بينما تتجه الأنظار إلى يوميات غزة الدامية، والمحاولات المتكررة للوصول إلى اتفاق في شأن هدنة موقتة وتبادل الرهائن بين حركة “حماس” وإسرائيل، ثمة عمل جدي تعطيه وسائل الإعلام حيزاً أقل من أهميته، لكنه يفضي ربما إلى نتائج تتجاوز العلاجات الموضعية التي لا تحمل حلاً مستداماً للمشكلة التي فجرتها “حماس” في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
فبعد شهر على “طوفان الأقصى” عُقدت في الرياض القمة العربية والإسلامية المشتركة غير العادية، وكلفت لجنة من وزراء خارجية السعودية والأردن ومصر وقطر وتركيا وإندونيسيا ونيجيريا وفلسطين وأية دول أخرى مهتمة، بلورة تحرك دولي لوقف الحرب على غزة والضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جادة وحقيقية لتحقيق السلام الدائم والشامل وفق المرجعيات الدولية المعتمدة.
هذه اللجنة التي يترأسها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان تقوم بجولات دولية مهمة آخرها كان لقاؤها مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمسؤولين الكبار في إدارته. في الشكل أظهرت الصورة الفريقين العربي – الإسلامي والفرنسي جالسين إلى طاولة، مما يعني في الجوهر أن الاجتماع تضمن جدول أعمال بحث في التفاصيل ولم يكُن لعرض أفكار عامة.
بعد أربعة أيام نشرت مجلة “المجلة” اليوم الثلاثاء، ما سمّته مسودة وثيقة “الرؤية العربية” لحل المشكلة الفلسطينية، قدمت إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن. وهذه “الرؤية العربية” لا يمكن عزلها عن حراك اللجنة العربية – الإسلامية وإن لم تشِر إليها بالاسم. وتضمنت الوثيقة تفاصيل التفاصيل في مسألة القضية الفلسطينية وحددت إطار الحل الشامل بكل تشعباته، انطلاقاً من الوضع في غزة. من العناوين الرئيسة للوثيقة التي كتبت بالإنجليزية، تولي السلطة الوطنية الفلسطينية مهماتها السيادية الكاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، بدعم عربي ودولي، ونشر قوات حماية وحفظ سلام دولية في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية وقطاع غزة، بتفويض من قرار يصدر عن مجلس الأمن لضمان أمن دولتي فلسطين وإسرائيل، بالتزامن مع الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة.
كذلك طالبت “الرؤية العربية” واشنطن بتنفيذ حل الدولتين، استناداً إلى قرارات الأمم المتحدة ومبادرة السلام العربية بدءاً بالاعتراف الكامل بدولة فلسطين، وطالبت بعقد مؤتمر دولي للسلام بمشاركة مختلف الأطراف الإقليمية والدولية لحشد الدعم الدولي لتنفيذ حل الدولتين، على أن يطلق المؤتمر الدولي مساراً تفاوضياً “في شأن قضايا الوضع الدائم بين الجانبين، أي الحدود والأمن والقدس والمستوطنات واللاجئين والمياه، إضافة إلى الإفراج عن جميع الأسرى/ المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية”.
ووضعت الوثيقة مهلة زمنية “لاستكمال التفاوض على الاتفاقات ذات الصلة في غضون 180 يوماً”.
اللافت أن “الرؤية العربية” لم تتطرق إلى “حماس” ولم تقرّ لها بأي دور سياسي في الحل الشامل، وهذا العزل يشكل إدانة لـ”حماس”، ولا ينتظر أن تقف إيران حياله موقف المتفرج أو المسهّل، ومن المرجح أن تطلق العنان لأدواتها، خصوصاً في المنطقة.
على الضفة اللبنانية تبدو المحاولات الأميركية والفرنسية للإفراج عن انتخابات الرئاسة والتوصل إلى تنفيذ ولو مجتزأ للقرار 1701 في الجنوب، محاولات عبثية ومضيعة للوقت. وما تضمنته “الرؤية العربية” من تجاهل لـ”حماس” في فلسطين، لا يشي بمنح “حزب الله” مكاسب أو تنازلات في لبنان. وسيبقى الشعب اللبناني رهينة بين وحشية إسرائيلية وحزب لا يرف له جفن في هدم دولة لبنان، بينما المساعي العربية والدولية ناشطة في بناء “دولة فلسطين”.