تأخّر المحاكمات والإجراءات القضائية، لا يتحمّل مسؤوليتها القضاة وحدهم، بل تتوزّع المسؤولية بينهم وبين القوى الأمنية المولجة سوق الموقوفين إلى قصور العدل، فكثيراً ما تلغى جلسات التحقيق والمحاكمات بسبب تعذر سوق هؤلاء إلى الدوائر القضائية، والسبب الأساس في ذلك يعود إلى الأعطال التي تصيب سيارات نقل الموقوفين، وعجز مؤسسة قوى الأمن عن إصلاحها، بالإضافة إلى تقلّص كثير العناصر الأمنية التي تتولى مهمّة السوق وتأمين الحماية الأمنية للآليات خلال نقل الموقوفين.
ودقّ وزير العدل الأسبق النائب أشرف ريفي، جرس الإنذار مجدداً، فدعا إلى معالجة أزمة السجون قبل فوات الأوان، وقال في تغريدة عبر حسابه على «تويتر»: «في سجن رومية (المركزي) وبعض السجون الأخرى ومراكز التوقيف بات من الصعب سَوق المتهمين إلى القضاء للتحقيق بسبب الصعوبات اللوجستية والمالية التي تعاني منها المؤسسات الأمنية (عدم توفر آليات)». وأضاف: «هذه كارثة جديدة تضاف إلى ما تشهده السجون من مخاطر حولتها إلى قنابل موقوتة، على المعنيين إيجاد حل فوري لهذا الأمر كي لا يبقى السَوق استنسابياً، وهنا نذكر أنه لا مفرّ من البتّ بقانون العفو ومعالجة وضع السجون قبل فوات الأوان».
مؤسسة قوى الأمن الداخلي المسؤولة عن إدارة السجون وحمايتها وعملية نقل السجناء، تبدو عاجزة عن اجتراح الحلول لهذه المعضلة، فالحلّ بالدرجة الأولى يقع على عاتق الحكومة والمؤسسات الدستورية.
ويعترف مصدر أمني بتفاقم حجم الأزمة يوماً بعد يوم لتعدد الأسباب التي أوصلت السجون إلى هذا الواقع، ويكشف المصدر لـ«الشرق الأوسط»، عن أن «السبب الرئيس يتمثّل بقلّة توفر السيارات المخصصة لنقل السجناء، إذ إن نحو 70 في المائة منها معطلة وبعضها لم يعد قابلاً للتصليح».
ويقول: «يومياً ترد إلى إدارة السجون عشرات البرقيات من المحاكم وقضاة التحقيق في كلّ المحافظات اللبنانية لنقل الموقوفين إليها، والأولوية تُعطى إلى المناطق التي فيها عدد أكبر من المحاكمات»، مشيراً إلى أن «معظم سيارات سوق السجناء قديمة وتحتاج إلى صيانة دائمة».
وترحب قوى الأمن الداخلي بالمساعدات التي تقدم لها للتخفيف من وطأة الأعباء التي تتكبدها، ويعترف المصدر الأمني بأن «عدداً من الجمعيات والبلديات والسفارات تقدم مساعدات مالية لإصلاح السيارات المعطلة، لكن بعد أيام تعود وتتعطل لأنها قديمة الصنع، ويلزمها إطارات جديدة لضمان سلامة عملية النقل».
وفي موازاة شحّ الآليات العسكرية، ثمة نقص في كثير من عناصر القوى الأمنية التي تتولى نقل السجناء، ويشير المصدر إلى أن «كل مهمّة لسوق السجناء تحتاج إلى ما يزيد على 10 عناصر حماية، ومواكبة من الأمام ومن الخلف، وهذا غير متاح بسبب الظروف التي تعانيها الدولة، وتوقف عمليات تطويع عناصر في الأجهزة الأمنية والعسكرية وإحالة آلاف على التقاعد بعد بلوغهم السن القانونية واستقالة المئات أيضاً».
وينطوي ملفّ السجون على أكثر من أزمة إنسانية؛ تتمثل بتراجع التقديمات الطبية والغذائية للسجناء المرضى، وعدم توفير الوجبات الغذائية اللازمة، التي تتزامن مع تراجع إمكانية أهالي الموقوفين عن الانتقال إلى السجون وإيصال الطعام لأبنائهم، ولا يخفي المصدر الأمني صعوبة مواجهة هذه الأزمة، ويؤكد أن «المنظمات الدولية التي كانت مهتمة حوّلت نفقاتها إلى الخارج، بالتوازي مع الحرب الأوكرانية».
وتوزع الجمعيات المدنية مهامها بين السجون لتوفير الحدّ الأدنى من المستلزمات الطبية والغذائية، إذ إن مؤسسة «ريستارت» المتخصصة بتأهيل ضحايا التعذيب تتكفّل بالقسم الأكبر من احتياجات السجناء في سجن القبة وسجون شمال لبنان ومراكز الاحتجاز المؤقت، بينما تتولى جمعية «عدل ورحمة» مهمة التخفيف من متطلبات نزلاء سجن رومية، إضافة إلى دورهما مع مؤسسات مدنية أخرى في سجون الجنوب والبقاع، وأطلق مدير مركز حقوق الإنسان في نقابة المحامين في طرابلس المحامي محمد صبلوح صرخة التحذير من فقدان «الأمن الغذائي» للسجناء، وأوضح أن الدولة اللبنانية «أعلنت عجزها عن تأمين الطعام للسجناء، وأن الوجبات القليلة التي توفرها حالياً رديئة للغاية».
وأكد صبلوح، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «قدرة السجناء على شراء الطعام من الكافتيريا أصبحت معدومة جرّاء الارتفاع الهائل للأسعار، مقابل التقنين بإدخال طعام الأهالي بحجة الخوف من تمرير ممنوعات»، مشيراً إلى أن «الهمّ الصحي يتقدّم على الهمّ الغذائي». وقال صبلوح: «أغلب السجناء يعانون أمراضاً مزمنة مثل أمراض القلب وارتفاع ضغط الدّم والسكري وقصور الكلى، ويحتاجون إلى أدوية وعلاجات دائمة، وللأسف ثمة الكثير منهم لا تتوفر لهم العلاجات بشكل منتظم». وشدد المحامي صبلوح على أن «الحلّ يبقى على عاتق الحكومة والمجلس النيابي بدءاً من تسريع المحاكمات وإصدار الأحكام مروراً بتخفيض السنة السجنية، وصولاً إلى قانون العفو العام الذي بات مطلباً محقاً وملحّاً».