فالخيارات في المواجهة الرئاسية أصبحت محصورة بين رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية وقائد الجيش الذي يتردد على الساحة السياسية أيضاً أن بعض أعضاء «اللجنة الخماسية» (السعودية ومصر وقطر وفرنسا والولايات المتحدة) التي تتابع الملف اللبناني، يدعمون وصوله للرئاسة، ما يعني عملياً انتهاء ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور بشكل نهائي، والانتقال إلى مرحلة جمع توافق لتأمين تعديل دستوري يسمح لقائد الجيش بالوصول إلى سدة الرئاسة.
حراك «جدي»
ويأتي ذلك في ظل حراك دبلوماسي «جدّي» لإنهاء الشغور الرئاسي، يواكبه تحرك داخلي بين القوى الحليفة، ولا يتخطاها إلى محادثات ثنائية بين المنقسمين سياسياً على الخيارات الرئاسية. وتقول مصادر نيابية مواكبة للاتصالات الأخيرة وحركة الزوار الخارجيين إلى لبنان، إن هذا الحراك «هو الأكثر جدية منذ أشهر»، نظراً إلى ضرورة إنهاء الشغور للمضي في الإصلاحات ومواكبة عملية التنقيب عن النفط والغاز في المياه الاقتصادية اللبنانية، لرفدها بالتشريعات والقرار الحكومية.
وبدأت التلميحات إلى تأييد المعارضة لقائد الجيش، كخيار بديل عن أزعور، في الأسبوع الماضي، حينما قال النائب أشرف ريفي إن المعارضة ستقترع، إذا ما عاد المجلس النيابي لعقد جلسات انتخاب متتالية، في الدورة الانتخابية الأولى لأزعور، بينما ستقترع في الثانية لصالح قائد الجيش.
ويعزز هذا الانطباع مخرجات اجتماعات الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في بيروت الأسبوع الماضي، حيث طرح مع نواب التغيير ونواب معارضين البحث عن خيار رئاسي ثالث، من دون أن يسمي أي مرشح، حسبما قالت مصادر نيابية شاركت في الاجتماعات. لكن آخرين يعتبرون أن العماد عون قد يكون الأكثر قدرة على حشد تأييد دولي لوصوله، وعلى تأييد قوى في الداخل، بينها المعارضة، وتتخطاها إلى مستقلين، بالنظر إلى أنه شخصية غير محسوبة سياسياً على أحد، وقامت بإنجازات على صعيد تمكين المؤسسة العسكرية للصمود في ظل الأزمة المعيشية التي تضرب لبنان منذ ثلاث سنوات.
كلام قائد الجيش
وفي ظل هذا الواقع، قال قائد الجيش أمام وفد نقابة الصحافة برئاسة عوني الكعكي الاثنين الماضي عن ملف رئاسة الجمهورية: «لا يهمني ولا يعنيني ولم يبحثه أحد معي ولم أبحثه مع أحد».
كرم و«جو الخماسية»
ولم يخفِ النائب كرم، في تصريح إلى «الشرق الأوسط» أن الخيارات تكاد تنحصر بفرنجية وقائد الجيش، وذلك استناداً إلى نتائج لقاءات لودريان مع الشخصيات اللبنانية، وجو «اللجنة الخماسية»، والحث غير المباشر على الانتقال من مرحلة المواجهة بين مرشحين إلى تسوية شاملة على قائد الجيش.
وأوضح كرم أن هذا الطرح «سهّل له لودريان عندما قال لا للطرفين المطروحين» في إشارة إلى فرنجية وأزعور. وكشف كرم عن وجود وفد قطري في لبنان «يجري لقاءات غير علنية مع كل الأطراف، للوصول إلى تفاهم على ترشيح قائد الجيش».
لكن هذا الطرح لا يزال غير ناجز، حسبما أكد كرم، بالنظر إلى أن «حزب الله» و«حركة أمل» وفريق «الممانعة» لا يزالون مستمرين في دعم فرنجية، مشدداً على أن هذا الطرح «توافقي، وهو (قائد الجيش) ليس مرشح طرف أو فريق»، إذ «يدفع أفرقاء في الداخل والخارج نحو التفاهم عليه لانتخابه من دون معركة انتخابية»، وهو الطريق الأساسي لانتخابه بالنظر إلى أن ترشيحه يحتاج إلى تعديل دستوري كونه موظفا فئة أولى.
وعن موقف «القوات اللبنانية»، بصفتها أكبر قوة في المعارضة، من هذا الطرح، قال كرم: «المعارضة لا تعارض هذا الطرح إذا كان يقرّب المسافة نحو إنهاء الشغور الرئاسي. نحن متجاوبون مع الطرح إذا قربت الممانعة باتجاه تفاهم لفتح ثغرة بالملف الرئاسي، لكن الأمر لا يزال حتى الآن متعثراً، ولم يصل إلى هذه المرحلة في ظل تمسك الممانعة بفرنجية، وضربها محاولة التوافق، بالإصرار على بدعة الحوار».
ورأى كرم أن فريق الممانعة «يدرك مسبقاً أنه لا تفاهم على اسم مرشحهم، لكنه يصرّ على الحوار بهدف ضرب أي محاولة تأتي من اللجنة الخماسية التي تعارض وصول مرشحي الممانعة إلى الرئاسة».
«التيار» و«حزب الله»
ويعارض «التيار الوطني الحر» الذي تضم كتلته النيابية 17 نائباً على الأقل، ترشيح العماد عون، كما يعارض في الوقت نفسه ترشيح فرنجية، ويخوض مباحثات مع «حزب الله» تتصل بالملف الرئاسي وبإقرار اللامركزية الموسعة والصندوق الائتماني، وقد عيّن الطرفان لهذه الغاية نائبين ممثلين عنهما لدراسة مشروع اللامركزية الموسعة.
وإضافة إلى «الوطني الحر»، يتمسك «حزب الله» و«حركة أمل» بترشيح فرنجية. وفي ظل رفض الأطراف الثلاثة وحلفائهم، كل من موقعه وموقفه، للعماد عون، فإن انتخابه لن يكون يسيراً، كونه يحتاج إلى 86 نائباً لإقرار تعديل دستوري يتيح انتخابه، ما يعني أنه يحتاج إلى توافق واسع.
ويبدو التوافق على أي شخصية متعذراً حتى هذا الوقت، في ظل الانقسامات العمودية، وتعذر المشاركة في الحوارات التي دعا إليها رئيس البرلمان نبيه بري، وحضّ لودريان اللبنانيين على المشاركة فيها. وتطالب المعارضة بعقد جلسات متتالية في البرلمان لإنهاء الشغور.
ولاقى موقف المعارضة دعماً من البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي أكد أنه «لا يوجد أي مبرر ألا يكونوا قد انتخبوا رئيساً الجمهورية منذ الماضي عملاً بالمادة 73 من الدستور»، مجدداً دعوته للمجلس النيابي إلى «عقد جلسات متتالية وفقاً للدستور ودون تعطيل النصاب لانتخاب رئيس للجمهورية».