عندما أطلق مسلحون متطرفون النار داخل قاعة حفلات في موسكو، في مارس الماضي، دقت وكالات الاستخبارات الغربية ناقوس الخطر بشأن احتمالية عودة الإرهاب إلى المسرح العالمي.
وتساهم الحرب التي تخوضها إسرائيل في قطاع غزة في دفع جيل جديد إلى حافة التطرف في ظل محاولات الجماعات الإرهابية تصيد الشباب الغاضب من مشاهد الموت في الفضاء الاقتراضي، وفقا لتقرير جديد لمجلة “الإيكونوميست” البريطانية.
وذكرت المجلة أن تنظيم القاعدة الإرهابي “يحاول استغلال الغضب من معاناة الفلسطينيين” عبر الإنترنت من خلال توزيع المنشورات ومقاطع الفيديو الرامية لتجنيد الشباب بلغات مختلفة.
ويرى خبراء، بما في ذلك الخبير الاستراتيجي المتخصص في مكافحة الإرهاب، اللواء متقاعد محمد عبدالواحد، أن “المناخ العالمي الحالي يساعد على التطرف”.
ونقلت “الإيكونوميست” عن كريستين أبي زيد، مديرة المركز الوطني الأميركي لمكافحة الإرهاب، وهو المركز الاستخباراتي الرئيسي المعني بالإرهاب والتطرف، قولها إن الجماعات الإرهابية الجديدة “من المحتمل أن تتشكل بينما نتحدث الآن”.
وفي هذا الإطار، قال عبدالواحد لموقع “الحرة” إن “حرب غزة تحفز الجماعات الإرهابية لتجنيد الشباب بأعداد كبيرة”، لا سيما أولئك المحبطون بسبب البطالة والظروف الاقتصادية مما يجعلهم في متناول أيدي تلك الجماعات.
وأوضح أن الجماعات الإرهابية تستغل مشاهد الموت والدمار والقصف في قطاع غزة لتجنيد الشباب الغاضب، مضيفا: “إذا كانت الحرب حركت مشاعر الشعوب العادية، فما بالك بالذين يملكون أفكارا متشددة”.
وهنا، شدد اللواء عبدالواحد على ضرورة التمييز بين من يملك أفكارا متشددة ومن لديه القابلية لممارسة العنف، مشيرا إلى أن من يرتكب أعمال عنف إرهابية ليس بالضرورة أن يملك فكرا متطرفا والعكس صحيح.
“القضية الفلسطينية محرك رئيسي”
اندلعت الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023 بعد هجوم لحركة حماس، المصنفة على قائمة الإرهاب الأميركية، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص معظمهم من المدنيين وبينهم نساء وأطفال، بحسب السلطات الإسرائيلية.
وردت إسرائيل متعهدة بـ” القضاء على حماس” بهجوم جوي كاسح ترافق مع عمليات عسكرية برية مستمرة منذ 27 أكتوبر، أدت لمقتل أكثر من 34 ألف شخص معظمهم من النساء والأطفال، وفق وزارة الصحة في القطاع.
ولطالما كانت القضية الفلسطينية منذ عقود “محركا للجماعات الإرهابية لتجنيد أعداد كبيرة من الشباب”، في وقت تثير فيه حرب غزة المخاوف من صعود جديد للإرهاب على المسرح العالمي، حسبما ذكر عبدالواحد.
ورغم هزيمة تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا وضرب تنظيم القاعدة في مناطق مختلفة، فإنه مع ذلك، لا يزال المتطرفون يقاتلون، ويغذون حركات التمرد من مالي إلى الفلبين.
في الشهر الماضي، أعلن تنظيم داعش فرع خراسان الذي ينشط في أفغانستان، مسؤوليته عن هجوم إرهابي بإطلاق النار أعقبه حريق هائل في قاعة للحفلات الموسيقية بضواحي موسكو وخلّف ما لا يقل عن 133 قتيلا.
وقال الباحث البارز، هوغو ميشيرون، من جامعة “ساينسس بو” (Sciences Po) في باريس لمجلة “الإيكونوميست” إن “تنظيم داعش فرع خراسان يضرب حيث يرى فرصة”، لافتا إلى أن عدم وصوله إلى أوروبا يشير إلى إحباط عملياته.
وتعيش برلين وباريس حالة من التأهب بسبب استضافتها لبطولة الأمم الأوروبية لكرة القدم ودورة الألعاب الأولمبية الصيفية على التوالي خلال يوليو وأغسطس المقبلين.
وتشكل الأحداث الكبرى، بما في ذلك البطولات الرياضية “مسرحا مغريا” للعمليات الإرهابية، وفق ما ذكرت مجلة “الإيكونوميست”.
وقال الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية، جيل كيبيل، للمجلة البريطانية إنه “إذا كنت تستطيع أن تضرب موسكو، فيمكنك أن تفعل ذلك في باريس. يمكن أن تكون موسكو بمثابة تدريب لدورة الألعاب الأولمبية”.
ويشير عبدالواحد إلى “سهولة توظيف استخبارات دول كبيرة للعناصر الإرهابية لتنفيذ هجمات في أوروبا والدول الغربية تحديدا.
وقال إن “الغرب يملك مخاوف حقيقية من ظهور الجماعات الإرهابية مجددا، ولكن بطريقة الذئاب المنفردة”، مردفا أن الدول العربية أيضا ليست بمنأى عن الإرهاب.
وتابع قائلا: “القمع في الدول العربية ربما يؤدي إلى انفجار أيضا”.