Share
اخر الاخبار
الإعلام الرياضي في لبنان ... مهنة على محك السياسة
فيفيان حداد - الشرق الأوسط
الإعلام الرياضي في لبنان من المجالات التي تتأثر بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية أو أي حالة لا استقرار تشهدها البلاد. وانعدام أي نشاط رياضي، يعني بصورة مباشرة توقف الإعلامي الرياضي عن ممارسة عمله. وبالفعل، عندما اندلعت «ثورة 17 أكتوبر (تشرين الأول)» ، تسببت في شلل تام للنشاطات الرياضية اللبنانية من مباريات وراليات ومسابقات. وبعدها جاءت جائحة «كوفيد - 19» لتقضي على أي أمل بعودة هذه الساحة إلى طبيعتها.
بجانب هاتين المحطتين، فإن الرياضة في لبنان لا تملك ركائز أساسية تخوّلها الاستمرارية، إضافة إلى صعوبات أخرى تواجهها. فهي ترتبط ارتباطاً مباشراً بقوة زعيم هنا، وصلابة رئيس حزب هناك، وموقع رجل سياسي في مكان آخر. لذا؛ يشهد عالم الرياضة في لبنان تجاذبات مستمرة، وفقاً لتوفر التمويل أو العكس من قبل قوى تتحكم بها، على الأرض في غالبية الأوقات. وللعلم، في لبنان حالياً أسماء لامعة وصاحبة مشوار طويل في الإعلام الرياضي، من بينها غياث ديبرا، ونديم مهنا، وفرنسوا حبشي. غالبيتهم يعملون في الإعلام المرئي، بحيث حفظ المشاهد نبرة أصواتهم وتعليقاتهم على مباريات كرة السلة وكرة القدم أو راليات السيارات. ولكن في الفترة الأخيرة يلاحظ تلوّن الساحة الإعلامية الرياضية بأسماء أنثوية كمنى يعقوب، وغنى شهوان، ونتالي مامو، وبولين صهيون، اللواتي يعملن في الإعلام المرئي، ويغطين نشاطات رياضية، وبينهن من تمارس الرياضة، وفي عداد بطلات لبنان في كرة الطاولة وكرة السلة وغيرها.
انطلق لبنان في الإعلام الرياضي منذ زمن طويل، وكان من رواده الأبرز «أبو الرياضة» ناصيف مجدلاني، كما لمع كل من خليل نحاس، وجوزيف حردان، والدكتور لبيب بطرس، وعلي حميدي صقر، ورهيف علامة. وكان لمجدلاني وبطرس مكانة في الإعلامين المرئي والمسموع وكانا يطلان عبر شاشة «تلفزيون لبنان»، بينما اشتهر نحاس وحردان وحميدي صقر وعلامة وغيرهم في الإعلام المكتوب، وبنشاطاتهم الواسعة على صعيد الاتحادات والنوادي الرياضية.
وبعد فورة إعلامية شهدها لبنان، ولا سيما في ثمانينات القرن الماضي، تألقت رياضة كرة السلة، فشهدت البلاد ولادة نجوم عدة في الإعلام الرياضي. ولكن في السنوات الأخيرة تراجع نمو العالم الرياضي في لبنان؛ مما اضطر نجومه إلى المغادرة باتجاه بلدان عربية وأجنبية. وفي هذا الإطار، يقول جلال بعينو، الصحافي الرياضي والمسؤول الإعلامي في اتحادات رياضية، لـ«الشرق الأوسط»، إن لبنان كان «يملك كوادر مهمة، لكن الهجرة كانت القرار الذي اتخذه كثيرون كي يستطيعوا إكمال مهنتهم على الوجه المطلوب». ويتابع «في ظل الوضع الاقتصادي المتردي، غادر كثيرون البلاد أو تعاقدوا مع وسائل إعلامية أجنبية. منهم من اختار (رويترز) و(وكالة الصحافة الفرنسية)، وآخرون يعملون اليوم مع سكاي نيوز ومحطة بي أن سبورت».
المعلق الرياضي غياث ديبرا، أحد ألمع الإعلاميين الرياضيين الحاليين في لبنان، يقول، إن مشواره الطويل في هذه المهنة خوّله أن يتقدم على غيره من زملائه وأن تتهافت عليه أهم المحطات التلفزيونية في لبنان.
غياث، الذي عمل لفترة طويلة في «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، وانتقل أخيراً إلى محطة «إم تي في»، قال لـ«الشرق الأوسط» بمرارة «لا رياضة عندنا في لبنان». ويتطرق إلى تجربة مرّة عاشها «خلال فترة الثورة وانتشار الجائحة، غاب دورنا كإعلاميين رياضيين. شعرت شخصياً بأنني عاجز عن القيام بأي نشاط مهني، وكأنني رميت كل خبرتي ومشواري في سلة النفايات. عشت تجربة مرة وقلقا لم يساورني من قبل. عندما يطلب بعضهم من الجيل الجديد رأياً بخصوص هذه المهنة، أقولها لهم ومن دون مواربة بأنه وفقا لتجربتي الطويلة لا أنصحهم بها أبداً».لا يتوانى ديبرا عن ذكر الفضائح التي تشوب عالم الرياضة في لبنان. «حاولت الإضاءة عليها في برنامجي التلفزيوني (نوك آوت) وقتها على (إل بي سي آي). وضعت النقاط على الحروف، وسميت الأمور بأسمائها. تخيلي أن وزيرة الرياضة في الحكومة السابقة لم تستطع أن تقنع رئيس الحكومة ووزير الداخلية بضرورة التخفيف من الإجراءات الخاصة بجائحة (كوفيد – 19) كي نستطيع إجراء رالي السيارات الدولي على أرض لبنان. وقبل 3 أيام من موعد السباق والترويج له عبر القنوات التلفزيونية، طار الرالي ولم نستطع تنفيذه».
ما لا ينكره جميع الذين التقتهم «الشرق الأوسط» من إعلاميين رياضيين هو التدخلات السياسية وتأثيرها. حالياً، ومع اقتراب موعد إجراء الانتخابات النيابية، عاد هذا القطاع ليتحرك من جديد. في النهاية، الرياضة في لبنان يخفت وهجها أو يسطع بريقها، وفقاً للتقلبات السياسية. لماذا؟
يرد الصحافي الرياضي البارز خالد مجاعص، الذي يعمل في «المؤسسة اللبنانية للإرسال»، «غالبية النوادي الرياضية في لبنان ترتبط ارتباطاً مباشراً بمموّل لها، ومن بين هؤلاء وجوه حزبية وساسة. بعضهم يقدم مساعدته المالية لتأمين باب يدخله إلى السياسة، إذا كان لم يدخلها بعد، أو لتثبيت موقعه فيما لو كان سياسياً حالياً». ويتردد، أن 80 في المائة من النوادي الرياضية تتدخل فيها الأحزاب. وهذه التدخلات تشمل انتخابات الاتحادات والمساعدات المالية وغيرها من الأمور التي تسهم في تقدم ناد وتطوره على أرض الواقع.
ديبرا يعلّق هنا بشفافية قائلاً «هناك محاصصة طائفية وحتى مذهبية نشهدها بوضوح وتطبع النوادي الرياضية. كما أن بعض رؤساء النوادي يملكون طموحات سياسية، ونراهم حالياً مرشحين لمقاعد انتخابية. والمؤسف أن المسؤولين السياسيين عندنا لا يعرفون ماذا تعني كلمة رياضة. فهي متنفس للمواطن في كل دول العالم إلا في بلدنا. فهي ساحة مواجهات تشجع الخلافات بين النوادي المصبوغ كل منها بقيادة حزبية أو سياسية». ويختم «في النهاية، الرياضة إذا رغبت في أن تتوسع وتنمو، فهي لا يمكنها أن تنطلق من دون سياسة».
الكاتب الصحافي والمعلق ومقدم البرامج الرياضية مهن جميعها تتطلب مواصفات متشابهة كي ينجح صاحبها فيها. وحسب خالد مجاعص «لهذه المهنة متطلبات تتعلق بالخبرة والاطلاع والمواكبة اليومية بالمجال الرياضي المختص به الإعلامي. وأحياناً يلزمنا خبرات ومعلومات أوسع، في حال تطلب من الإعلامي تقديم برنامج شامل. حالياً أصبحت هذه الأمور متاحة بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي. أما أمثالي من الرعيل القديم، فلم تكن هذه المعلومات متوافرة لنا إلا من خلال القراءة والجهود الكبير التي كنا نبذلها. وأنا شخصياً متفرغ لهذه المهنة، وبدأتها منذ كنت طالباً في الجامعة. أما إذا كان الإعلامي الرياضي يفتقد هذه الثقافة الواسعة، فكوني على يقين بأنه لن ينجح؛ لأن الإعلام الرياضي لا يدرّس في الجامعات».
على صعيد آخر، يتلون اليوم الإعلام الرياضي في لبنان بأسماء نسائية، فنراهن يقمن بتغطية مباراة من خلال إجراء مقابلات أو تقارير عن ومع أبطال في كرة القدم وكرة السلة وغيرها. هذا المجال الذي كان مقتصراً في الماضي القريب على الرجال، تخوضه المرأة اليوم ومن بابه العريض. وتُعد آسيا عبد الله واحدة من الإعلاميات المتألقات في هذا المضمار، وتعمل حالياً في محطة «بي إن»، وريان مسلم (وكالة الصحافة الفرنسية)، وكذلك نتالي مامو التي بدأت مشوارها مع «إم تي في» اللبنانية لتصبح اليوم مراسلة «سكاي نيوز». أما مابيل حبيب فيصفها من يعرفها بمهووسة رياضة، سيما وأنها بطلة في رياضة السباحة وهي اليوم انتقلت للعمل في المملكة العربية السعودية.
آسيا عبد الله، التي بدأت مشوارها مع الإعلام المكتوب، روت لـ«الشرق الأوسط» تجربتها، فقالت «منذ بداياتي كانت الفرص للمرأة في الإعلام الرياضي موجودة. ولكن كان يلزمني مساحة أكبر لأحقق ما يراودني وأخرج كل طاقاتي. وكما هو معروف فإن التلفزيونات المحلية تقدم الأخبار السياسية على الرياضية. وهو الأمر الذي أسهم في تضييق مساحات فقرتي الرياضية. وفي السنوات الأخيرة، لوحظ أن الناس ما عادت تهتم بالأخبار الرياضية لانشغالها بتأمين لقمة العيش ومواجهة همومها اليومية. لذلك؛ قررت الانتقال إلى خارج لبنان، سيما وأنني كنت واثقة من قدراتي».
وتختتم نجمة كرة السلة للنساء منى يعقوب، التي تعمل في الإعلام الرياضي عبر قناة «إل بي سي آي» فتقول «عملي هو شغفي ومتعة بالنسبة لي. أما التحديات التي واجهتها خلاله فتتمحور حول الإضاءة على المرأة الرياضية وإنجازاتها. فلبنان، كما بلدان أجنبية أخرى، لا يولي أخبار النساء الرياضيات أكثر من 4 في المائة من مجمل أخباره الرياضية». ثم تضيف «أخذت على عاتقي تسليط الضوء على بطلاتنا في رياضات عدة. كثيرون يجهلون إنجازات تلك النساء، ولكنني أحاول من خلال عملي كمراسلة رياضية أن أبرزها وأضيء عليها. كما لدي صفحة إلكترونية عبر حسابي على «إنستغرام» و«فيسبوك» (بلاي إن هير شوز) خصصتها للبطلات الرياضيات. هذا لا يعني أنني لا أغطي مجمل الألعاب الرياضية وأحاور أبطالاً رجالاً، ولكنني في الوقت نفسه أدعم المرأة الرياضية وأساندها كي تأخذ حقها هي أيضاً».
© 2022 https://sadalarz,com  All Rights Reserved.
CSS smooth scrolling effect when clicking on the button Top