تبددت الآمال بإمكان تعيين رئيس للأركان في قيادة الجيش في ما تبقى من العام الحالي، بعد شغور المنصب في بداية عام 2023، خصوصاً بعد استحكام الخلاف بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من جهة ووزير الدفاع موريس سليم وخلفه “التيار الوطني الحر” من جهة أخرى، الذي حال دون طرح الموضوع على جلسة مجلس الوزراء الثلاثاء المقبل والمرجحة أن تكون الأخيرة في هذا العام. وانعكس الخلاف في رفض سليم الاستجابة لطلب ميقاتي رفع الاقتراحات اللازمة لتعيين المجلس العسكري، وخصوصاً رئيس الأركان، بحجة انتظار نهائية وضع قانون التمديد لقائد الجيش، العماد جوزيف عون، في إشارة إلى الطعن الذي سيتقدم به “التيار الوطني الحر” أمام المجلس الدستوري. وفضل ميقاتي انتظار التوقيت المناسب لطرح الموضوع على طاولة مجلس الوزراء بانتظار تأمين موافقة أكثرية ثلثي أعضاء الحكومة خصوصاً أن الاتصالات السياسية التي حصلت في الأيام الأخيرة توحي وفق ما كشفت عنه مصادر حكومية بإمكان حصول التعيينات في مطلع العام المقبل، مع أو من دون موافقة وزير الدفاع و”التيار الوطني الحر”.
لا اتفاق بين ميقاتي وسليم
وعلى خلفية موضوع الجهة الصالحة للبت بملف التعيينات العسكرية وصلاحيات رئاسة الحكومة تأزمت العلاقة بين ميقاتي وسليم، ودخل “حزب الله” على خط التهدئة عبر سعي وزير الثقافة بسام مرتضى لجمع الرجلين معاً في السراي الحكومي، لكن الاجتماع الذي كسر الجليد ولم يحل مشكلة التعيينات العسكرية، سرعان ما تبددت نتائجه، فعادت العلاقة لتوترها، إثر اعتراض الوزير سليم على مضمون البيان الذي أصدره المكتب الإعلامي لرئاسة الحكومة الذي اعتبر وزير الدفاع مهيناً بحقه، خصوصاً لجهة “استخدام عبارة: اصطحب وزير الثقافة معه وزير الدفاع، وكأنني طفل صغير” وفق ما قال في حديث صحافي، نافياً ما أورده البيان أيضاً عن اعتذاره لرئيس الحكومة. وكشف سليم عن أنه أبلغ ميقاتي عبر مكتبه الإعلامي أن الاتفاق نسف، وأضاف “لينسى عنواني”. في المقابل، عبر ميقاتي عن استغرابه لما ورد على لسان سليم مؤكداً أن الاجتماع بينهما انتهى ودياً. وغمز ميقاتي من قناة النائب جبران باسيل من دون أن يسميه، وقال “يبدو أن الوزير أوعز إليه بتغيير آرائه”.
وتؤكد مصادر حكومية لـ”اندبندنت عربية” أن لا تفاهمات نهائية على الحلول حتى الآن، وأن وزير الدفاع لم يعط جواباً نهائياً لرئيس الحكومة وهو لم يرسل بعد إلى قائد الجيش لائحة بالأسماء المقترحة لملء الشغور في المجلس العسكري، لأخذ رأيه فيها، كما هو الأمر عند أي تعيينات تتعلق بالجيش. في المقابل توضح مصادر مقربة من وزير الدفاع أنه غير مقتنع بتعيين رئيس للأركان حالياً، وبالشكل المجتزأ الذي يتم طرحه فيه، ويفضل أن تكون التعيينات شاملة بحيث تشمل أيضاً المديرية العامة للإدارة والمفتشية العامة، وهاتان المؤسستان ترتبطان مباشرة بوزير الدفاع. وبحسب المعلومات فإن رئيس الحكومة كان طلب من وزير الدفاع في اجتماع كسر الجليد بينهما، أن يرفع له اقتراحاً بالأسماء المرشحة لثلاثة مواقع من بينها رئيس الأركان، قبل الـ15 من يناير (كانون الثاني) 2024، الأمر الذي قد يكون مستبعداً بعد التوتر القديم الجديد الذي عاد ليخيم على علاقتهما.
الحسابات السياسية تتحكم بالملف
وكما كل الملفات في لبنان، تحول موضوع التعيينات العسكرية إلى مادة مستخدمة لتسديد فواتير سياسية، خصوصاً بعد إقرار التمديد لقائد الجيش في مجلس النواب ومصادقة الحكومة عليه، واعتراض رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الذي بقي وحيداً في هذه المعركة. وفيما يبدو أن باسيل سيرد الصاع صاعين للقوى السياسية التي دعمت التعيين، ولن يتراجع عن موقفه الرافض للتعيين في حكومة تصريف الأعمال، وسيدفع وزير الدفاع المحسوب عليه إلى عدم تسهيل التعيينات العسكرية، مما قد يفرض على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها وفق مصادر وزارية. وقد يلجأ ميقاتي بحسب المعلومات إلى طرح الموضوع في أول جلسة تعقد في بداية العام الجديد، من خارج جدول الأعمال، بحجة أن الوزير سليم أخل بواجباته الوظيفية، تحت عنوان ضرورة تسيير المرفق العام، وتعيين رئيس للأركان ينوب عن قائد الجيش الذي قد تتطلب المرحلة المقبلة أن يقوم بزيارات خارجية.
وتحسباً لهذا السيناريو الذي يبدو الأكثر واقعية، ومع استمرار تشدد باسيل والوزير سليم، نشطت الاتصالات السياسية لتأمين نصاب الثلثين في الجلسة الحكومية. ومع تأكيد “حزب الله” بحسب مصادر مقربة منه عدم ممانعته إجراء التعيينات في مجلس الوزراء، سعى الحزب “التقدمي الاشتراكي”، المطالب الأول بتعيين رئيس للأركان، كون أن المركز عائد للطائفة الدرزية، إلى تأمين دعم تيار “المردة” الممثل في الحكومة بوزيرين إضافة إلى وزير الصناعة جورج بوشيكيان الذي بات يدور في فلك تيار “المردة”. وزار وفد من نواب “الحزب التقدمي الاشتراكي” رئيس “المردة” النائب طوني فرنجية، ويتوقع أن يزور رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” النائب تيمور جنبلاط الأسبوع المقبل، النائب السابق سليمان فرنجية، في خطوة تهدف إلى كسر الجليد في العلاقة بينهما على خلفية موقف “الاشتراكي” الرافض لدعم ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية.
لماذا يصر الاشتراكي على التعيين؟
وأوضح عضو “اللقاء الديمقراطي” (كتلة الحزب الاشتراكي النيابية) النائب هادي أبو الحسن لـ”اندبندنت عربية”، أن “تمتين الجيش اللبناني وتعزيز قدراته، مسؤولية وطنية، تبدأ باستكمال الهيكلية التنظيمية للمؤسسة من رأس الهرم حتى آخر عسكري بالجيش”. ولهذا السبب يضيف أبو الحسن “لم تكن معركة الاشتراكي فقط تحت عنوان رئاسة الأركان بل قيادة الجيش والمجلس العسكري، ولهذا السبب كانت المعركة مع بقية الكتل للتمديد لقائد الجيش”. وأكد أبو الحسن أن “رئاسة الأركان موقع مهم وحساس في مؤسسة الجيش اللبناني وهذا مطلب ملح لقائد الجيش أيضاً لأنه لا يستطيع الغياب لأي سبب كان من دون وجود رئيس للأركان”. وكشف أبو الحسن عن أن الاتصالات التي أجراها “الاشتراكي” مع كل الكتل النيابية أظهرت أن وحده “التيار الوطني الحر” يعترض على التعيين، معتبراً أن تيار “المردة” الذي أسهم في التمديد لقائد الجيش في مجلس النواب بات موقفه إيجابي أيضاً من مسألة تعيين رئيس للأركان على رغم اعتراضه السابق على التعيين في مجلس الوزراء في ظل غياب رئيس للجمهورية. وكشف أبو الحسن عن أن “الاتصالات مستمرة لتأمين التوافق حول هذا الموضوع متوقعاً أن تكون على طريق الحل، وقد تحصل التعيينات بعد أسبوعين على أبعد تقدير”. وأضاف أن “على وزير الدفاع أن يقدم الاقتراح بالأسماء لتعزيز الجيش وتحصينه وإذا تلكأ ولم يقم بما هو مطلوب فقد يبادر مجلس الوزراء إلى تحمل مسؤولياته”.
دور رئيس الأركان ليس شكلياً
وأبعد من مجرد مركز هو اليوم عرضة للتجاذبات السياسية، فإن لرئاسة الأركان أهمية تتخطى دوره في أن ينوب مكان قائد الجيش في حال غيابه فقط، وفق العميد المتقاعد في الجيش اللبناني خالد حمادة. فرئيس الأركان بحسب حمادة هو “الحلقة الأهم في أركان قيادة الجيش، وهو المستوى القيادي الذي يقع بين قائد الجيش ونواب رئيس الأركان والمديريات التي تتبع لنواب رئيس الأركان في الجيش”. حتى من الناحية الإدارية يضيف العميد حمادة، فإن “نواب رئيس الأركان، ورئيس الأركان، وقائد الجيش الذين يعينون وفق الآلية نفسها بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح من وزير الدفاع، فإن رئيس الأركان يبدي رأيه في الأشخاص المرشحين لمواقع نوابه، كذلك كل عمل الأركان يجب أن يمر به قبل أن يصل عند قائد الجيش. وبهذا المعنى هو القيم على التحضير للقرارات كافة التي يتخذها قائد الجيش بعد أن تقوم المديريات ونواب رئاسة الأركان بعملها”. واستناداً إلى كل ذلك يقول حمادة إن “الموضوع ليس شكلياً ولا يغني وجود قائد للجيش عن وجود رئيس للأركان، بمعنى أن يكون سير العمل طبيعياً في ظل الشغور في رئاسة الأركان”. فالقانون بحسب العميد حمادة “لم يعط لأي من نواب رئيس الأركان أن يحل محله في حال غيابه أو في حال شغور المركز، لأنه لا يعقل أن يترأس فريق الأركان أحد هؤلاء الأركان”، وبالتالي يضيف حمادة “فإن من يرأس فريق الأركان يجب أن يكون في مستوى قيادي أعلى من نواب الأركان، ولهذا السبب لم يصر إلى تعيين أحد نواب الأركان مكان رئيس الأركان، لأن ذلك يشكل مخالفة قانونية”.
ويشدد العميد حمادة على ضرورة أن “يكتمل عقد المجلس العسكري للتمكن من اتخاذ القرارات التي تمليها صلاحيات المجلس العسكري، فغياب المفتش العام في الجيش وهو الذي يتولى التفتيش على وحدات الجيش كافة ويرفع التقارير إلى وزير الدفاع، وكذلك غياب المدير العام للإدارة الذي يتولى كل مهمات تحقيق حاجات الجيش وإجراء المناقصات. وغياب رئيس الأركان، يضعنا أمام شغور في 50 في المئة من المجلس العسكري، وبالتالي القرارات التي تتخذ من قبله يجب أن تحظى بموافقة المؤسسات الأربعة في الجيش ولا يمكن تكليف أحد بالقيام بمهمات هذه المؤسسات لمدة طويلة حتى بقرار من وزير الدفاع. علماً أن مراكز نواب الأركان هي أيضاً شاغرة وقد تم تكليف مديرين عامين بتسيير أعمالها بشكل موقت”.
وقال العميد حمادة إن “وزير الدفاع ملزم بحكم القانون، والمسألة ليست اختيارية، برفع اقتراح بالتعيينات العسكرية إلى مجلس الوزراء لملء هذه الشواغر، وأن يدرج الضباط كافة الذين يتمتعون بالكفاءة والمؤهلات الإدارية لتولي هذه المهمات، وله الحق أن يضع أفضليات بين هؤلاء لاستلام المهمة، وبعد استطلاع رأي قائد الجيش، وهذه الاقتراحات وفق قانون الدفاع غير ملزمة لمجلس الوزراء، الذي يعود له اتخاذ القرار الذي يراه مناسباً”.