى الأمن فيها. ولم يتبق من سوريا القديمة إلا صورة هشة منها وفقد فيها الجيش القدرة على فرض هيبته أبعد من دمشق واللاذقية وبعض القواعد العسكرية، ويحظى بدعم من الروس وإيران والمناطق التي استعادها النظام خاصة حلب، العاصمة الصناعية لا يمكن السيطرة عليها بسهولة. وتتم السيطرة على هذا الوضع الهش من خلال شبكة من الرعاية والتي يقدم فيها مسؤولو النظام، بمن فيهم عائلة الأسد، الحماية للمفيدين ولكن تحديهم يمثل خطورة. ولو كان الأسد المسؤول المباشر أو غير المباشر عن إغراق الشرق الأوسط بالكبتاغون، فلماذا تريد دول المنطقة تطبيع العلاقات معه؟ فهي ترى أن مفتاح وقف التجارة بيد النظام مهما أنكرت علاقتها به.
ومن المعروف أن الإنتاج والتوزيع يتم تسهيله عبر مسؤولين فاسدين والأجهزة الأمنية، فيمكن لسوريا القول إنها غير قادرة على وقف الفساد الذي يسمح بانتشار تجارة المخدرات. ويجب ألا يكون تورط الدولة في المخدرات مثيرا للدهشة، فهي دولة مخدرات منذ زمن طويل وبمساعدة من رموز النظام. وتعود تجارة المخدرات لسنوات ما بين الحربين العالميتين عندما تم العمل بالمراقبة الدولية. ورفضت تركيا بداية التوقيع على ميثاق جنيف للمخدرات حيث اعتقدت أنه محاولة للهيمنة الغربية. وكانت موانئ سوريا نقاط عبور للمورفين والهروين من المصانع التركية العاملة بالقانون. ثم لعبت سوريا بعد ذلك دورا في “العقدة الفرنسية” حيث تم تهريب المخدرات من المزارع التركية إلى الموانئ السورية ومنها إلى مدينة مارسيل الفرنسية حيث تم إعداده للتصدير إلى أمريكا. وعندما سيطرت سوريا على لبنان بعد عام 1976 تحولت لدولة مخدرات حيث سيطرت على محاور زراعة الحشيش في البقاع ومن ثم بدأ المزارعون بزراعة الخشخاش. ووجد حافظ الأسد نفسه مسيطرا على صناعة مخدرات عالمية. ورغم محاولة المخابرات الإسرائيلية ربط الدولة السورية بصناعة المخدرات في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، إلا أن إدارة ريغان وبوش رفضتا فرض عقوبات على النظام السوري، هذا رغم الاعتقاد الواسع أن عائلة الأسد تقوم بحماية وتتنفع من الصناعة.
وعندما زار الأسد الإمارات في آذار/مارس استقبل بحفاوة وبطلقات مدفعية. وفي الوقت الذي تم فيه تطبيع الأسد بالمنطقة إلا انه لا توجد ضمانات لكي يقوم بالحد من إنتاج كبتاغون. وكشف التاريخ أن الفساد هو المعلم للدولة السورية وليس خللا، وأثبتت الحكومة أنها ذكية في استخدام الفرص الدبلوماسية من موقعها كدولة مخدرات وتظهر التزامها بمحاربة المخدرات عبر الاعتقالات المتفرقة في وقت تتواصل فيه عمليات إنتاج وتصدير كبتاغون.