دعا جنبلاط في بيان استقالته إلى مؤتمر انتخابي للحزب في 25 يونيو المقبل، بهدف إجراء انتخابات حزبية، عملاً بأحكام دستور الحزب ونظامه. كما كلف أمانة سر الحزب إتمام التحضيرات، وإصدار التعاميم ذات الصلة بمواعيد قبول الترشيحات ومهلة الانسحاب والشروط كافة المتعلقة بالعملية الانتخابية.
بناء على ما تقدم، تواصلت “الشرق” مع عدد من قيادات “الحزب الاشتراكي”، الذين شرحوا القصة الكاملة التي تقف خلف هذه الخطوة ومسبباتها ودوافعها وما إذا كانت تحمل في طياتها أبعاداً أخرى، خصوصاً مع استفحال حالة الجمود السياسي في ملفات عدة في لبنان.
“خطوة طبيعية”
أمين السر العام في “الحزب التقدمي الاشتراكي”، ظافر ناصر، قال لـ “الشرق” إنه “بمعزل عن الوضع السياسي المرتبك في لبنان والملفات السياسية العالقة، جاءت الخطوة التنظيمية الأخيرة في إطارها الطبيعي، ذلك أن الحزب يجري انتخابات دورية كل 4 أعوام”. وكشف أن الخطوة المذكورة “تأجلت مرتين في السنوات السابقة بسبب تزامنها مع جائحة كورونا في عام 2020 والانتخابات النيابية في عام 2022”.
وفيما تباينت الأراء بشأن دوافع وليد جنبلاط لاتخاذ خطوة كهذه، بحيث اعتبرها البعض استكمالاً لعملية التوريث السياسي ونقل القيادة لنجله تيمور جنبلاط التي بدأها في عام 2017، يرى آخرون أن انسحاب جنبلاط الأب لم يقتصر على الزعامة، ذلك أنه تنازل عن مقعده النيابي في الانتخابات الأخيرة لنجله تيمور جنبلاط، الذي يترأس اليوم كتلة “اللقاء الديموقراطي” التي تشغل 9 مقاعد في البرلمان اللبناني.
من جهته، قال نائب رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي”، الدكتور كمال معوض لـ”الشرق”إن “الباب مفتوح لمن يريد الترشح لرئاسة الحزب، ولكن شئنا أم أبينا الواقعية السياسية في لبنان تفترض أن هناك اختلاط بين الزعامة وبين القيادة السياسية في الحزب”. وأضاف أن “تيمور جنبلاط مرشح طبيعي خصوصاً أنه تسلم منذ 2018 المقعد النيابي، وأنه منذ ذلك الوقت كان مشاركاً في القرارات السياسية للحزب”.
“لن يغيب نهائياً”
وكشف ناصر أن “الحزب سيعلن تاريخ فتح باب الترشيح لمنصب القيادة خلال أسبوع”، مشيراً إلى أنه “على الرغم من مفصلية هذه الخطوة في تاريخ الحزب، إلا أنه لا زال متماسكاً وقادراً على خوض أي استحقاق في إطاره التنظيمي”. وأكد المسؤول الاشتراكي أن “وليد جنبلاط لن يغيب بشكل كامل عن السياسة حتى باستقالته الرسمية من الحزب”.
وفي سياق رده على مسألة التباينات المحتملة في مقاربة المسائل السياسية وانعكاسها على الحزب، خصوصاً بعد حديث وسائل إعلام لبنانية عن “اختلاف في الأراء بين وليد ونجله في المقاربات السياسية”، قال ناصر إن “الاختلاف في وجهات النظر مسألة طبيعية وأنها تتغير من جيل إلى آخر، ولكل مسؤول منطلقه في إدارة الأمور”.
هذا ما أكده أيضاً النائب في “كتلة اللقاء الديموقراطي”، أكرم شهيب لـ”الشرق”، إذ نفى ما تناولته وسائل إعلامية لبنانية عن تباينات بين وليد جنبلاط ونجله تيمور، مشدداً على أن “جنبلاط الأب على يتواصل مع نجله فيالمسائل السياسية كافة وليس هناك تباينات في الأجواء بين الطرفين”.
وأضاف شهيب، أن “وليد جنبلاط سيبقى في الخلفية ولن يبتعد بشكل كامل عن الحياة السياسية، مشيراً إلى أن علاقاته الإقليمية والدولية وقراءته للسياسة هي حاجة للحزب”.
“استكمال لمسيرة التجديد”
من جهته، قال السياسي وعضو مجلس قيادة الحزب الإشتراكي خضر غضبان، لـ”الشرق” إن “وليد جنبلاط كان يعمل منذ سنوات على اتخاذ هذه الخطوة (الاستقالة)”، لافتاً إلى أنه “أوحى بهذا التوجه مرات عدة، إلا أن الأزمات السياسية المتلاحقة بدءاً من الأحداث في سوريا وأزمة الفراغ الرئاسي، أخرت القرار وحالت دون صدوره في وقت أبكر”، مشيراً إلى أن ما حدث هو عبارة عن “استكمال لعملية التجديد التي واظب عليها الحزب من خلال الانفتاح على مقاربات سياسية جديدة”.
وأكد فارس سعيّد، النائب السابق والمنسق العام لـ “تحالف 14 آذار” (تحالف لأحزاب سياسية معارضة للوجود السوري في لبنان) في حديثه لـ “الشرق” أن قرار الاستقالة من وليد جنبلاط يأتي “تسهيلاً لمهمة جنبلاط الابن”.
وأضاف سعيّد أن “اختياره للتوقيت مهم في ظل المناوشات داخل البرلمان للتوافق على المرشح الرئاسي والواقع الإقليمي الجديد والذي لا بد لتيمور أن يقاربها من موقعه المسؤول وليس من موقعه المتكل على أب”.
“التغيير من الداخل”
وبشأن شعار “التغيير” الذي تنادي به غالبية الأحزاب السياسية اللبنانية، من دون أن تترجمه على أرض الواقع، أكد ظافر ناصر أن الحاجة والرغبة في التغيير باتت “أمراً واقعاً”، لافتاً إلى أن “الحزب لمس الرغبة في التغيير لدى الفئات اللبنانية في الانتخابات النيابية الأخيرة وتعامل معها بانفتاح”. وشدد على “ضرورة أن تتحمل الأحزاب السياسية اللبنانية مسؤولياتها الوطنية، ووضع أسس للتعاطي مع الأزمات”.
أما في ما يتعلق بتأثير خطوة جنبلاط في الوقت الحالي على وضع الحزب، خصوصاً بعد أن شهدت الأحزاب التقليدية تراجعاً في قدرتها على جذب الناخب اللبناني، في ظل صعود تيارات معارضة للطبقة السياسية الحاكمة، أكد ناصر “أن التغيير الحقيقي في لبنان يجب أن يكون أشمل من أي تغييرات على المستوى الداخلي للأحزاب”، مشدداً على “ضرورة أن يبدأ بتغيير النظام الطائفي القائم”. وقال إن “الحراك التغييري الذي شهده الواقع السياسي اللبناني في السنوات الأخيرة، لم يتمكن من إحداث أي فارق”، ملمحاً إلى أنه (الحراك) “ضم قوى تلقت دعماً من الخارج واستهدفت شخصيات وطنية عدة، من بينها وليد جنبلاط”.
“تراجع عام”
في هذا السياق، قال معوض، إن “الحزب تراجع على مستوى لبنان ولدى بعض الشرائح اللبنانية وانحصر في أماكن وجوده التاريخية” مشدداً على أن “النظام الطائفي في لبنان قمع الانفتاح الحزبي الكبير”.
وشدد معوض على “ضرورة أن تمارس الأحزاب ديموقراطية أكثر، وأن تسماح للشباب بالمشاركة خصوصاً وأن الحزب (الاشتراكي) واجه انتقادات من الفئات الشبابية في الفترة الأخيرة، وهو ما دفعنا للتوجه للنقد الذاتي والسعي للتجديد”.
بدوره، قال غضبان إن “العمل السياسي والحزبي في لبنان تراجع إلى حد كبير في المرحلة الأخيرة، حتى أن تجربة المجتمع المدني كانت باهتة وهذا دليل على ضمور العمل السياسي في البلد”، مشيراً إلى أن “استمرار الحيوية السياسية مرتبطة بمدى قدرة الأحزاب، باعتبارها قائمة على أطر منظمة، على الصمود واستقطاب الشباب وهي مسألة تختلف من حزب لآخر”.