على رغم أن لبنان منشغل بملفات كثيرة بين معارك الجنوب المستعرة، ومسألة الوجود السوري وحزمة المليار يورو ناهيك عن شلل المؤسسات والفراغ الرئاسي، يبدو أن الخطة الأمنية التي وضعتها قوى الأمن الداخلي والمخصصة كما أعلن لحماية المواطنين من عمليات السلب والتصرفات المتهورة لسائقي الدراجات لم تمر في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت مرور الكرام.
وقد لا يكون في الأمر مفاجأة نظراً لتجارب سابقة ومحاولات من قبل الأجهزة الأمنية الرسمية، أكدت على خصوصية هذه المنطقة، لا سيما أنها تشكل معقل “حزب الله” وضبط الأمن والمخالفات فيها متروك له وحده أو في حالات نادرة لا يمر إلا عبره.
وكانت اشتعلت ليل السبت مواقع التواصل الاجتماعي بفيديوهات تظهر احتجاج مئات المتظاهرين من أصحاب الدراجات النارية على الإجراءات الأمنية التي وصفوها بالظالمة، وتضمنت حركة الاحتجاجات دعوات مناهضة لعناصر قوى الأمن التابعة لمخفر المريجة في المنطقة، كما نشر خبر مقتل شاب من آل دندش بنيران القوى الأمنية، قبل أن يتبين بأن الخبر غير صحيح.
وقد احتشد المئات من أصحاب الدراجات تحت لافتة “العشائر”، وقطعوا بعض الطرقات المؤدية إلى الضاحية قبل أن يتدخل الجيش اللبناني ويعيد فتحها.
وانتقد كثير من أبناء الضاحية والمنطقة توقيت الإجراءات الأمنية واعتبروا أنها لا تستند إلى خطة واضحة بأهداف محددة، ورفع كثيرون من أصحاب الدراجات النارية شعارات تؤكد الظلم الذي تتسبب به هذه الإجراءات واتهموا الدولة بالتقاعس في تأمين المقومات البديلة.
واعتبر البعض أن للخطة بعداً سياسياً قائلين إن وزير الداخلية بسام المولوي يطمح لرئاسة الحكومة وأراد القول “أنا هنا”.
المديرية العامة توضح
هذه الخطة الأمنية والحملات القائمة لم تعلن تفاصيلها بشكل واضح من قبل وزارة الداخلية والبلديات وهي أتت من دون إنذار أو إعلان مسبق، لكن ما خرج إلى العلن وفي وسائل الإعلام والتصريحات يكشف أنها تنفذ بشكل عام في بيروت الكبرى وتهدف لتوقيف مطلوبين للعدالة بجرائم مختلفة، وكذلك قمع مخالفات مرورية تتضمن حجز السيارات والدراجات النارية المخالفة لناحية الأوراق الثبوتية أو أوراق سائقيها، كذلك تستهدف المحال التجارية غير المرخصة والتي تم إقفال عدد منها.
وكانت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي شعبة العلاقات العامة أصدرت بلاغاً أكدت فيه أن عدداً من المحتجين على الخطة الأمنية قاموا برمي مركز فصيلة المريجة بالحجارة وإطلاق النار في الهواء وأن عناصر قوى الأمن أطلقوا النار في الهواء لإبعادهم. وأكد البيان أنه “لم ينتج من هذا الإشكال أي قتيل أو إصابة في صفوف المحتجين أو العسكريين”. ورفضت قوى الأمن الداخلي الاعتداء على قطعاتها وعناصرها مهما كانت الذرائع وذكرت في بيانها بأن الخطة الأمنية كانت مطلب الجميع لحماية المواطنين على الطرقات العامة من عمليات النشل والسلب والتصرفات المتهورة لسائقي الدراجات، إضافة إلى عدم ارتدائهم الخوذة الواقية مما أدى الى ارتفاع عدد القتلى منهم في حوادث السير. وختمت القوى الأمنية موضحة في بيانها “أن الخطة الأمنية هي لحماية الناس وليس للاقتصاص أو التّشفّي منهم” وأن انخفاضاً كبيراً في الجرائم نتج منها.
لماذا الآن؟
وترافقت الإجراءات الأمنية في الضاحية الجنوبية مع الكثير من علامات الاستفهام خصوصاً حول توقيت هذه الخطة وأهدافها؟ وذهب رئيس حزب “التوحيد العربي” وئام وهاب إلى حد الحديث عن طرح الثقة بوزير الداخلية، وغرد على صفحته على “إكس” مطالباً “رئيس الحكومة والثنائي والوزير باسيل بتأمين جلسة لمجلس الوزراء وإقالة وزير الداخلية بأكثرية الثلثين وتكليف وزيرٍ للداخلية أكثر توازناً”. بدوره أعلن رئيس بلدية الغبيري معن الخليل التابع لـ “حزب الله” أن القوى الأمنية قامت بالتعدي على عمال وموظفي البلدية بأربعة حوادث متتالية، وقال “لا يجوز أن تبقى الأمور كما هي”.
في المقابل التزم وزير الداخلية الصمت فيما استغربت مصادر مقربة منه كل هذه الحملة وأكدت لـ”اندبندنت عربية” أن قرار تطبيق الخطة الأمنية اتخذ منذ نحو شهر خلال اجتماع أمني موسع عقده المولوي في 23 أبريل (نيسان) 2024 في مكتبه في الوزارة، لبحث الوضع الأمني في بيروت.
وأوضحت المصادر أن قرار تكثيف الحواجز الأمنية في العاصمة وإجراء دوريات وتنفيذ مداهمات وحجز الدراجات النارية والسيارات المخالفة اتخذ بعد سلسلة شكاوى تلقاها الوزير المولوي من أهل بيروت الذين زاروه في مكتبه في الوزارة واشتكوا من عمليات السلب والفوضى في شوارع المدينة.
واستغربت المصادر رد الفعل العنيف الذي اتخذه بعض أهالي الضاحية والمعروفة خلفياته وأبعاده ومن يقف وراءه.
لا خطة أمنية بل بروباغندا
في المقابل، ينتقد رئيس المرصد اللبناني للسلامة المرورية في مؤسسة Justicia العقيد السابق في قوى الأمن الداخلي ميشال مطران الطريقة التي تمت فيها الإجراءات الأمنية، متسائلاً “هل هي حملة لضبط الأمن أم للسلامة المرورية، خصوصاً أنه لم يخرج أي مسؤول ليخبر الناس عما يحصل وعن الهدف. وذكّر مطران الذي كان عضواً سابقاً في اللجنة الوطنية للسلامة المرورية المسؤولة عن وضع الخطط لسلامة السير أن اللجنة لم تعقد اجتماعاً واحداً منذ تولي الوزير مولوي وزارة الداخلية.
وسأل مطران من قال إن المشكلات الأمنية سببها الدراجات النارية فقط ووفق أي إحصاء؟ وتابع “إذا اعتبرنا أنها حملة تهدف إلى الحدّ من عدد الدراجات النارية فما هي مدتها وما هي أهدافها وكيف يمكن التحقق من أنها بلغت هدفها؟”. وأضاف “العصابات التي تستخدم الدراجات للنشل والسرقة معروفة وأين تتواجد فلماذا لا تضع الأجهزة الأمنية خطة أمنية حقيقية وتوقفها؟”.
وسأل رئيس المرصد اللبناني للسلامة المرورية كيف يمكن اتخاذ قرار بمنع الدراجات النارية ولم تؤمن الدولة النقل العام كبديل، ولماذا لم تعط وزارة الداخلية فترة زمنية ليتمكن أصحاب الدراجات النارية من تسجيل آلياتهم قبل المباشرة بضبط المخالفين، خصوصاً أن “النافعة” مقفلة منذ أشهر طويلة والتسجيل قد يحتاج إلى الوقت نظراً لكثافة الطلبات. وإذ يسأل العميد السابق في قوى الأمن “بكرا شو ومتى تنتهي الحملة” يتخوف على هيبة قوى الأمن لأن النتيجة ستكون انكفاءهم وتراجعهم في ظل غياب الخطة مقابل بروباغندا متزامنة مع مشكلة النازحين بحسب رأيه لأن الوزير المولوي أراد أن يقول أنا أيضاً أعمل على معالجة الوجود السوري، أما النتيجة بحسب مطران فستكون مزيداً من انهيار منظومة الردع المتمثلة بالقوى الأمنية الشرعية المنهارة أصلاً.
مصدر أمني: الجرائم والمخالفات تراجعت
يدافع مصدر أمني رفيع في قوى الأمن الداخلي عن الإجراءات الأمنية التي نفذت في بيروت ويؤكد لـ “اندبندنت عربية” أنهم أجروا إحصاء قارنوا فيه عدد الجرائم والمخالفات في العاصمة خلال الأيام الأربعة بعد بدء تنفيذ الخطة الأمنية والتي تثبت تراجع الجريمة الشائعة والتصرفات غير القانونية بنسبة 70 في المئة، إضافة إلى نجاحها في إلقاء القبض على عدد من المطلوبين في جرائم مختلفة. يوضح المصدر الذي يفضل عدم الكشف عن اسمه أن القوى الأمنية أرادت من خلال الإجراءات الأمنية والحواجز التي تنفذها في الضاحية وفي كل لبنان طمأنة الناس والقول “نحن موجودون” لملاحقة كل التصرفات غير القانونية.
ورداً على الاعتراض على وقف الدراجات النارية غير القانونية قبل قرار استئناف العمل في مراكز المعاينات والتسجيل بعد توقفها عن العمل لأشهر طويلة، يسأل المصدر الأمني ماذا عن الخوذة ولماذا لا يلبسها سائق الدراجة ليحمي نفسه والآخرين. ويضيف “إن الشائع لدى المعترضين الذين نزلوا إلى الشوارع وقطعوا الطرقات أن لا يسجلوا دراجاتهم بغض النظر عن توافر هذه الخدمة أم لا، ويكشف أنه منذ أن فتحت أبوابها مراكز التسجيل وعلى رغم صدور قرارات بتخفيض الرسوم في مرات عدة فإن أصحاب الدراجات النارية لم يلتزموا بالقانون ولم يسجلوا دراجاتهم”. وكانت هيئة إدارة السير- مصلحة تسجيل السيارات أصدرت بياناً تعهدت فيه “باستقبال المواطنين طيلة الأسبوع الحالي في المركز الرئيسي للتسجيل في منطقة الدكوانة، لإنجاز معاملاتهم المتعلقة بفك حجر جميع أنواع المركبات والدراجات”.
المطلوب تنفيذ القانون بالتدرج
وفيما يعاني لبنان من أزمة اقتصادية مستمرة منذ سنوات، وسط انخفاض تاريخي بقيمة سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي، تغيرت قيمة المخالفات المرورية.
فضبط عدم تسجيل الدراجة النارية بات يبلغ الثلاثة ملايين ليرة ونصف أما ضبط مخالفة استخدام الخوذة فيبلغ مليوني ليرة.
أما كلفة تسجيل الدراجة فقد تبلغ 300 دولار من بينها 200 دولار رشوة لتسريع المعاملة وفق ما يكشف نائب بيروت إبراهيم منيمنة لـ”اندبندنت عربية”.
ويعلق منيمنة على الإجراءات الأمنية المتخذة في بيروت لمكافحة الدراجات النارية المخالفة بالقول “إن هناك شعوراً بأن الأمن متفلت وأن القوى الأمنية في غياب كامل، لكن المشكلة أنه في غياب مقومات الانتظام، مثل وسائل النقل العام ومراكز التسجيل، لا يمكن المحاسبة”.
وسأل النائب التغييري لماذا لم تعتمد وزارة الداخلية مبدأ التدرج في قمع المخالفات بحيث كان يمكن أن تعطي مهلة للمخالفين بمواكبة من داخل النافعة لتسهيل وتسريع المعاملات وقمع المرتشين، قبل أن تبدأ بملاحقة المخالفين، خصوصاً أن كثيرين منهم لا يملكون الإمكانات ولم تؤمن الدولة لهم وسائل بديلة.
لا يعطي منيمنة عذراً لعدم الانتظام لكن المطلوب من الدولة حداً أدنى من مقومات الانتظام قبل الشروع بالإجراءات القاسية التي يمكن أن تخلق مشكلة اجتماعية إضافية.
النائب البيروتي ليس مع المربعات الأمنية ويرفض أن تكون أي منطقة ممنوعة أمام القوى الأمنية، مستنكراً التعرض لعناصرها مهما كانت الأسباب، وهو من دعاة وجوب أن يكون لبنان تحت سلطة القانون، لكنه في المقابل يعتبر أن الإجراءات الأمنية بملاحقة المخالفين، خصوصاً في ما يتعلق بالدراجات النارية، يجب أن تحصل بالتدرج وأن يتم إنذار المخالفين من دون تراخٍ.