راهن الكرسي الرسولي على الحراك الفرنسي لتحقيق النتائج المرجوّة، فخاب ظنّه بعدما غلّب الفرنسيون مصالحهم الخاصة ومصلحتهم مع إيران على مصالح اللبنانيين. وساهم «اللوبي» المسيحي في الخارج، إضافةً إلى موقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في وضع الفاتيكان في أجواء المبادرة الفرنسية السابقة التي كانت تضرّ بالمسيحيين واللبنانيين. وأتى انسحاب باريس من معادلة دعم مرشح الثنائي الشيعي رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية بعد زيارة الراعي الفاتيكان، ثم لقائه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الإليزيه.
ساهم الكرسي الرسولي في تخفيف حدّة الاحتقان بين المسيحيين وفرنسا، ولم ينسحب هذا الأمر على المبادرة الثانية التي وإن لم يواجهها المكوّن المسيحي إلا أنه لم يأخذها على محمل الجدّ، وعاد لودريان من حيث أتى من دون تحقيق أي مكسب. وتكشف مصادر متابعة لموقف الفاتيكان عن وجود قلق عميق عند البابا على مصير لبنان، وهذا القلق ناتج من الانهيارات المالية والاقتصادية التي تحصل، وانسداد الأفق السياسي الذي يتجلّى بعدم القدرة على انتخاب رئيس.
وبرز في الأسابيع الأخيرة، حسبما تشير المعلومات، وجود تنسيق فاتيكاني – سعودي في الملف اللبناني، وهو ناجم عن حرص البابا على لبنان ودوره كبلد «الرسالة» والتعايش، وبذَلَ مساعي من أجل إنقاذه. وهذا التنسيق ينبع من التوافق بين البلدين على نقاط أساسية، أهمّها:
أولاً- الحفاظ على العيش المشترك والصيغة اللبنانية، واستمرار الكرسي الرسولي باعتبار لبنان مختبراً لحوار الحضارات، في حين تتمسّك الرياض باتفاق الطائف الذي يسعى الفاتيكان للحفاظ عليه.
ثانياً- التأكيد على أهمية انتخاب رئيس جديد للجمهورية وفق ما يطلبه الشعب اللبناني وليس وفق مصالح الطبقة الحاكمة، خصوصاً أنّ الانتخاب يجب أن يُشكّل بداية الإصلاح الحقيقي ومنطلقاً لمسيرة الإنقاذ.
ثالثاً- تشديد الفاتيكان والرياض على أهمية الدور المسيحي وحفظ التركيبة اللبنانية، فالسعودية خطت خطوات انفتاحية حيال مسيحيي لبنان وزارها البطريرك الراعي ونسجت علاقات طيّبة مع بكركي، وهذا الأمر ينظر إليه الكرسي الرسولي نظرة تفاؤلية.
رابعاً- حماية لبنان وعدم استخدامه ساحة حرب أو لتوجيه الرسائل، وبالتالي العمل على الحفاظ على الدولة. وتُشكّل هذه النقاط منطلقاً لأي تحرّك، فقد وعدت الرياض الفاتيكان بعدم تخلّيها عن لبنان ومساعدته عندما تتشكّل سلطة إصلاحية وتمارس السيادة على أرضه، من هنا يُستنتج عدم مراهنة الفاتيكان على الدور الفرنسي لإبرام تسويات وحلول، بل دخل الكرسي الرسولي على خطّ الإتصالات المباشرة سواء مع الرياض أو طهران أو واشنطن.
وإذا كان السفير البابوي الجديد باولو بورجيا يقوم بدوره بصمت من أجل تقريب وجهات النظر بين المسيحيين أولاً واللبنانيين ثانياً، إلا أنّ هذا الأمر لا ينفي إقدام الفاتيكان على التدخّل بشكل مباشر. وعلمت «نداء الوطن» بنيّة الفاتيكان في إرسال موفد إلى لبنان يرجّح أن يكون رئيس دائرة الكنائس الشرقية المونسنيور كلاوديو غودجيروتي للإطلاع على الوضع اللبناني عن كثب.
وتأتي زيارة الموفد الفاتيكاني سواء أكان غودجيروتي أم أي شخص آخر تنتدبه الدولة الفاتيكانية لحضّ النواب على انتخاب رئيس جديد للجمهورية ومحاولة المساعدة على إيجاد حلول للأزمة اللبنانية.
لا تملك دولة الفاتيكان مبادرة ولا تدخل في لعبة الأسماء المرشّحة، بل دخولها على الساحة اللبنانية سيكون معنوياً أكثر ممّا هو تنفيذي، في حين يبقى البطريرك الراعي هو الممسك بالملف الرئاسي من جهة الكنيسة وأي موفد فاتيكاني سيكون للمساعدة لا لتغيير آراء بكركي.