منذ فترة وتشهد الكواليس اللبنانية تساؤلات واحتمالات عن لجوء جهات خارجية الى خلق اهتزازات في الواقع الداخلي، وسط تضارب في الوجهة التي ستعمل على هذه الفكرة.
فالمعارضون لحزب الله يعتبرون أن الحزب يفتعل المشاكل تلو الأخرى لإزاحة النظر عمّا يجري في الجنوب، ولخلق فوضى تدفعه الى النزول بقوة الى الشارع وضبط الوضع، كما فعل في مرحلة الإجهاز على «ثورة 17 تشرين»، وإعادة تثبيت وتركيز دعائمه، وهذا ما يفعله في ملف اللاجئين السوريين من خلال رفع الصوت والادعاء بضرورة ترحيلهم الى أوروبا لاستدراج الأوروبيين إلى التفاوض مع دمشق ومعه.
أما المؤيدون لحزب الله، فيعتبرون أن ما يجري ليس مصادفة، وهناك محاولات لتطويق الحزب ولخلق مشاكل داخلية معه بهدف إضعافه وإشغاله عن انهماكه بما يجري في الجنوب. في مثل هذه الحالات غالباً ما يلجأ الحزب الى مقاربة هذه التطورات والملفات بحسّه الأمني أو بنظرية المؤامرة، كما هي الحال بالنسبة الى خصومه معه.
فيعتبر الحزب أن الإسرائيليين الذين لا يريدون الدخول في حرب واسعة معه، ومادام الأميركيين لا يريدون توسيع الحرب، فقد يلجأون الى خلق مشاكل داخلية، على خلفيات سياسية، أو اجتماعية، او اقتصادية أو أمنية في سبيل إضعاف الحزب وإشغاله في الداخل، ومن خلال اعتماد إثارة القلاقل لإغراق الحزب في أزمات داخلية لا تنتهي كتعويض عن مواجهته عسكرياً بشكل مباشر.
الخطر في كل هذه التفسيرات، هو تحميلها أبعادا أخرى، كمثل خلق التحركات والتظاهرات والاحتجاجات، انطلاقاً من البيئة الشيعية لتمتد الى البيئات الأخرى، في محاولة لنزع الغطاء الشعبي عن الحزب أو عن سلطته، مادام يتم اتهامه بأنه صاحب السيطرة على الحكومة في القرارات الاستراتيجية وفي قرار الحرب والسلم، فيما الحكومة تنشغل فقط ببعض الملفات التفصيلية، ليكون ذلك مقدمة لاستغلال إسرائيل لهذه الحالات من التشابك والتنازع الداخلي ما قد يشكّل فرصة لتوجيه ضربة أكبر للحزب تسهم في إضعافه وتطويقه أو دفعه الى تقديم تنازلات جدية حدودياً فيما سيسعى بالتفاوض الى تحصيل مكاسب أكبر في الداخل اللبناني.
كل ذلك يرتبط بمسار التطورات في المنطقة، خصوصاً في ظل المساعي المستمرة من قبل الدول الخمس لإعادة إنتاج السلطة، واعتبار أن حزب الله هو الذي يعرقل كل المساعي، بينما هو يراهن على الميدان وعلى المفاوضات الإيرانية – الأميركية التي قد تصب في مصلحته، مادام الطرفان لا يريدان تصعيد الحرب أو توسيعها، فيعمل الحزب على إعادة إنتاج تسوية سياسية في الداخل تتلاءم مع متطلباته بالارتكاز على السعي الإيراني – الأميركي للتفاهم، فيقدم تنازلات تتصل بالجنوب مقابل الحصول على مكاسب في الداخل اللبناني.