مليون جواز سفر في الطريق هل انتهت أزمة الجوازات في لبنان ؟
بسبر مصطفى - اندبندنت عربية
Thursday, April 21, 2022
بعد مضي عامين على أزمة جوازات السفر في لبنان يبدو أن تباشير الحل لاحت في الأفق من خلال إعلان المديرية العامة للأمن العام أن لبنان سيتسلم مليون جواز سفر "بيومتري" من الشركة الفرنسية الموردة خلال النصف الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وبصرف النظر عن الظروف الموضوعية التي أدت إلى "تقنين عملية تأمين جوازات السفر" وتأثير الأزمة المالية في قدرة المصرف المركزي على تأمين الاعتمادات بالفريش دولار، فإن عاملاً نفسياً أسهم في تفاقم الأزمة بسبب خوف اللبنانيين من قادم الأيام ومحاولتهم الحصول على جواز سفر كمقدمة للهجرة إلى الخارج.
في المقابل وبعيداً من التبريرات لظاهرة الهجرة غير النظامية فإن كثيراً ممن خاضوا البحر كانوا يرددون "ركبنا قوارب الهجرة لأننا لا نمتلك جوازات سفر والوضع لم يعد يطاق في البلاد وأقرب وقت للحصول على موعد لاستخراج الباسبور يتطلب ما يزيد على سنة من الانتظار".
الباسبور الصعب
خلال العامين الماضيين تحول جواز السفر اللبناني إلى ما يشبه "الحلم" بالنسبة إلى كثير من المواطنين، فقد شهدت مراكز الأمن العام زحاماً غير مسبوق وطوابير تضم المئات وأحياناً الآلاف بحيث يطول الانتظار لقرابة 12 ساعة أحياناً.
تقول مواطنة لبنانية مقيمة في ألمانيا، "العام الماضي جئت لأجدد جواز سفري وكان المشهد كارثياً، إذ قصدت المركز الرئيس نحو ثلاث مرات وانتظرت من الواحدة والنصف فجراً إلى ظهيرة اليوم التالي ليحل موعد دخولي لتقديم الأوراق" وتضيف "فكرت جدياً في عدم استخدام الباسبور اللبناني عند تنقلاتي إلى البلد الأم بعد ما حدث معنا في الطابور".
جواز سفر احتياطي
من اللافت للأنظار توجه كثيرين للحصول على جواز سفر على سبيل الاحتياط، ويقول أحد المواطنين "أحصل على الجواز وأتركه بين يدي لأستخدمه عند الحاجة لأننا لا نعلم كيف ستتطور الأوضاع في البلاد، ففي حال ساءت أكثر وجدت فرصة للخروج الآمن من خلال باسبور صالح للاستخدام".
وأظهرت إحصاءات المديرية العامة للأمن العام أن 60 في المئة من الجوازات المنجزة لم يتم استعمالها للسفر ولو لمرة واحدة، كما أن "آلاف الجوازات التي تقدم الأفراد لطلبها ما زالت لدى المديرية ولم يأت أحد لتسلمها".
تبشر أوساط المديرية العامة للأمن العام بتحسن ملحوظ في ملف الجوازات خلال الفترة المقبلة وتوضح أن "الشركة الفرنسية ستزود لبنان بمليون جواز سفر ’بيومتري‘ جديد خلال النصف الثاني من نوفمبر المقبل"، كما أن المديرية بدأت باستخدام الاحتياط الموجود لديها من الباسبور الإلكتروني وفق صيغة 2003 وأصبح بإمكان المواطنين بدءاً من 15 سبتمبر (أيلول) الحالي التقدم للحصول عليه وستفتح هذه الإجراءات باب الحل لأزمة غير مسبوقة عاشها اللبناني وامتدت عامين من الزمن.
مشكلة واحدة ومسؤوليات عدة
تعتقد مصادر في المديرية العامة للأمن العام أن الأزمة متعددة الأوجه إذ إنها بدأت بفعل سلسلة من الإشاعات مفادها بأن جوازات السفر ستندر وأن رسومها سترتفع إلى حد كبير، مما أثار الخوف لدى الناس وتحول جواز السفر إلى ما يشبه السلعة التي تشترى لتخزينها في المنزل.
وتضيف المصادر "ما جرى في لبنان يمكن أن يتكرر في أي بلد عندما يتوجه شعب بالكامل من أجل الحصول على الجوازات دفعة واحدة، كما أن عدداً كبيراً طلب الجواز من أجل العمل أو الدراسة في الخارج، أو لإتمام معاملات لم الشمل الأسري لمن لديه مقيم في الخارج وتوافد المواطنين لتجديد الجوازات المنتهية الصلاحية، وكل هذه العوامل اجتمعت فأنتجت أزمة وزحاماً أمام مراكز الأمن العام، فيما تأخرت استجابة الدولة بفعل شح الدولار".
تشير المصادر إلى أن "الجهاز أبلغ مديرية الجوازات في وزارة الداخلية قبل عام بالحاجة لتجديد العقد، بالتالي وجوب تمويل التعاقد وتطلب الحصول على الموافقة فترة من الزمن استغرقت عاماً بين مصرف لبنان وديوان المحاسبة ووزارة المالية، مما أخر بدء العمل بالطباعة ستة أشهر، الأمر الذي تسبب في استهلاك المخزون الموجود في لبنان وتأثر القدرة على منح الجوازات".
ولفتت إلى أن "الأمن العام يطبق الشروط الفنية وإجراءات التحقق من البيانات والتعليمات التي تفرضها المنظمة الدولية للطيران المدني، أما ما سوى ذلك، فمسؤولية السلطة الحكومية وأشارت إلى "تجاوز فترات العمل داخل مركز تسجيل البيانات وطباعة الجوازات 20 ساعة يومياً لتأمين الطلبات حتى في أيام الأعياد".
المنصة كحل موقت
أمام الضغط الكبير اتجهت المديرية إلى العمل في المنصة الإلكترونية من أجل تنظيم الطلبات وتقييد شروط التقدم بها ومنح الأفضلية لشرائح معينة من الناس مثل من لديه فيزا للسفر أو عقد عمل في الخارج أو التجار لتأمين التجارة أو الطلاب في الجامعات الخارجية أو المرضى، ممن يستوجب منحهم الأولوية وتأجيل من يمكنه الانتظار.
كما اتفقت المديرية مع الدولة العراقية على القبول بجواز سفر إلكتروني يتم تجديده عاماً واحداً فقط من أجل زيارة المقامات المقدسة في العراق، مما يؤدي إلى توفير آلاف جوازات السفر الموجودة في مخزون الأمن العام.
يفاخر الأمن العام بأن الجواز اللبناني آمن جداً ضد أي تزوير وهناك مخزون منه يجري حفظه داخل مصرف لبنان ويستخدم عند الطلب، كما أن فرق الأمن العام هي من تقوم بملء البيانات في لبنان وتتلقى المديرية الباسبورات فارغة من الشركة المصنعة ولا يتم إطلاع أي طرف خارجي على بيانات المواطنين، إضافة إلى أن المنصة الإلكترونية لا تتطلب إلا الاسم ورقم الهاتف للتواصل وبيانات الأشخاص تبقى محفوظة حصراً لدى الجهاز.
كما تجزم أوساط الأمن العام بعدم وجود الواسطة كاشفة عن محاولات قامت بها بعض الشركات في البداية لحجز مواعيد وإلغائها ثم منحها لآخرين، فمنعت المديرية تغيير الموعد أو إلغاءه إلا بقرار مركزي تتم مراقبته من قبل لجنة.
دعوى أمام "شورى الدولة"
دفعت القيود على منح الجوازات بعض الجهات الحقوقية إلى التحرك قضائياً لإلغاء قرار الأمن العام وتقدمت "المفكرة القانونية" بطعن لدى مجلس شورى الدولة (القضاء الإداري في لبنان) ضد قرار المديرية العامة للأمن العام ووزارة الداخلية بتقييد الحق في الحصول على جواز سفر بسبب حرمان شريحة واسعة من المواطنين اللبنانيين من إمكان الحصول على وثيقة لإثبات هويتهم وللسفر.
تشير المحامية غيدة فرنجية وهي مسؤولة التقاضي في "المفكرة القانونية" إلى أن الأمن العام أصدر في فبراير (شباط) الماضي بصورة مفاجئة تعميماً أدى إلى منع المواطنين من التقدم بطلبات للحصول على جواز سفر إلا في حال استيفائهم شروطاً معينة منها إثبات الضرورة للسفر، وتقول إن الدعوى الحالية تطالب بفرض رقابة القضاء الإداري على قرار الأمن العام لتنظيم ممارسة حق الحصول على جواز سفر والحيلولة دون جعله امتيازاً لبعض المواطنين، تحديداً بعد تقاعس مجلس النواب والحكومة عن إقرار أي إجراء لمساءلة الأمن العام حول قرار التقييد.
وتلفت إلى أن "القرار أخرج جواز السفر من دائرة الحق لجميع المواطنين وجعله امتيازاً لشريحة منهم" واستندت الدعوى إلى "عدم أحقية الأمن العام بفرض شروط للحصول على جواز السفر وإلى تقييد التعميم لحرية التنقل الدستورية من دون ضرورة وبشكل غير متناسب ومخالفة القرار لمبدأ المساواة بين المواطنين والاستقرار القانوني في العلاقة بين الإدارة والمواطنين".
وتوضح فرنجية أنه سبق لـ"المفكرة" أن تقدمت بطلب إلى وزير الداخلية بسام المولوي لإلغاء تعميم الأمن العام لعدم قانونيته، لكنه رفض الطلب ضمناً بلزومه الصمت (قاعدة في القانون الإداري) وعلى أثره تقدمت "المفكرة" بالدعوى لدى مجلس الشورى لإبطال قرار الوزير وتعميم الأمن العام وتخلص إلى أن "الإجراء جاء مفاجئاً ولم تسبقه أية تنبيهات للمواطنين، كما لم يقرر الأمن العام أية إجراءات انتقالية، مما يضرب الثقة بين المواطن والإدارة ويضر بمبدأ الاستقرار القانوني. كذلك لم يتم وضع سقف زمني لتطبيقه فجاء بمثابة إقفال الباب أمام اللبناني للحصول على وثيقة تسمح له بالتنقل وبإثبات هويته".