لم يكن عابراً أن يدفعَ الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، عنوانيْن بارزيْن، هما ملف الحدود البرية مع إسرائيل والنازحين السوريين، إلى واجهةِ المسرح السياسي الذي يحتل الحيّزَ الرئيسي فيه الاستحقاق الرئاسي والاستعصاء الذي يَحْكُمُهُ منذ 337 يوماً.
ورغم حرص نصرالله في إطلالته مساء الاثنين، على الفصْل بين ملف الحدود البرية الذي سيكون خلال هذا الشهر محورَ وساطةٍ أميركية عبر آموس هوكشتاين وبين الانتخابات الرئاسية «فهذا شيء وذاك شيء آخَر»، وعلى ربْط قضية النزوح «قفلاً ومفتاحاً» بالولايات المتحدة وقانون «قيصر»، داعياً إلى استخدام «سفن المهاجرين عبر البحر المفتوح» ورقة ضغط على واشنطن عبر الأوروبيين لـ «فك الحصار» عن النظام السوري، فإن هذين العنوانيْن يصعب عزْلهما عن الأزمة الرئاسية التي انتقلت أخيراً إلى مربّع «الخيار الثالث» الذي بات يحظى بغطاء دولي – عربي عبر مجموعة الخمس.
ففي قضية الحدود البرية التي يصرّ لبنان على اعتبار أن هدفَها تثبيتُ الحدود المرسّمة أصلاً عبر معالجة النقاط الـ 13 المختلَف عليها (على الخط الأزرق) والتي اعتبرها نصرالله واحدة من «ثلاثية»، تشمل أيضاً «شمال الغجر وبعض الفلوات الموجودة هناك والتابعة لبلدة الماري، ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا»، لا يُمكن التعاطي مع أيّ وساطة سيُطْلقها هوكشتاين (بعد زيارة قام بها لكل من اسرائيل ولبنان قبل أسابيع لجس النبض) على أنها مجرّد مسألة محلية تتولى الدولة اللبنانية إدارتها ويقف «حزب الله» وراءها فيها وفق معادلة «أي خطوة تساعد على تحرير الأرض ستلقى التضامن والتعاون بين المقاومة والدولة» (كما قال نصرالله).
وفي رأي أوساط مطلعة، فإن هذه القضية ذات الطابع الاستراتيجي هي في الواقع امتداد لاتفاق الترسيم البحري، الذي اُبرم قبل نحو عام بوساطة من واشنطن التي تُعتبر «وصية عليه»، لافتة إلى أن «الطرف الثاني» الفعلي في الملف البري، بالنسبة إلى الحزب، ليس اسرائيل بل الولايات المتحدة ولو كوسيط، وأن هذا العنوان الذي تقف على المقلب الآخَر منه إيران، عبر الحزب، لن يكون ممكناً فصْله عن مسْرح الاتفاق النووي الذي تتسع ملاعب المناورة فيه وتتمدّد ساحاتها وصولاً إلى القطب الجنوبي، وذلك في إطار استراتيجية طهران القائمة على تجميع الأوراق لتشكّل خطوط دفاعٍ حول أهدافها الكبرى تُسْقِطها تباعاً مع كل مرحلة تفاوُضٍ فتكون «أنجزت الصفقة» بأقلّ أثمان من «جيْبها المباشر».
ورغم أن الملفَ البَري مرشّحٌ لأن يطول قبل بلوغ نهاية سعيدة، بحيث يأخذ مدى زمنياً يتجاوز الاستحقاق الرئاسي، إلا أنّ إقلاعَ الوساطة الأميركية متى حَصَلَ سيفرض نفسه على الأزمة الرئاسية بحيث أن «حدودَ الأخذ والردّ» فيها ستصبح أكثر اتساعاً وتالياً المقايضات المحتمَلة، ولو في مرحلة ترسيم إطار التفاهم البَري كسلّة واحدة أو «بالمفرّق» (في مفاصله الثلاثة)، ناهيك عن أن أي تعزيزٍ لـ «استشعار حزب الله المبكّر» بأن وراء الرغبة الأميركية في تسريع إنهاء النزاع البري نيّةً لسحْب الذرائع منه في ما خص سلاحه ووظيفته بما يذكي الخلاف الداخلي حوله يمكن أن يتحوّل معياراً رئيسياً في حسْم الحزب مواصفات الرئيس الذي يريده بهدف تعطيل أي ألغام يُراد «دسُّها» عبر عنوان الحدود البرية.
ولم يقلّ دلالةً إطلاق نصرالله ما اعتُبر «حَمْلة البحار» على قاعدة فتْحها أمام النازحين السوريين في لبنان لركوب سفن الهجرة إلى أوروبا من ضمن «خطة وطنية» ترتكز على «معالجة الأسباب».
ورغم أن الأمين العام انطلق في مقاربته من أن ثمة إجماعاً على اعتبار ملف النزوح تهديداً للبنان «والبعض يراه وجودياً»، فهو بدا كمَن لم يُفْشِ سراً حين كشف ما كان يُقال في الكواليس عن رغبةٍ في جعْل هذا العنوان وعبره لبنان جزءاً من «الحبل الذي يلتفّ حول عنق النظام السوري» بالعقوبات، وسط تقارير باتت لدى مراجع أمنية تفيد بأن القسم الأكبر من «النازحين الجدد» مدفوعون من النظام ويأتون إلى «بلاد الأرز» لإخراج دولارات له، عدا عن البُعد الأمني لهذه الموجة المتفاقمة.
ونصرالله، الذي رَسَمَ بوضوحٍ معادلة «حتى يبقى لبنان يجب إلغاء قانون قيصر» التي دعا حلفاء الغرب في الداخل إلى أن يخاطبوه بها، جاهر بدعوة الحكومة اللبنانية والجيش لأن يتركوا النازحين «يصعدون بالسفن وليس فقط بالمراكب المطّاطية ومن دون الحاجة إلى الهروب ليلاً وأن يتّجهوا إلى أوروبا، وحينها الدول الأوروبية ستأتي خاضعةً إلى بيروت لتقول للبنانيين ماذا تريدون لتوقفوا هذه الهجرة؟ وهكذا فعلت تركيا ودول أخرى».
وحمّل المسؤوليةَ في النزوح الأول «الأمني» والثاني «الاقتصادي» إلى «أميركا وجماعتها»، التي شنّت الحرب على سورية والتي «عندما وضعت الحربُ أوزارَها وتهافتت الشركات العالمية للاستثمار في سورية جاءت وفرضت قانون قيصر وحاصرت سورية وفرضت عقوبات على كل الشركات والدول التي كانت جاهزة لأن تستثمر».
وأضاف: «أقول لكم الآن، إذا رُفع قانون قيصر عن سورية وبدأت الشركات والإعمار فيها فإن مئات آلاف السوريين سيعودون».
وثمة مَن اعتبر أن ما أثارَه الأمينُ العام يعْني في كل الأحوال أن ملف النزوح سيبقى يعتمل في الواقع اللبناني لوقت طويل، لاسيما أن تعقيدات الوضع السوري تزداد وليس آخِرها تجدُّد الضربات لمواقع الحرس الثوري وحلفاء إيران في الداخل وعلى الحدود مع العراق، وسط خشيةٍ من «ربْطٍ» بات قائماً بينه وبين الاستحقاق الرئاسي من زاوية المَخاوف من أن يؤدي الاحتقان الكبير حيال هذا العنوان إلى توترات أمنية بين لبنانيين ونازحين وربما صِدامات تنقل الواقع الداخلي برمّته إلى منزلق خطير قد يكون أحد بوابات التسخين على الجبهة الرئاسية لفرض شروط إما «تبرير» تراجعاتٍ، أو إحدى أداوت الضغط الأعلى لتخفيف الطوق عن النظام السوري عبر جعل «لبنان وسورية في مركب واحد».