الواضح أن الإدارة الأميركية لا تطرح في هذه المرحلة سيناريوهات فرضية لسحب سلاح «الحزب» بالإكراه أو بالقوة، لكنها في المقابل لا تمنح هامشا زمنيا مفتوحا للحوار حول هذه المسألة الشائكة، بل تحدد نهاية السنة الحالية كمهلة حاسمة لتبلور المعادلة النهائية: لا سلاح خارج الدولة.
هذا التوقيت الأميركي ليس اعتباطيا، بل يرتبط بجملة اعتبارات متداخلة، أولها استباق أي متغيرات مفاجئة على الأرض قد تطيح بإمكانات التفاوض، وثانيها إدراك واشنطن أن التفاهمات الممكنة لن تتأتى إلا من خلال الضغط المتدرج المقرون بمهل واضحة. وثالثها ربط الحل في الجنوب اللبناني بإنهاء كامل عناصر النزاع الحدودي والسيادي، بما فيها تثبيت الحدود البرية، وليس فقط وقف إطلاق النار.
وهنا يبرز بوضوح البند الآخر في الورقة الأميركية: استكمال تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية، وصولا إلى خواتيمه المتمثلة بتثبيت الخط الأزرق وتحويله إلى حدود نهائية بين لبنان وإسرائيل، وهذا ما يعيد ملف مزارع شبعا إلى الواجهة، لا بوصفه ملفا سياديا عالقا فحسب، بل كمفصل حاسم في مستقبل أي تسوية شاملة.
وتثبيت الحدود الجنوبية لا يمكن أن يكتمل دون حسم الحدود الشرقية والشمالية (الحدود اللبنانية ـ السورية)، ما يضع الدولة اللبنانية أمام مسؤولية عاجلة بتسريع اجتماعات اللجنة اللبنانية – السورية، لإقفال هذا الملف التاريخي الذي لطالما استخدم كحجة لشرعنة استمرار سلاح «الحزب».
لكن كل هذا المسار يبدو غير متماسك في ظل المعادلة الميدانية المتغيرة يوميا. فبحسب مصادر ديبلوماسية، هناك تحذيرات جدية من احتمال لجوء إسرائيل إلى تنفيذ ضربات جوية متتالية تستهدف ما تبقى من ترسانة «الحزب» الصاروخية ومنشآته العسكرية، في محاولة لضرب القدرة قبل النقاش في مستقبلها. هذا الخيار، إن نفذ، يضع كل المسار التفاوضي على المحك، ويعيد الجنوب إلى قلب الاحتمالات المفتوحة، بما فيها الحرب الواسعة.
في هذا السياق، يبدو أن تل أبيب تراهن على عامل الوقت والمفاجأة، وتقرأ جيدا أن هامش «الحزب» في الرد بات أضيق بفعل الظروف الداخلية اللبنانية من جهة، والضغط الذي تتعرض له ايران خصوصا بعد انتهاء جولة الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية المحدودة وما خلفته من أضرار استراتيجية.
أمام هذا المشهد، يجد لبنان نفسه في موقع لا يحسد عليه. فالمطلوب منه أن يتحرك بسرعة لإثبات قدرته على حصر السلاح بيد الدولة، عبر خطة مرحلية واقعية، تتدرج من تثبيت الهدنة، إلى إعادة تفعيل القرار 1701 بكامل مندرجاته، وصولا إلى معالجة ملف مزارع شبعا ضمن رؤية سيادية وديبلوماسية حازمة، وإلا فإن أي تلكؤ قد يفتح الباب أمام تحولات قسرية تفرضها الطائرات الإسرائيلية لا الطاولة اللبنانية.
في المحصلة، ما تحمله الورقة الأميركية هو «نافذة الفرصة الأخيرة» قبل الانتقال إلى مرحلة فرض المعادلات بالقوة.
لا طلب بسحب السلاح بالإكراه الآن، لكن لا مهلة مفتوحة بعد اليوم. وخط الحدود لا يمكن تثبيته ما لم تقفل كل الثغور، جنوبا وشرقا، أرضا وسلاحا، بحوار الداخل بسقف زمني قبل هجوم الخارج.