تجدر الإشارة إلى أن المادة 93 في الموازنة جاءت تحت عنوان «معالجة استثنائية لتعويضات نهاية الخدمة وفقاً لأحكام المادة 51 من قانون الضمان الاجتماعي»: ونصّت على ما يلي:»إلى حين إعادة تقييم جميع تعويضات نهاية الخدمة وإصدار قوانين عادلة، تعدّل المادة 51 من قانون الضمان الاجتماعي (المرسوم الاشتراعي رقم 13955/1963 وتعديلاته) استثنائياً، بحيث يحدّد مقدار تعويضات نهاية الخدمة على الوجه التالي: يحتسب تعويض نهاية الخدمة بما يعادل عن كل سنة خدمة الأجر الذي تقاضاه صاحب العلاقة، خلال شهر كانون الأول 2023 عن سنوات الخدمة لما قبل 31/12/2023 على أساس 15000 ليرة لبنانية للدولار الواحد. كما ويعادل عن كل سنة خدمة الأجر الذي تقاضاه صاحب العلاقة خلال شهر كانون الأول من كل عام، أو خلال الشهر الذي سبق تاريخ نشوء الحق بالتعويض بعد 1/1/2024 عن كل سنة خدمة محتسباً وفقاً لأحكام قانون الضمان الاجتماعي».
مادة مهرّبة خلسة!
يستغرب المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الدكتور محمد كركي عبر «نداء الوطن»، «كيف يمكن أن تتضمّن الموازنة العامة مادة وأصحاب الشأن لا علم لهم فيها. فقانون التقاعد أقرّ بعد دراسة استمرّت 20 عاماً، وصندوق الضمان الاجتماعي عنصر أساسي في إنجازه»، مشدداً على أنه «حالياً يتم تعديل مادة لا نعرف ما هي، ويتم تفسيرها بطرق مختلفة. نحن فسّرناها بطريقة وقد تكون غير صحيحة، والأهم انه لا يمكن تسريب مادة بهذه السهولة الى لجنة المال والموازنة إلا من خلال أشخاص «اشتغلوا عليها». نحن محتارون بين اعتبارها خفة أو ارتجالية أو مخططاً لفرضها».
يضيف: «نحن نفسّرها على أنها تقسيم تعويض نهاية الخدمة الى مرحلتين، ما قبل العام 2023 فإن كل التعويضات يتمّ احتسابها وضربها بـ10. وبعد الـ2024 يحتسب شهر عن كل سنة خدمة وفقاً لما يصبح عليه الراتب الأخير للأجير. هناك رأي يقول إن الهدف من المادة تجزئته الى ثلاثة أقسام»، مستدركاً أن «كل المعنيين بهذه المادة لا يعرفون كيف يفسّرونها، أي ارباب العمل والعمال والضمان وهذه مشكلة كبيرة. الأكيد أن هناك جهة وراء هذه المادة وتعرف ماذا تريد أن تمرر عبرها ونحن متخوّفون جدّاً منها».
يرى كركي أنه «من الأفضل الاتفاق بين أصحاب العمل والعمال على حلّ من دون إشراك الضمان، لأنه لا يمكنه دفع أي فروقات مالية، والأهم ألّا تتمّ تجزئة التعويضات. هذه المادة ملتبسة ووضعت خلسة في الموازنة من دون أخذ رأي المعنيين بتطبيقها لذلك «مش راكبة الأمور»، معتبراً أنه «لا بدّ من إنصاف العمال، سبق أن طرح هذا الأمر من خلال مضاعفة التعويض الذي يدفعه الضمان الاجتماعي بالليرة اللبنانية، مع تحديد الجهة التي ستموّل هذا الفرق، هل هو مصرف لبنان أو الدولة اللبنانية أو أصحاب العمل؟».
ويختم: «هناك هواجس كبيرة وهذه الأمور لا يمكن ارتجالها بل يجب أن تبنى وفقاً لدراسات علمية وتقييم. ونطلب سحب هذه المادة لتوضيحها أو على الأقل يتم إصدار مرسوم بناء على دراسة من مجلس إدارة الضمان واقتراح وزير العمل، للتأكد من عدم إلحاق ضرر بالعمال ومن أنه يصبّ بمصلحتهم».
بحاجة لتوضيحات
من جهته يشرح رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر لـ»نداء الوطن» أن المادة 93 من الموازنة بنصها الحالي غير قابلة للتطبيق وتحتاج الى نقاش جدي بين الأطراف الثلاثة المعنية بملف التعويضات، لمعرفة كيفية احتسابها ودفعها، هل هي من أصحاب العمل ؟أو الدولة؟».
يضيف: «نحن بحاجة الى توضيح من وزارة المالية ومن حاكم مصرف لبنان حول قيمة الدولار الضريبي. في هذه المادة تم تحديد الدولار بـ15000 ويتم احتساب التعويضات على 15000 بينما فعلياً قيمة الدولار هي 90 ألف ليرة»، معتبراً أن للمرة الأولى هناك مادة تتطرق الى مبدأ إعادة تقييم التعويضات للمضمونين التابعين لقانون العمل في الموازنة، وهذه خطوة تشكّل اعترافاً بضرورة إقرار تعويضات أعلى تتناسب مع جزء من الواقع وحتى لو لم تنفّذ».
ويختم: «المادة 93 تشكّل ربط نزاع واعترافاً من الدولة بالواقع المعيشي، وقد تكون بحاجة الى إعادة صيغة أو مراسيم تطبيقية لتوضيحها».
إعفاء أرباب العمل
من جهته يوضح عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي دكتور صادق علوية لـ»نداء الوطن» أن «هذه المادة لا تستهدف معالجة تعويضات نهاية الخدمة لكل المضمونين، ولا تستهدف إعادة احتسابها ولا تعديل أسس احتسابها بطريقة أفضل»، مؤكداً أنه «بحسب معلوماته الشخصية هذه المادة قد وضعت لإعفاء أصحاب العمل من جزء من التسويات عن الأجراء المصرّح عنهم بالدولار الأميركي، حيث إن الأجراء الذين يتقاضون رواتب بالدولار الأميركي يحتسب الدولار بالنسبة لهم بـ15000 ألف ليرة، وإن واضعي هذا الاقتراح يخشون من قيام وزارة المالية ومصرف لبنان باحتساب سعر صرف الدولار على أساس منصة صيرفة أو من يحلّ محلها، ويخشون بأن ينعكس هذا الأمر على تعويضات الأجراء عن كافة السنوات».
يضيف: «إنهم يستهدفون حرفياً تقسيم فترة عمل الأجراء الذين يتقاضون رواتب بالدولار الى فترتين، الأولى ما قبل 2023، وفترة ما بعد 2023. وما يحصل هو غبن سيطول الأشخاص المصرّح عن رواتبهم بالدولار، والمحوّلة الى ليرة عبر احتساب الدولار بسعر 15000 ليرة، وأنه يستهدف افتئات حقوق هذه الفئة من الأجراء وليس زيادة تعويضات أي أجير أو مضمون».
إنها سرقة
على الضّفة القانونية يشرح المحامي الدكتور باسكال فؤاد ضاهر لـ»نداء الوطن» أن «هذه المادة تعني بصريح العبارة أن الدولة اللبنانية تريد سرقة تعويضات نهاية الخدمة الخاصة بالأجراء والمستخدمين، بما يوازي تقريباً 60 بالمئة»، لافتاً الى أن «القوانين الناظمة سواء أكان قانون العمل أم قانون الضمان الاجتماعي والاتفاقيات الدولية واتفاقيات العمل العربية، تنص على وجوب احترام التعويضات وعدم المسّ بها. كما وأنه لا يمكن حجزها كما يحصل راهناً، لأنه من المفروض ان تمنح الأجير حياة كريمة».
يضيف: «في حال صدرت الموازنة بقانون فإن هناك إمكانية للطعن بها أمام المجلس الدستوري، خصوصاً أن خطورة موازنة 2024 عدا عن أنها ضرائبية بامتياز، في افتقارها الى أي رؤية مالية واقتصادية وتضمنها أربعة أسعار صرف. الاول 15000 ألف ليرة يرمي الى سرقة تعويضات نهاية الخدمة، ونحن نعرف أن هذه التعويضات يتم قبضها من الضمان الاجتماعي، ليس فقط من أجراء ومستخدمي القطاع الخاص بل أيضاً من أولئك الذين يعملون لدى هيئات ومؤسسات عامة عديدة تخضع بحكم أنظمتها لقانون العمل. وهناك سعر صرف آخر اعتمدته الموازنة وينصّ على أن تحصيل الضرائب والرسوم يتم وفقاً للسعر الفعلي للدولار، والسعر الثالث سيترك تقديره لمصرف لبنان خلافاً لأحكام القوانين، وهدفه الاستمرار في نهب المودعين والحفاظ على رأسمال المصارف، والسعر الرابع هو الدولار النقدي الفريش».
ويختم: «علماً أن سعر الصرف يجب أن يحدّد وفقاً للسوق الشرعية للعملات وبورصة بيروت، وهذا يعني أن الخطأ متأتٍ من مصرف لبنان ومن المشرّع اللبناني. كما ويجب ربط سرقة التعويضات بشق آخر، هو أن المساعدات التي يتلقاها القطاع العام لن تحتسب على ما يبدو ضمن أساس أجرهم. الأمر الذي سيجعل من هذه الطبقة من المواطنين التي وصلت الى مراحل عمرية متقدّمة واقعة تحت خط الفقر الكلي والعوز المدقع».