الفوضى الممارسة اليوم في لبنان وكباحثين وحتى ناشطين سياسيين نلاحظها في كل إدارات الدولة اللبنانية وكل التجارب الفاشلة والماثلة أمامنا تؤكد صوابية حُكمنا على الأحداث… تجارب فاشلة في السياسة – الأمن – القضاء – الاقتصاد – التربية وإخفاقات مستمرّة وتترسّخ جذورها بدون وجود منظومة سياسية تُعيد الأمور إلى مكانتها سندًا للعلوم السياسية… وعلى ما يبدو هناك مسار فوضوي مقلق فعّال في كل إدارات الدولة، ويُصِّر على صياغة سياسة فوضى لضمان بقائه وحماية خياراته القاتلة بحق الشعب والوطن.
هذه السياسة الرعناء تنتشر في كل المحافظات والأقضية وهي عمليًا تستنفذ كل الطاقات والمؤسف أنها بموجب قانون إنتخاب فُصِّل على قياس طبقة سياسية فاسدة وصلت إلى الكثير من المواقع في الدولة ومنها القضائية والسياسية والأمنية والمالية… إضافة إلى أنّ هذه المنظومة الفاسدة أوصلت جزء كبير من الرأي العام إلى تضليل متعمّد وممنهج، وخلاصة الأمر إنّ الأوضاع لم تعُد تحتمل وإنّ الخيارات باتتْ محصورة بالخيارات المُرّة. وهناك خشية من قضم عمل الرأي العام الحر النخبوي والذي سيحكمه اليأس إنْ بقيَتْ الأمور على ما هي عليه.
علم السياسة يعتبر أنّ السياسة الرعناء تتكوّن من فلسفة وآليات عمل سلبية عميقة وخسيسة الأهداف وهي تهدف إلى نشر الخداع والإنحراف والفساد بكل مندرجاته، وتعتمد هذه السياسة على أسلوب التشكيك في النوايا والأهداف وحتى التخوين أو ما بات جاهزاً «الإتهام بالعمالة»، كما عرقلة محاسبة الجناة والذين يقصّرون في أدائهم السياسي وعنيت «ساسة لبنان مسيحيين ومُسلمين». إنّ التمادي في هذه السياسة يُنتج فوضى سياسية عارمة وتهدِّد الإستقرار العام وتمنع تنفيذ القواعد القانونية وغالبًا ما تُقترن بإذلال المواطنين وإخضاعهم للطاعة العمياء.
على ما يبدو إنّ النظام اللبناني اللاشرعي يعتمد على الفوضى لإدارة شؤون البلاد وتمرير مصالح خارج أوجده رغماً عن إرادة الشعب اللبناني، وقد أحكم هذا النظام الذي يعتمد سياسة رعناء فوضوية زمام الأمور في كل مفاصل الدولة ، حيث عطّل عمل القضاء على سبيل المثال في جريمة مرفأ بيروت وتكيّف مع الأمر الواقع كل قادة الرأي روحيين وزمنيين، كما إستحدث هذا النظام تنظيمات ميليشياوية ذو صناعة إقليمية – دولية يستخدمها غُبّ الطلب على الساحة اللبنانية ويُعطّل عمل القوات المُسلّحة الشرعية عمداً وبالتنسيق والتوافق مع الكتل النيابية الموجودة في المجلس النيابي والتي من المفترض أنْ تُطبِّق قانون الدفاع الوطني الذي يُجيز للقوات المُسلّحة الشرعية مهام الدفاع عن الوطن، كما إنتشار البؤر الأمنية في كل المناطق اللبنانية الإستراتيجية، وغالباً ما نسمع عبر وسائل الإعلام بـ«المناطق المحظورة، أو منطقة عسكرية» يمنع الإقتراب منها… ولستُ بحاجة لتذكير القُرّاء الكرام بحادثة النقيب الطيّار سامر حنّا، وما رافقها من تصاريح أتتْ على لسان كبار القوم في السياسة، إضافة إلى حادثة بشرّي – الضنية التي لم تُعرف ملابساتها والتي شابها الغموض في التوقيت والظرف والمكان…
دُعينا إلى ندوة تحت عنوان «آلية ضبط السياسة الداخلية» وكانت الندوة من أهم اللقاءات التي حصلت في النصف الثاني من هذا العام حيث شارك فيها خبراء في السياسة والأمن والقضاء والمال والإقتصاد، وساد التفاؤل بشأن إمكانية إنتعاش الدول المتعثرّة سياسياً وأمنياً وإقتصادياً ومالياً وإجتماعياً… وبإختصار كان الهدف ينصب على مبادئ السياسات اللازمة لحماية الدول من مخاطر التطورات السلبية وتعزيز الإستقرار والنمّو في كل دولة يشوبها واقع أمني – سياسي – قضائي – مالي، متعثِّر. إنّ الواقع السياسي السليم والذي هو نقيض السياسة الرعناء يحتاج إلى تنفيذ سياسات مدروسة للوقاية من مخاطر تطورات سلبية قد تطرأ على هذه الدول.
إزاء ما حصل في بشرّي – الضنيّة، أوّد لفت القُرّاء الكرام وإستناداً للحادثة المشؤومة وللتاريخ قد أصدرت «هيئة الحفاظ على البيئة – بشرّي» والحركة البيئية التي تضم حوالي ستّين جمعية دراسة لحماية منطقة هضبة المكمل القرنة السوداء بصورة دائمة ونهائية كونها منطقة حسّاسة وبالتالي إنتهاء أي مشاكل عليها… وهكذا سيتمكّن الجميع ومن دون إستثناء من الإستفادة من ثروات هذه المنطقة بطريقة سلميّة مستدامة تأخــذ بعين الإعتبار إحترام الطبيعة.
هل يعلم ساسة لبنان والذين يمتهنون سياسة رعناء أنتجتْ الفوضى والقتل أنّ السلام هو أحد أهم المصالح الضرورية لإستمرارية الحياة في أي مجتمع حتى يسود الأمن والإستقرار بطريقة مستقرّة… إنّ ما يحصل جرّاء هذه السياسة الرعناء يوّصف بجريمة ذات طابع جنائي… لذلك ومن باب تطبيق القانون علينا الإستفادة من الإتفاقات الدولية في مجال القانون الدولي العام والتعاون الدولي في المسائل الجنائية لمنع حصول حوادث مماثلة وهدفنا حماية القيم والمصالح التي تقوم مبادئها على صيغة العيش المشترك.