دخلت النقابات العمالية اللبنانية على خط الأزمة الاقتصادية الخانقة، التي تعيشها البلاد منذ أربع سنوات، بممارسة المزيد من الضغوط على السلطات لدفعها إلى التحرك لإنقاذ ما أمكن إنقاذه من سوق العمل بعد أن تعرض لتصدعات عميقة.
وتسببت الأزمة المالية التي تفجرت أواخر 2019 في انعكاسات سلبية على العديد من القطاعات الإنتاجية ليرتفع معدل البطالة في البلاد إلى نحو خمسة أضعاف مما كان عليه في السابق.
وعلى وقع غلاء المعيشة وانهيار الليرة وارتفاع التضخم تعرضت الكثير من الشركات والمؤسسات لصعوبات مالية دفعتها إلى تقليص أعداد العاملين وتسريح قسم منهم أو خفض رواتبهم.
ويعمل الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين على لفت انتباه السلطات إلى المشاكل والصعوبات التي يتعرض لها اللبنانيون بسبب فقدانهم لوظائفهم وأعمالهم.
وفي أحدث تحرك له ناقش رئيس الاتحاد كاسترو عبدالله الثلاثاء مع النائب إبراهيم منيمنة الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي وانعكاساته السلبية، خصوصا العمال العاطلين عن العمل والهواجس التي يعانون منها بشكل عام.
ونقلت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية عن عبدالله قوله أثناء الاجتماع إن “المتابعات الحكومية بخصوص مقررات مؤتمر منظمة العمل الدولية” الذي عقد في جنيف مؤخرا تشوبها “العديد من المخالفات”.
وأوضح أن الحكومة لم تلتزم بمعايير العمل الدولية بعدم المصادقة على الاتفاقات الدولية ومخالفتها لبعض الاتفاقات المصدق عليها خصوصا الاتفاقية عدد 29 حول العمل الإجباري.
وأشار إلى التلكؤ في تنفيذ الاتفاقيات الدولية ومنها الحق في التنظيم النقابي للعاملين في القطاع العام، وكذلك حول اتفاقيات السلامة المهنية والأجور وغيرها.
وطالب عبدالله بالإسراع في تطوير قانون العمل اللبناني الذي لم يتم تعديله رغم كثرة اللجان التي تم تشكيلها سابقا، وأصبح اليوم أمرا ملحا لكي تتماهى مع الاتفاقيات الدولية والعمل اللائق، وأيضا حول معاناة المضمونين اجتماعيا.
وتبدو المعالجات التي حدثت في القطاع الخاص والتي تمثلت بعدة زيادات لغلاء المعيشة ورفع الحد الأدنى للأجور وبدل النقل ورفع التعويضات العائلية والمنح المدرسية، وفي القطاع العام عبر زيادة الرواتب وبدل النقل، غير كافية.
وتقول النقابة العمالية إن هذه الزيادات تبقى دون الحد المقبول ولا تؤمن العيش اللائق لعمال لبنان بفعل استمرار الأزمة التي لا حل لها إلا بتثبيت سعر صرف الدولار حتى نتمكن من بداية أسس لحل معين.
ويشهد لبنان منذ أربع سنوات انهياراً اقتصادياً صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم. وقد خسرت الليرة أكثر من 98 في المئة من قيمتها على وقع قيود مصرفية مشدّدة وأزمة سيولة حادة.
وعلى وقع الأزمة، أصبح غالبية السكان يعيشون تحت خط الفقر، مع فقدان قدرتهم الشرائية، وهو ما جعلهم عاجزين حتى عن توفير احتياجاتهم الرئيسية.
وكانت إدارة الإحصاء المركزية في لبنان ومنظمة العمل الدولية قد نشرتا دراسة مطلع هذا العام تفيد بأن معدل البطالة ارتفع من 11.4 في المئة خلال الفترة الممتدة بين عامي 2018 و2019 إلى 29.6 في المئة مع نهاية العام الماضي.
ولفتت الدراسة إلى أن نحو ثلث القوى العاملة الناشطة كانت عاطلة عن العمل منذ مطلع العام، وأكدت أن نسبة البطالة في صفوف النساء أعلى مما هي عليه لدى الرجال.
وبحسب البيانات الرسمية، هناك 47.8 في المئة من الشباب والشابات، تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما، هم عاطلون عن العمل.
وبينما لا توجد معلومات رسمية عن 2023، قدّرت المؤسسة الدولية للمعلومات المتخصصة في أبحاث السوق والسياسات العامة نسبة البطالة في لبنان بنحو 38 في المئة.
ونقلت وسائل إعلام عن الباحثة الاجتماعية وديعة الأميوني قولها إن “الاقتصاد الريعي والفساد المستشري الذي بدأ منذ أكثر من عشر سنوات دمرا الاقتصاد وأديا إلى ارتفاع معدلات البطالة”.
وأوضحت أن البطالة كانت في لبنان، الذي أهلكته الصراعات السياسية وسياساته ومؤسساته الفاسدة، تبلغ 36 في المئة لكنها أصبحت اليوم عند 60 في المئة.
وحذّرت الهيئات الاقتصادية اللبنانية مرارا من انهيار القطاع الخاص، في ظل تصاعد المخاوف من تفاقم الشلل الذي أصاب كافة مفاصل الاقتصاد المحلي دون استثناء.
والأسبوع الماضي أكد صندوق النقد الدولي أن لبنان لم يقدم الإصلاحات العاجلة لمواجهة الظروف المالية الصعبة في ظل افتقار الحكومة للقدرة على اتخاذ قرارات صعبة ولكنها حاسمة.
وقال الصندوق بعد انتهاء فريقه، بقيادة إرنستو راميريز ريغو، من زيارة بيروت في الفترة من الحادي عشر إلى الرابع عشر من سبتمبر لمناقشة التطورات الاقتصادية الأخيرة، “لم يقم لبنان بالإصلاحات المطلوبة بشكل عاجل، وسيؤثر ذلك على الاقتصاد لسنوات قادمة”.