وخلال مؤتمر صحفي عقده في مجلس النواب تناول فيه مسألة الفساد في الغذاء، قال أبو فاعور إن “المبيدات والأسمدة التي يستخدمها مزارعون ممنوعة في معظم دول العالم، وفي لبنان بموجب قرارات وزارتي الزراعة والصحة، كذلك الأمر في أميركا وأوروبا، ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الزراعة والتغذية العالمية، إضافة إلى الأمم المتحدة”.
وأضاف “ثبت أن هذه الأدوية مسببة لعدد كبير من الأمراض” لافتا إلى أن بعض المزارعين يستخدمونها “عن جهل، أما البعض الآخر فيعي خطورتها، لكن يستخدمها كبديل، وبعضهم يستخدمها عن قلّة ضمير”.
وتقدّم النائب اللبناني بإخبار أمام النيابة العامة التمييزية ضد المتورطين بهذا الملف، حيث ذكر أسماء الشركات الوهمية والمتورطين وعيّنة من الأدوية المستخدمة، معلنا أنه سيتقدم إلى رئيسة هيئة القضايا بوزارة العدل، هيلينا إسكندر، بإخبار مماثل.
وأشار إلى أن المدعي العام التمييزي طلب منه التحفّظ عن ذكر الأسماء المتورطة بالموضوع لإعطاء وقت للقوى الأمنية من أجل مداهمتهم وتوقيفهم، مؤكدا أنه لا أحد محصّن بهذا الأمر.
وزعم النائب تواجد غطاء سياسي وراء القضية، قائلا: “هناك ميثاقية كاملة وراءهم بمعظم المناطق والاتجاهات السياسية، وفرع المعلومات سيتكلّف بالتحقيقات، والمعركة مفتوحة وعندما تحزم السلطة أمرها تستطيع أخذ الإجراءات المناسبة”، دون أن يحدد الجهات المقصودة.
“مافيات منظمة”
قبل إعلان أبو فاعور عن الأدوية الزراعية المسرطنة والسامّة المتواجدة في السوق اللبناني، تعمل وزارة الزراعة، كما يقول الوزير عباس الحاج حسن، “منذ أربع سنوات تحديدا على مشروع مع منظمة الفاو لمواكبة هذا الموضوع ومكافحته، كما تقوم دائما بجولات برفقة المديرية العامة لأمن الدولة والقضاء المختص لإغلاق كل الصيدليات الزراعية غير المرخصة المتواجدة في العديد من المناطق اللبنانية والتي تبيع أدوية فاسدة وسامة”.
ويؤكد في حديث لموقع “الحرة” أن الوزارة تعمل بكل طاقتها وبجهود كبيرة، “راسلت كل القوى والقيادات الأمنية، بما فيها قيادة الجيش، للتشدد وضبط الحدود فيما خص تهريب الخضار والفاكهة باتجاه لبنان وذكرت موضوع تهريب المبيدات والأسمدة، وفي كتاب إلى وزير العدل خاطبت (الوزارة) المدعي العام التمييزي أن يعتبر هذا الأمر إخبارا لدى النيابة العامة والتحرك، لما لهذا الأمر من أضرار فادحة على المنتج اللبناني والمزارع”.
تدخُل الأدوية عبر “مافيات منظمة” من خلال بعض الشركات والأشخاص ويتمّ التنسيق بينهم ومعظم المزارعين من عكار إلى الجنوب إلى البقاع إلى جبل لبنان، بحسب ما ذكر أبو فاعور في مؤتمره الصحفي.
وأشار النائب إلى أن “باب التهريب الأساسي من وإلى سوريا، يقوده شخص يحمل الجنسية السورية ويتنقل براحة بين البلدين، ولدينا أسماء التجّار الذين يعمل معهم، قسم منهم من عكار والقسم الآخر من البقاع، إضافة إلى إدخالها عبر مرفأ بيروت، من خلال براميل على أساس أنها مواد تنظيف ليتم تعليبها في لبنان وبيعها إلى المزارعين”.
وتوجه إلى مديرية الجمارك بالقول: “هل لدى المديرية علم بهذا الأمر؟ وهل هي عاجزة عن السيطرة على كارثة التهريب خصوصا بعد الانفجار الكارثي؟ علما أن الفساد مستشر في المرفأ وقريبا سأكشف التفاصيل عن هذا الموضوع”.
وتابع “كذلك يتم إدخالها إلى لبنان عبر موافقات مخادعة من قبل بعض الوزارات، وتحديدا وزارة الصحة، على أساس مواد تنظيف للمستودعات والمنازل من خلال شركات وفواتير وهمية”.
ونشرت وزارة الصحة اللبنانية بيانا تعقيبا على “المعلومات حول تهريب مبيدات زراعية ضارة إلى السوق اللبناني”، وقالت الوزارة إنها “مسؤولة عن تنظيم عملية استيراد مبيدات الحشرات والقواضم (القوارض) المنزلية فقط أما استيراد المبيدات الزراعية فيخضع لصلاحية وزارة الزراعة”.
وأضافت أن الموافقة تتم “على استيراد مبيدات الحشرات والقواضم المنزلية استنادا إلى إجازة مسبقة تُمنح لصاحب العلاقة على أساس الملف الفني المقدم من قبله والذي يشتمل على جميع المستندات التي تُثبت فعالية المنتج. وفي هذا المجال، على صاحب العلاقة إثبات ان المادة الفعالة معتمدة لدى الاتحاد الاوروبي وواردة على لائحة الوكالة الأوروبية للمواد الكيميائية”.
وأوضحت الوزارة أنه “عند وصول الإرسالية تتم دراسة البيان الجمركي من قبل وزارة الصحة العامة ويتم سحب عينات من الإرسالية للتأكد من تطابق المنتج المستورد مع الإجازة وبناء علية يُتخذ القرار المناسب”.
وأضافت “للسلع المستوردة أرقام تعريفية لدى الجمارك ومن خلال هذه الأرقام يتم تحديد الشروط والموافقات اللازمة لإدخالها”، مشيرة إلى أن الأرقام التعريفية لمبيدات الحشرات والقوارض المنزلية تشير إلى أن هذه السلع تخضع لتأشيرة وزارة الصحة العامة أما المبيدات الزراعية تخضع لتأشيرة وزارة الزراعة.
وأكدت أن “الأرقام التعريفية للسلعة التي أشير إليها على أنها تُستورد كمنظفات للمستودعات..(محضرات غسيل ومحضرات تنظيف) وهي لا تخضع لتأشيرة وزارة الصحة العامة بل يتطلب استيرادها إلى شهادة مطابقة تصدر عن معهد البحوث الصناعية، وبالتالي فإن المعاملة الجمركية لا تُقدم أصلا إلى وزارة الصحة العامة”.
وشددت على أنه “من المعروف أن احتمالات حصول التهريب قائمة وسيبقى هناك من يحاول التهرب من الاستحصال على الإجازات اللازمة للاستيراد أو من تأدية الرسوم والضرائب المتوجبة، وهنا يقع على عاتق الإدارة الجمركية مكافحة عمليات التهريب والغش التجاري”.
ونوهت إلى “أن وزارة الصحة العامة تسعى دائما إلى حماية صحة المواطن وستقوم بكل ما من شأنه رفع مستوى حمايته ضمن صلاحياتها القانونية”.
ولم يصدر رد عن إدارة الجمارك اللبنانية حتى نشر التقرير.
عوارض وأمراض متنوعة
الأدوية المسرطنة والسامة، التي أشار إليها أبو فاعور، كانت تدخل إلى لبنان بطريقة شرعية قبل حوالي ثماني سنوات، بحسب ما يؤكد رئيس تجمع مزارعي وفلاحي البقاع، إبراهيم ترشيشي، ويشرح: “كان المزارعون اللبنانيون يستعملونها كونها كانت مسموحة عالميا، لكن بعد حظرها من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، اتخذ لبنان نفس القرار، فبدأنا نستورد بديلا عنها، باستثناء بعض المزارعين وذلك إما عن قلة انتباه أو عدم مبالاة لا سيما وأن بعض الدول لم تمنع استعمالها، لكن بما أنها مُنعت في لبنان يتم إدخالها من سوريا بطريقة غير شرعية”.
يشير ترشيشي في حديث لموقع “الحرة” إلى أنه ” من المستحيل أن يستخدم أصحاب البساتين هذه المواد لأنها تترك ترسبات كبيرة وتحول دون تصدير بضائعهم، كما أن المزارع اللبناني غير مضطر أن يستخدم الأدوية المحظورة خاصة أن البديل متوفر وأحيانا بنفس السعر، إلا إذا جرى ترغيبه بها”.
كما طالب أن تطال الحملة كل البضائع والمنتجات التي تدخل عن طريق التهريب إلى لبنان، كونه كما يقول “من غير المعروف الأدوية التي رشت بها والمياه التي استخدمت لريّها، وفيما إن تمت مراعاة فترة التحريم التي تفرض القطاف بعد 15 يوما من رش الأدوية، وطالما أن الأدوية المحظورة تدخل من سوريا يعني أن المزروعات المهربة ترش بها”.
أحد المتضررين من استخدام هذه المواد، بحسب أبو فاعور، هو المزارع اللبناني “إذ أنه الحلقة الأضعف في دائرة الفساد المتواجدة، هذه الأدوية تستعمل في المزروعات وبالتالي تدخل إلى منازلنا وتسبب لنا العديد من الأمراض”.
وأشار إلى أن “بعض الأصناف يسبب السرطان وبعضها يسبب التسمم القاتل أحيانا، كما أن منها ما يعطل الجهاز العصبي كاملا، إضافة إلى تأثيرها على دماغ الطفل وببعض الأحيان تسبب فقدان الذاكرة إضافة إلى عوارض أخرى نتيجة التسمم”.
لا رائحة لهذه الأدوية الزراعية، بالتالي لا يعرف المواطن فيما إن كانت الخضار والفاكهة تحتويها، وهنا تكمن الخطورة، كما تقول طبيبة الصحة العامة وأخصائية التغذية، الدكتورة ميرنا الفتى، شارحة في حديث لموقع “الحرة” أن “هذه المواد تعتبر من الأسباب الرئيسية لكل أنواع السرطان، وبشكل خاص سرطان الجلد والرئة وكل الأعضاء التي لها علاقة بالجهاز الهضمي”.
ومن العوارض التي قد يشعر بها الإنسان، إضافة إلى ما ذكره أبو فاعور، “الغثيان والتقيؤ وزيادة سيلان اللعاب والتعب والإرهاق والإحباط وعدم التركيز، بالأخص إن كانت هذه الأدوية تحتوي على نسبة مرتفعة من الفوسفات”، وتضيف الفتى “لا يتفاجأ أحد عندما يتم الإعلان عن أن الإصابات بالسرطان ارتفعت بشكل حاد في لبنان”.
خطوات المواجهة
إعلان أبو فاعور عن الأدوية المسرطنة والسامّة لن يؤثر، بحسب الحاج حسن، على صادرات لبنان إلى الخارج، ويشرح “تخضع المنتجات التي نصدرها إلى فحوصات ضمن شروط عالمية، لكن أعود وأكرر أنه يجب مكافحة هذه الأدوية أقله لأنها تسيء إلى المنتج اللبناني وسمعته ونحن نكافح ونعمل ونجتهد لإعادة الثقة بهذا المنتج ولكي يتواجد في كل دول العالم”.
التساهل في معاقبة المهربين هو السبب وراء مواصلة أنشطتهم، كما يقول ترشيشي، “من هنا يجب إنزال أشد العقوبات بهم من مصادرة بضائعهم إلى فرض غرامة مالية عليهم وإغلاق محلاتهم، إن وجدت، وإذا كرروا الأمر سحب رخصة التجارة منهم لكي يرتدعوا، فالأردن على سبيل المثال يعاقب المهرّب بالسجن، لذلك لا نسمع عن عمليات تهريب بينه وبين سوريا، أما في لبنان إذا تم توقيف عملية تهريب فإن الأخير يعوّض خسارته في اليوم التالي بعد استئناف عمله”.
المطلوب منع هذه الجريمة في أسرع وقت ممكن، كما شدد أبو فاعور قائلا: “على وزارة الزراعة التحرك لسحب كل هذه المواد من الأسواق وتنبيه المزارعين بعدم استخدامها ووضع خطة توجيهية معهم، وأنا سأضع وزير الزراعة في كافة التفاصيل، كذلك تجب على وزارة الصحة إعادة النظر بكل الموافقات والتأكد من الوثائق لديها، كي لا يتمّ الخداع وإدخالها على أساس أنها مواد تنظيف أو مواد أخرى”.
من جانبه، يؤكد الحاج حسن على ضرورة تضافر الجهود، قائلا: “طالبت وأطلب من رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، عقد اجتماع فوري للوزارات والإدارات الأمنية المختصة”.
وعن الخطوات القادمة أجاب الحاج حسن “ستكون لدينا خطة عمل تحفيزية مسرّعة في القريب العاجل تطال كل الأراضي اللبنانية، ومنذ أكثر من ثلاث سنوات نشرنا أسماء كل الشركات والأدوية المرخص وغير المرخص بها على موقع الوزارة”.
وأضاف “وفيما يخص الإرشاد الزراعي وجهنا لكل المراكز الزراعية أننا نضع بالأسماء كل المنتجات غير المرخص بها والمهربة والتي قد تكون مسرطنة وسامّة ومسبّبة لأمراض المستعصية”.