صدى الارز

كل الأخبار
مشاهدة متواصلة
تقاريرنا
أرشيف الموقع
Podcast

سوريا: بعد انفجار السويداء النظام يخشى احتجاج الساحل

في الوقت الذي تستمر فيه احتجاجات السويداء من دون تدخل أمني، يشن النظام السوري حملات اعتقالات ومطاردة واستنفار في اللاذقية وطرطوس ودرعا وحمص ودير الزور، ما يشير إلى أسلوب النظام المعتاد في الاستفراد بالمناطق السورية كما جرت العادة.

إلى ذلك، تصاعدت وتيرة الاحتجاجات في محافظة السويداء ضد نظام الأسد مع نهاية الأسبوع الماضي، والتي انطلقت كاستجابة لدعوات ناشطين للإضراب العام، يوم الأحد الفائت، احتجاجًا على تردي الأوضاع المعيشية والخدمية، والانهيار الاقتصادي.

وجاءت دعوات الناشطين على خلفية رفع الدعم الحكومي عن المحروقات، ما تسبب بشلل عام في الحركة المعيشية، وارتفاع كبير في أسعار السلع والمواد، لتستجيب المدينة للدعوات بتجمع المئات من المتظاهرين في ساحة السير وسط السويداء الأحد 20 آب (أغسطس) وفي العديد من القرى والبلدات التابعة للمحافظة.

الحركة الاحتجاجية في المدينة ذات الغالبية «الدرزية» تلقت دعما معنويا من مرجعيتها الدينية المتمثلة بـ «الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين» ما أسهم في استمرار الحراك، وتوسع رقعة المظاهرات وزيادة في أعداد المشاركين.

دعم المرجعية الدينية للمحتجين، عبرت عنه رسالة وجهها رئيس المؤسسة الدينية الدرزية، الشيخ حكمت الهجري لأبناء السويداء ولعامة السوريين مساء السبت 19 آب (أغسطس) أعلن من خلالها دعم «مشيخة العقل» للاحتجاجات التي وصفها بالمحقة، وتبنى خطاب المحتجين ومطالبهم.

إنضموا الى قناتنا على يوتيوب

وجاء في الرسالة التي رفعت شعار «نحن نريد العزة والكرامة» وبخطاب موجه للمتظاهرين، « أبناءنا الكرام، حقكم ان تطالبوا بالعيش الكريم، ولن نرضى بالحد الأدنى».

وأضاف الهجري في رسالته، «وصل الحرمان حتى من لقمة الخبز ومن قطرات من الماء والمحروقات باختلاق أزمات، وتقصير في التمويل والأداء، وسارت الخطط بمواجهة الشعب لا في مصلحته، ما زاد من معاناته وأوجاعه».

وانتقد الرئيس الروحي للموحدين الدروز ممارسات النظام وسياسته الداخلية، قائلاً، «ما هكذا يعامل شعب من قبل حكومته، ولا هكذا تكون القرارات ولا التصرفات، والحجة حرب كونية، وأي حرب كونية وأنتم تدمرون شعبكم وتحبسون مقدراته عنه، وتسقطون اقتصاده الوطني إلى الحضيض بقرارات بخسة».

وعلى خلفية الدعم المعنوي الذي تلقاه حراك دروز السويداء، استمرت الحركات الاحتجاجية في أنحاء المحافظة لتسجل الثلاثاء الماضي أكثر من 40 نقطة تظاهر، حسب ما أوردته شبكة «السويداء24» المحلية، ولتشهد الحركة الاحتجاجية في اليوم التالي مشاركة من «بدو السويداء» في مظاهرة تجاوزت أعداد المتظاهرين فيها 2000 شخص حسب الشبكة ذاتها.

«مشيخة العقل» المرجعية الروحية للموحدين الدروز، والمكونة من ثلاث شخصيات مرجعية برئاسة الهجري، وحمود الحناوي ويوسف الجربوع، أيدت الحراك من خلال كلمات وجهها الأخيران للمتظاهرين، عبروا من خلالها عن دعمهم لمطالب المحتجين، مؤكدين على أحقيتهم بالعيش الكريم.

نظام الأسد، حاول بدوره التفاوض مع المرجعية الدينية، في محاولة منه لإنهاء المظاهرات، من خلال زيارة قام بها محافظ السويداء، بسام بارسيك، للشيخ حكمت الهجري رئيس هرم الرئاسة الروحية، محاولا إقناعه بالتواصل مع المسؤولين في دمشق.

وحسب ما أفادت شبكة «الراصد» المحلية، فإن المحافظ بارسيك، قدم للشيخ الهجري عرضًا عن رؤية حكومة الأسد للحل الاقتصادي وإنهاء التردي في الوضع المعيشي، إلا أن الهجري رفض الاطلاع على العرض، قائلاً للمحافظ بأن الحالة الراهنة ليست بحاجة «للوساطات والاحتجاجات» وأكد رفضه الاتصال مع المسؤولين بحكومة الأسد بدمشق، مشيرًا حسب «الراصد» إلى ان مطالب الشارع هي مطالب محقة، وان سياسات النظام أوصلت الشعب إلى هذه المرحلة.

الجدير بالذكر، ان الاحتجاجات الأخيرة في السويداء، ليست الأولى من نوعها في المدينة التي تتميز بخصوصية مرتبطة بسكانها وهم الموحدون الدروز كـ «أقلية» من جهة، ومجاورتها لدرعا التي انطلقت منها ثورة 2011 من جهة أخرى، إضافة لموقعها الجغرافي على الحدود الأردنية والصلاة الدينية الممتدة مع دروز الجولان السوري المحتل ودروز لبنان. إلا أنها المرة الأولى التي حظيت بتأييد من الرئاسة الدينية للدروز، ما أسهم في تصاعد وتيرة الاحتجاج والتظاهر، ورفع سقف المطالب التي نادت بـ «إسقاط النظام».

وخرجت في السويداء حركات احتجاجية منذ أيار (مايو) 2018 على خلفية رفض الفصائل المحلية مؤازرة قوات النظام في مواجهاتها مع الفيلق الخامس في درعا، ليرد النظام بدفع مقاتلين من تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى المحافظة وتسهيل دخولهم من عدة محاور من أقصى شرق المحافظة، ما تسبب بوقوع اشتباكات بين فصائل السويداء المحلية، وعلى وجه الخصوص حركة «رجال الكرامة» ومقاتلي التنظيم، وانتهت تلك الاشتباكات بطرد مقاتلي الأخير من المدينة. وفي 2021 خرج أبناء المدينة في مظاهرات غاضبة، ردًا على إهانة اللواء لؤي العلي رئيس فرع المخابرات العسكرية للشيخ حكمت الهجري بسبب وساطته لإطلاق سراح شخص من السويداء اعتقل في دمشق، وانتهى غضب الشارع حينها باتصال من رئيس النظام بشار الأسد بالشيخ الهجري، واعتذار المؤسسات الأمنية منه.

«بدنا نعيش»

وفي مطلع 2020 عاد الحراك الاحتجاجي للشارع تحت شعار «بدنا نعيش» رفضًا لسياسات النظام الاقتصادية وسوء الحالة المعيشية للسكان، كما شهد شهر شباط (فبراير) من العام الماضي احتجاجات استمرت لأكثر من شهر ونصف بسبب تردي الأوضاع المعيشية.

وحول التظاهرات قالت الناشطة الإعلامية في حراك محافظة السويداء، بيسان أبو عسلي لـ «القدس العربي» إن المظاهرات الاحتجاجية في السويداء «مستمرة حتى إسقاط النظام، وأن سبب التظاهرات تعود للأوضاع المعيشية الصعبة التي يعاني منها السوريون» مؤكدة على ان حراك السويداء هو «ثورة كرامة، لا ثورة جوع كما يصفها إعلام نظام الأسد».

وأضافت، «مدينة السويداء ذات الدخل المنخفض، تعاني من سياسات النظام الاقتصادية، ومن تعامله الرديء في معالجتها، كما أن المدينة وصلت لمرحلة من العجز بسبب تمويل أبنائها وخاصة المغتربين لمؤسسات الدولة». وأكدت أبو عسلي، على أن «حراك السويداء اليوم مختلف عما سبقه، فمشايخ العقل تبنوا شعاراتنا، واحتضنوا حراكنا، ونحن نتأثر بمشيخة العقل بشكل أكبر بكثير من تأثرنا بالزعامات السياسية».

الزعامة الدينية لطائفة الموحدين الدروز في السويداء ليست الزعامة الوحيدة المؤيدة لحراك الشارع في المدينة، فزعيم طائفة الدروز في فلسطين، والذي يحظى باحترام الطائفة في سوريا ولبنان أيضًا، موفق طريف، أعرب في بيانٍ علق من خلاله على احتجاجات السويداء، قائلاً «صمود الدروز في سوريا يحتّم دون شك الحفاظ على وحدة الصف بين مشايخ العقل والقيادات الشعبية والسياسية في الجبل، إذ لا يختلف اثنان على مطالب الطائفة وأبنائها».

مشيرًا إلى ان مشايخ العقل في المنطقة سيجرون اتصالاتهم على المستوى الدولي، لمنع أي محاولات قمعية سيتخذها النظام بحق المحتجين.

وبالتوازي مع احتجاجات السويداء، اتسعت مظاهر انتقاد نظام الأسد من قبل نشطاء من الساحل السوري الذي ينتمي له رأس النظام، واستخدم النشطاء وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن انتقادهم للواقع المعيشي، وطريقة تعامل نظام الأسد مع المشكلات السياسية والاقتصادية.

وشنت أجهزة الأمن السوري في اللاذقية حملات اعتقال وملاحقة لعدد من النشاط أبرزهم الناشط المدني أحمد ابراهيم إسماعيل إضافة إلى توقيف آخرين بتهمة العلاقة مع «حركة 10 آب» النشطة في الساحل السوري، كما تلاحق دوريات الأمن أمير فارس أحد أوائل الذين بثوا تسجيلات مصورة على وسائط التواصل الاجتماعي ينتقد من خلاله رئيس النظام بشار الأسد وزوجته أسماء الأخرس.

وفي سياق منفصل، اعتبرت الحركة أن «حصر الاحتجاجات السلمية بعمليات التظاهر وخاصة في أيام الجمع والعمل على تسميتها لم تكن تجرِبة ناجحة وصحيحة لأنها سمحت للنظام باتخاذ الإجراءات الأمنية المناسبة لمواجهتها وقمعها» وزادت الحركة أن ذلك «أدّى دوراً إضافياً في تعزيز التفرقة والاستقطاب داخل المجتمع السوري».

وطالبت الحركة في بيان «عدم المخاطرة بالتظاهر في مناطق سيطرة النظام وابتكار آليات كفاح سلمي جديدة ومؤثرة وجامعة لكافة أفراد ومكونات الشعب، وعدم الانجرار وراء الدعوات التي نعتقد بأنها لا تعبر عن النضج وتراكم التجربة التي حملتها السنوات السابقة المريرة» وشددت على «ضرورة الحفاظ على سلامة كل مواطن سوري من بطش الأجهزة الأمنية» مشيرة إلى «أن هذه الدعوات تحمل نزعة مغامرة ولا تتحلى بالمسؤولية والتخطيط».

وفضلت «10 آب» تنظيم العديد من «الفعاليات السلمية الجماهيرية وأساليب النضال اللاعنفي».

وحول الدعوة لعدم التظاهر في مناطق النظام وحالة الغضب من قبل عدد كبير من النشطاء، علق المنسق في حركة 10 آب، أمير ناصر في اتصال مع «القدس العربي» على الأمر، قائلا إن «الاستنفار الأمني في مناطق سيطرة النظام يعرض المدنيين والنشطاء إلى خطر الاعتقال إضافة إلى عدم نضج حركات الحراك وتحوله إلى حراك شعبي واسع النطاق حتى اللحظة، وأننا نملك الكثير من أدوات النضال اللاعنفي المجرب سابقا خلال انطلاق الانتفاضة السورية عام 2011».

وكشف عن امتلاك الحركة -بالتنسيق مع عدة أطراف وتجمعات مدنية- «خطة لتكتيكات الحراك السلمي وهو الأقل كلفة ويجنب النشطاء الاعتقال ونعتقد أنه الأكثر تأثيرا في الفترة الحالية» وزاد ناصر «لا نريد أن نضحي بسلامة أي مواطن سوري». وتنتظر الحركة «نضجا سياسيا يؤدي إلى حراك منظم تنضم إليه النقابات والجمعيات المستقلة» حسب تعبيره. مذكرا بأيام الحراك المدني السوري التي أطلقتها التنسيقيات نهاية عام 2011 التي «خلفت أثر كبيرا لدى المؤسسة الأمنية وشتتت قبضتها». وختم «من حق الجميع إبداء رأيه وانتقادنا حول رفض دعوات التظاهر، لكن تحركاتنا مدروسة وسلامة المواطنين والنشطاء هي معيار أساسي ولا يمكن تجاوزه حاليا».

ولم تقتصر التظاهرات في الساحات على حراك السويداء، بل شهدت محافظة درعا التي خضت لسيطرة النظام عام 2018 عقب تسوية رعتها موسكو، حيث عاشت المحافظة فوضى كبيرة لم تتوقف أبدا، ودخلت في حالة من الاغتيالات المتبادلة. كما شهدت مدينة دير الزور التي يسيطر عليها النظام أيضا عدة مظاهرات وشنت دوريات الأمن العسكري حملة اعتقالات طالت سبعة مواطنين في حي القصر بسبب تحضيرهم لوقفة احتجاجية بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية حسب ما أكدت مصادر محلية لـ «القدس العربي».

الفقر الشديد وفشل النظام في تأمين الخدمات الأساسية وعدم مقدرة معيلي الأسر على إطعام ذويهم يشكل سابقة خطيرة في مناطق سيطرة النظام وخصوصا في الساحل السوري، لاعتبارات متعددة أولها أنه لا يكاد بيت في المدن «السنية» السورية إلا ويوجد فيه مغترب يرسل لأهله ما يساعدهم في تخفيف صعوبات الحياة اليومية، بعكس مدن الساحل ذات الغالبية «العلوية» فقد قضى أغلب الشباب في القتال إلى جانب النظام وبقيت الأسر دون معيل ولا مغتربين يساعدونهم.

تلك الاعتبارات تعني استمرار معاناة المدنيين في الساحل السوري، وستنفجر لا محال، والانفجار الاجتماعي هو الوحيد الذي يمكن أن يؤدي إلى تفكك النظام الأمني والعسكري. أما التعويل على التغيير في السويداء وباقي المناطق التي عانت الويلات فهو إعادة اشعال الحريق في الجسد فوق مرهم الجروح مرة أخرى. ويسعى النظام من خلال احتجاجات السويداء إلى ترهيب حاضنته بوجودهم وربط مصير «العلويين» بمصيره، كما فعل سابقاً أعقاب احتجاجات 2011 حيث ألصق تهمة السلفية والعصابات المسلحة بها منذ يومها الأول عندما كان نشطاء الثورة يوزعون الورود على عناصر جيش النظام. لا نقلل هنا من حراك السويداء أو غيرها لكن كلمة السر في تغيير بنية النظام هي في مدن الساحل.

تابعوا أخبارنا على Google-News

نلفت الى أن منصة صدى الارز لا تدعي بأنها وسيلة إعلامية بأي شكل من الأشكال بل هي منصة الكترونية ملتزمة القضية اللبنانية ( قضية الجبهة اللبنانية) هدفها الأساسي دعم قضية لبنان الحر و توثيق و أرشفة تاريخ المقاومة اللبنانية منذ نشأتها و حتى اليوم

ملاحظة : التعليقات و المقالات الواردة على موقعنا تمثل حصرا وجهة نظر أصحابها و لا تمثل آراء منصة صدى الارز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من صدى الارز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading