يتضاءل التفاؤل بنجاح برلمان لبنان في انتخاب رئيس جديد للبلاد، رغم تقدم الوزير السابق جهاد أزعور إثر توافق المعارضة والتيار الوطني الحر وبعض المستقلين على ترشيحه.
وعادت قضية انتخاب الرئيس مرة أخرى إلى الواجهة، مع دعوة رئيس البرلمان نبيه بري لجلسة جديدة، الأربعاء المقبل، لانتخاب الرئيس بعد توقف دام أشهراً من منطلق أنه لا يريد استمرار الجلسات “المهزلة” على شاكلة 11 جلسة عقدت سابقاً ولم تستكمل، ووصفها بري نفسه بأنها “مسرحية فاشلة” بعد تعمد حلفائه إفقاد الجلسة نصابها في الجولة الثانية من كل جلسة.
وتتابع مصادر دبلوماسية غربية في بيروت بجدية الأرقام التي يمكن أن يحصل عليها المرشحان الأساسيان، أزعور والنائب السابق سليمان فرنجية.
وخلصت المصادر إلى أن أي من الطرفين لن يحصل على الأكثرية المطلوبة المكونة من 65 نائباً، وبالتالي فإن أي طرف منهما قادر على تعطيل الدورة الثانية التي تحتاج إلى نصاب 86 نائباً.
وينص الدستور اللبناني على ضرورة حضور نصاب من 86 نائباً من أجل التصويت للرئيس، على أن ينال 65 صوتاً ليُعتبر رابحاً من الدورة الأولى، وبالأكثرية المطلقة في الدورة الثانية.
وتستنج المصادر أن سيناريو الجلسة المقبلة سيكون “فشلاً جديداً” في انتخاب أي من المرشحين، وبالتالي ضرورة اقتناع الجميع بالذهاب إلى مرشح ثالث “قد يحتاج تعديلاً دستورياً” في إشارة واضحة إلى قائد الجيش العماد جوزيف عون، أو إلى أي مرشح آخر يتم التوافق عليه.
“مواجهة طائفية”
وتخفي المعادلة القائمة “مواجهة طائفية” غير معلنة بين المسيحيين والشيعة، فانتخاب أزعور من دون حصوله على صوت شيعي واحد قد يشكل سابقة إذا حصل، كما أن انتخاب فرنجية رغم معارضة القوى المسيحية السياسية الرئيسية (القوات اللبنانية والتيار وحزب الكتائب) من شأنه أن يشكل أزمة داخلية مستقبلية.
ويؤكد النائب في “التيار الحر” جورج عطالله الالتزام بالاقتراع للمرشح جهاد أزعور. ويقول لـ”الشرق” إن هذا الموقف انطلق من التقاطع الذي حصل بين التيار وكتل الكتائب والقوات وبعض المستقلين والتغييريين (قوى التغيير)، ونبه إلى أنه “من المنتظر أن يكون الحزب التقدمي الاشتراكي أيضاً في نفس التوجه”.
ويضيف: “نحن متجهون إلى جلسة الانتخاب، الأربعاء المقبل، وهذا موقفنا. أما إذا أراد البعض تطيير نصاب الجلسة فأحب أن أذكرهم أننا في أزمة حكم إلى جانب الوضع الاقتصادي، من هنا مطالبة الجميع للتواضع وأن نكون معاً لانتخاب رئيس للجمهورية”.
وينتقد عطالله بشدة موقف الثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله) “الذي يعتبر أن كل منافس لفرنجية هو مرشح تحدي”، قائلاً: “نحن لا نريد هذه اللغة التعطيلية، لا يجوز أن كل اسم يطرح يعتبر تحدياً”.
ووسط هذه التعقيدات جاءت الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس السابق ميشال عون إلى دمشق، حليفة فرنجية وحزب الله، والتي رأت أوساط حلفائها في بيروت أنها “محاولة لسحب الدعم عن فرنجية وطرح أسماء جديدة”.
لكن عطالله يؤكد أنه لا يعتبر أن لهذه الزيارة علاقة بملف الرئاسة، مرجعاً السبب إلى أن “هذا شأن لبناني داخلي، والمطلوب من الدول الصديقة ألا تكون معرقلة وأن تحترم ما يقرره اللبنانيون”.
وشدد على أن “الموضوع الأهم الذي يحمله الرئيس عون هو موضوع النازحين السوريين وإعادتهم الى بلدهم، وإعادة فتح قنوات حقيقية لحوار جدي بين اللبنانيين والسوريين، وتنظيم العلاقة لكي يكون لبنان شريكاً في إعادة إعمار سوريا”.
“رهانات كثيرة”
في المقابل، رفض عضو كتلة التنمية و التحرير التي ينتمي إليها بري، النائب قاسم هاشم التعليق على إمكانية الذهاب إلى تطيير النصاب في الجلسة الثانية، في حال حصل المرشح جهاد أزعور على 65 صوتاً.
وقال هاشم إن “التحليلات والرهانات كثيرة”، مستدركاً: “لكنّنا سنتخذ الموقف قبل الجلسة بما ينسجم مع مقاربتنا للاستحقاق ورؤيتنا”.
وأضاف هاشم: “حتى الآن ليس هناك من قرار ولكن من حقنا أن نستخدم كل ما تسمح به اللعبة البرلمانية الديمقراطية، كما يحق للآخرين ذلك. ونحن سمعنا منذ فترة أن هناك فريقاً يحاول أن يضع الأمور في نصاب مصلحته والتعاطي مع الجلسة من هذا المنطلق سواء بالتعطيل أو غيره”.
وفي حال أعلن “الثنائي الشيعي” تمسكهما بمرشحهما سليمان فرنجية، رأى هاشم أن هذه “مسألة مبدأ بالنسبة إليهما”، وأنه “سيتم دراسة موضوع وضع اسم فرنجية في هذه الجلسة أو الورقة البيضاء، وعلى أساسه سيتم اتخاذ القرار”.
تضعضع قوى التغيير
من جهة أخرى، يبرز تضعضع قوى التغيير مجدداً كعادته عند كل استحقاق، حيث ذهب قسم من هؤلاء علناً إلى تأييد أزعور، فيما قرر آخرون الوقوف على الحياد.
ويؤكد النائب المستقل عبد الرحمن البزري أنه سيشارك في الجلسة التي دعا إليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري لانتخاب رئيس للجمهورية، الأربعاء المقبل، مشيراً إلى أنه يرفض الاصطفافات والتموضع بين الفريقين.
وقال البرزي: “أنا لا أدعم مرشحاً على حساب آخر، ولن أصوت بورقة بيضاء”، كاشفاً أنه على اتصال مع بعض نواب قوى التغيير والمستقلين بهدف الاتفاق على اسم مرشح ثالث يمتلك المواصفات والصفات التي تجعله قادراً على أن يجذب من الاستقطابات الموجودة.
وتابع: “لذلك نحاول أن نخرج بشخص قادر على سحب بعض مكونات الاصطفاف إلى الوسط، ونترك الاسم المطروح (لرجل أو سيدة) للنقاش”.
ورأى البزري أنه “إذا تمكن أي مرشح من الحصول على 65 صوتاً في الجولة الأولى فهناك شبه استحالة ألا تكون هناك جولة ثانية سريعة”، واستدرك: “لكن إذا استطاع مرشح كسر عتبة الـ 65 صوتاً سيعني ذلك أن هناك أكثرية نيابية تصطف حوله وبالتالي هذا حقه، وسنتعامل مع أي رئيس جمهورية بكل إيجابية”.