وعود وتوصيات تقاطعت جميعها عند رسائل دعم حرص الرئيس الفرنسي على تجديدها خلال زيارته إلى لبنان.
وفي وقت سابق الجمعة، وصل إيمانويل ماكرون إلى بيروت في زيارة يؤكد خلالها دعم بلاده للقادة اللبنانيين الجدد وجهود تشكيل حكومة قادرة على فتح صفحة جديدة في تاريخ البلد الصغير الغارق بأزمات متلاحقة، منذ زيارتيه الأخيرتين عقب انفجار المرفأ المدمر.
وترأس فرنسا، مع الولايات المتحدة، لجنة الإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار بين حزب الله واسرائيل، والتي تضم -كذلك- الأمم المتحدة مع لبنان وإسرائيل.
وقال ماكرون، خلال مؤتمر صحفي مع نظيره اللبناني جوزيف عون بالقصر الرئاسي قرب العاصمة بيروت: «نتطلع إلى العمل بجانب بيروت كي تحقق النجاح».
وأضاف أن «اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان أنهى فترة من العنف غير المحتمل»، داعيا إلى ضرورة «انسحاب الجيش الإسرائيلي بشكل كامل من الجنوب».
وشدد ماكرون على أن «الجيش أساس سيادة لبنان وطرف أساسي لاحترام وقف إطلاق النار»، مشيرا إلى أن باريس «ستدرب 500 جندي لبناني».
وفي تصريحاته، أكد الرئيس الفرنسي «دور وأهمية قوة يونيفيل (الأممية) لتطبيق القرار 1701».
ودعا إلى ضرورة إصلاح القضاء والقطاع المصرفي ومكافحة الفساد في لبنان، مؤكدا -في الآن نفسه- أن باريس والمجتمع الدولي سيدعمان هذا البلد من أجل إعادة البناء.
وأعلن ماكرون عن مؤتمر دولي قريب في باريس حول “إعادة الإعمار” بلبنان.
وتتزامن زيارة ماكرون التي تستمر 12 ساعة، مع زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي وصل الخميس إلى بيروت، وقد يلتقيان في لبنان على ما أفاد مصدر دبلوماسي فرنسي.
وحطت طائرة الرئيس الفرنسي قرابة السابعة صباحا في مطار رفيق الحريري ببيروت، حيث كان في استقباله رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، قبل أن يبدأ جدول أعماله المزدحم في بيروت.
وتهدف زيارة ماكرون إلى “مساعدة” نظيره اللبناني جوزيف عون الذي انتخب قبل أسبوع بعد أكثر من سنتين على شغور سدة الرئاسة، ورئيس الحكومة المكلّف نواف سلام، على “تعزيز سيادة لبنان وضمان ازدهاره وصون وحدته”، بحسب ما أعلن الإليزيه.
وتنوّه دوائر الإليزيه بالتطوّرات الأخيرة في البلد المتوسطي الصغير والذي يكتسي “قيمة رمزية وأخرى استراتيجية خاصة في الشرق الأوسط الحالي”.
“دبلوماسية إقليمية”
ينخرط سلام في مشاورات دقيقة مع القوى السياسية من أجل الإسراع في تشكيل حكومة، بعدما اصطدم عند تكليفه بامتناع حزب الله وحليفته حركة أمل عن تأييده.
ودعا مجلس الأمن الدولي الخميس إلى الإسراع في تشكيل حكومة في لبنان، معتبرا ذلك خطوة “بالغة الأهمية” لاستقرار البلاد والمنطقة بعد انتخاب رئيس للجمهورية.
وعشية وصوله إلى بيروت، قال ماكرون لصحيفة “لوريان لوجور” المحلية، الناطقة بالفرنسية، إن باريس والرياض “عملتا معا” على الملف اللبناني، معتبرا أن “انتخاب جوزيف عون وتسمية سلام كانا أيضا ثمرة هذا العمل الدبلوماسي الإقليمي”.
وشملت لقاءات ماكرون الصباحية في بيروت رئيس أركان قوة الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) جان-جاك فاتينيه، إضافة إلى رئيسي لجنة الإشراف على تطبيق وقف إطلاق النار الساري بين حزب الله وإسرائيل، إثر مواجهة بينهما استمرت لعام.
وينص الاتفاق الذي تم التوصل إليه برعاية فرنسية أمريكية على انسحاب إسرائيل من المناطق التي دخلتها في الجنوب، بحلول 26 يناير/كانون الثاني الجاري.
ويشمل الالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي 1701 الصادر في عام 2006، الذي من بنوده ابتعاد حزب الله عن الحدود، ونزع سلاح كل المجموعات المسلحة في لبنان وحصره بالقوى الشرعية دون سواها.
وقال ماكرون للصحفيين المرافقين إثر الاجتماع “الأمور تتقدم، والديناميكية إيجابية” فيما يتعلق بتنفيذ وقف إطلاق النار.
جولة في الجميزة
إثر ذلك، جال ماكرون سيرا على الأقدام في منطقة الجميزة، التي كان قد جال فيها خلال زيارته التي أعقبت انفجار المرفأ المدمر في الرابع من أغسطس/آب 2020 والذي أسفر عن مقتل أكثر من 220 شخصا وإصابة أكثر من 6500 آخرين وأحدث دمارا هائلا في بيروت.
وشاهد مراسلو «فرانس برس»، ماكرون وهو يصافح المارة ويلقي التحية على مواطنين أطلوا من شرفات منازلهم ويجري حوارات سريعة مع أصحاب المحال والمقاهي المنتشرة بكثرة في الشارع الذي يضم أبنية تراثية في بيروت.
وكان ماكرون، الذي سعى جاهدا في السنوات الأخيرة لإيجاد حلّ في لبنان الغارق في أزمات متلاحقة، قد زار بيروت مرتين عقب الانفجار، لدعم انفراج سياسي تعذّر عليه تحقيقه حينها، وسط انقسام سياسي حاد بين حزب الله وخصومه.
لكنه واصل ممارسة الضغط على الأطراف اللبنانيين، وعيّن وزير الخارجية السابق جان-إيف لودريان مبعوثا خاصا في يونيو/حزيران 2023 في مسعى لتيسير انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية.
لكن كان لا بدّ من الانتظار عاما ونصف العام، قبل أن ينتخب البرلمان اللبناني الأسبوع الماضي عون رئيسا للبلاد، على وقع ضغوط أعقبت تغيّر موازين القوى في الداخل على خلفية نكسات مني بها حزب الله في مواجهته الأخيرة مع إسرائيل وسقوط حليفه بشار الأسد في سوريا المجاورة.