بسطاء النفوس اعتقدوا بأنّ زمن «الوصاية السورية» انتهى، لكن واقع الأمر أنّ هذه الوصاية انتقلت من عنجر إلى حارة حريك، حتى في العهد الأول بعد الإنسحاب السوري، عهد الرئيس ميشال سليمان، كانت «وصاية» حارة حريك طاغية، فلا توزير الا بموافقة «حزب الله»، ولا تعيينات إلا بإعطائه الضوء الأخضر. على سبيل المثال لا الحصر، «عُرِض» على «الحزب» أكثر من إسمِ ضابط لتعيينه مديراً للمخابرات، رفضها جميعاً، حتى تلك التي كان يريدها رئيس الجمهورية وقائد الجيش، إلى أن وافق على الإسم الأخير، أما الآخرون الذين رفضهم «الحزب»، علماً أنهم كانوا الأكثر كفاءةً، فتوزعوا ملحقين عسكريين!
«إعلان بعبدا» الذي كان البيان الأكثر سيادية في عهد الرئيس ميشال سليمان، تسبّب في القطيعة بين «حزب الله» والرئيس سليمان، ووصل الأمر برئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد إلى التهكّم على الإعلان قائلاً: «يغلوه ويشربوا زوماتو».
بعد عهد الرئيس سليمان، اتخذ «حزب الله» قراره بالانتقال من وضع اليد «عملياً» على الدولة، إلى وضع اليد «رسمياً»: شغور في سدة الرئاسة سنتين ونصف السنة، لإيصال العماد ميشال عون إلى بعبدا، وكرّت سبحة وضع اليد: تعيينات، مقررات مجالس الوزراء، وحتى الموافقة المسبقة على جداول أعمال مجالس الوزراء، وإلى المعادلة المعلنة «شعب وجيش ومقاومة»، أضاف «حزب الله» معادلة غير معلنة وهي: «حق الفيتو»، لا يمر قرار إلا بموافقة «الحزب»، لا في مجلس النواب ولا في مجلس الوزراء، ولا في الادارات الكبرى.
هذا الواقع كانت الدول المؤثِّرة في لبنان، تراقبه بدقة، فاتخذت قراراتها تباعاً بالخروج من الرِمال المتحركة اللبنانية، ولسان حالها يقول: «وليُقلِع اللبنانيون أشواكهم بأيديهم، فلماذا نساعد دولة هي دولة «حزب الله» أو سقطت في يد «حزب الله»؟ اليوم، الوضع هنا؟ ومن هنا إلى أين؟ ما القرار؟ الدول العربية، ولا سيما الخليجية منها، تقول للسائلين، من لبنانيين وغير لبنانيين، حين يُسألون عن إمكان مساعدتهم للبنان: «لبنان واقع تحت سيطرة «حزب الله»، فهل تريدوننا أن نساعد «حزب الله»؟ وحين يأتي الجواب: «لا قدرة لنا على مواجهة «حزب الله»، يأتيهم الجواب المضاد: «ولماذا علينا نحن أن نواجه «حزب الله» بدلاً عنكم».
عملياً، هذه هي الدوامة الواقع فيها لبنان: الدولة تحت سيطرة «حزب الله»، وما لم يُطرَح الموضوع على هذا المستوى، فإنّ الطرح بأسلوب «التجزئة»، سيبقى قاصراً عن المعالجة المجدية، عنوان المعركة هو «حزب الله»، وأي حَرفٍ عن «مسار المعركة» ستبقى المعالجة قاصرة، فحتى لو انتُخِب رئيس وتشكلت حكومة وأعيد الإنتظام العام إلى الدولة، ولكن بقي سلاح «حزب الله»، فلا ينتظرنَّ أحد أي مساعدة من الخارج، فيبقى البلد في وضع المراوحة.
لا تضيعوا البوصلة، العنوان هو «حزب الله».