ولا يخفي “حزب الله” دوره في تشجيع تلك التنظيمات وتأمين دعم وغطاء لتحركاتها على الأراضي اللبنانية، حيث يرى بعض الخبراء العسكريين أن الحزب لا يعول عليها في إطار الدعم العسكري، إنما يسعى إلى حشد أكبر عدد من التنظيمات المسلحة على جبهة الجنوب تحت عنوان مواجهة إسرائيل، بحثاً عن غطاء لدوره في الحرب للتغطية على صورته كأداة لإيران.
استعراض القوة
وباتت تلك التنظيمات تستغل أي مناسبة دينية أو سياسية لإظهار تشكيلاتها العسكرية عبر استعراضات في المدن والطرقات، حيث نفذت “قوات الفجر” التابعة لـ”الجماعة الإسلامية” بالشراكة مع تنظيمات فلسطينية استعراضاً على طريق بيروت – صيدا، أثناء نقل جثمان القيادي في “حماس” صالح العاروري لتشييعه في صيدا.
واعتبرت بعض الأوساط في مدينة صيدا أن هذه الاستعراضات تتجاوز مشهدية التشييع، إذ هي برأيها عبارة عن مشهدية لاستعراض القوة والتأكيد على قوة حضورهم وترهيب الآخرين وإسكاتهم، مشيرةً إلى أن تلك التنظيمات تستنسخ أسلوب “حزب الله” بتحويل نفسه إلى المرجعية الأساسية مستغلةً غياب الدولة وعدم اعتراضها على ظاهرة الانفلات الميليشياوي.
إلا أن رئيس المكتب السياسي لـ”الجماعة الإسلامية” علي أبو ياسين، أكد أن إعلان “قوات الفجر” عملياتها في جنوب لبنان “لا يعني التموضع في أي محور داخلي أو خارجي”، مشدداً على أن “قوات الفجر ستبذل كل ما تستطيع للقيام بواجبها تجاه أهلها وأرضها ووطنها ولأهل غزة”.
حرب أهلية
وفي السياق، اعتبر نائب رئيس “التيار الوطني الحر” ناجي الحايك، أن “ظاهرة بروز تنظيمات وميليشيات فلسطينية وغير فلسطينية، تنتشر على الأراضي اللبنانية بسلاح ثقيل وتعلن مسؤوليتها عن إطلاق صواريخ تجاه إسرائيل، هو أمر مرفوض تماماً يستوجب تحرك الدولة والجيش اللبناني لتوقيفهم وعدم تركهم ينتشرون ويتسببون بفتح الجبهة مع إسرائيل”.
وأكد أن هذه الظاهرة مؤشر خطير على فشل القوى الأمنية اللبنانية في حماية سيادة البلاد، منتقداً “حصر دور القوى الأمنية في المناطق المسيحية حيث يتم توقيف أي مواطن قد يحمل بندقية صيد في حين يسرح ويمرح مسلحون من جنسيات مختلفة بسلاحهم في مناطق أخرى”، متخوفاً من أن تجر تلك المظاهر لبنان إلى حرب أهلية كما حصل عام 1975 حين كانت مظاهر انتشار المسلحين الفلسطينيين تتفشى حتى وصلوا إلى صدام مع اللبنانيين.
تقويض المنطقة
من ناحيته، يرى الناشط السياسي المحامي أمين بشير، أن “إيران تسعى لتقويض قوة البحر ’السُنّي‘ في المنطقة عبر اختراقه من خلال الإخوان المسلمين واستغلال مشاعر التضامن مع القضية الفلسطينية”، مشيراً إلى أن هناك تقارباً أيديولوجياً بين مؤسسي مشروع “الإخوان” والمشروع الإيراني في المنطقة”.
ويرى بشير أن عملية “طوفان الأقصى” فرملت مسار اندفاع منطقة الشرق الأوسط نحو الاستقرار والازدهار الاقتصادي.
وأشار إلى أن “حزب الله” يسعى لإنشاء عشرات الميليشيات المسلحة والموالية له، في حين يعتمد أسلوباً آخر للسيطرة على المكونات الأخرى في البلاد من خلال توزيع المناصب السياسية على المقربين منه كأداة لجعل أي شخصية أو حزب يسعى للوصول إلى موقع معين، يدور في فلكه، لافتاً إلى أن هذا الأسلوب حوّل المواقع الأساسية في المؤسسات إلى مواقع صورية تنفذ أجندات “حزب الله”.
البيان الوزاري
من جانبه، يرى القيادي في حزب “القوات اللبنانية” ريشار قيومجيان، أن تلك التنظيمات تتذرّع بعبارة “حق اللبنانيين بتحرير أرضهم” الواردة في نص البيان الوزاري للحكومة، مؤكداً أن هذه العبارة لا تعطي الحق بإنشاء تنظيمات مسلحة لبنانية أو غير لبنانية، إلا أن “حزب الله أراد تفسيرها وفق مصالحه وحوّل نفسه إلى جهة شرعية تعطي التراخيص لتنظيمات مسلحة”.
وبرأيه، فإن نصوص القرار الدولي 1701 الذي وافقت عليه جميع الأطراف اللبنانية ومن ضمنهم “حزب الله” عام 2006، واضحة لناحية عدم وجود أي سلاح غير سلاح الجيش اللبناني وقوات حفظ السلام الدولية “يونيفيل” في منطقة جنوب الليطاني المحاذية للحدود الإسرائيلية، وبالتالي ما يجري هو خرق واضح للسيادة اللبنانية وللقوانين الدولية.
“إيران لاند”
ويخشى اللبنانيون أن تحول إيران باسم “التضامن مع القدس” لبنان إلى أرض ميليشيات تُستقدم من كل الجهات لشن هجمات ضد إسرائيل أو المصالح الغربية كما حصل قبيل الحرب الأهلية اللبنانية عندما تم تحويل لبنان إلى “فتح لاند” بعد أن أقفلت جميع الدول المحيطة بإسرائيل حدودها أمام “الجهاد” الفلسطيني وبقي لبنان وحده في صلب الصراع.
وفي السياق، يؤكد رئيس “معهد الشرق الأوسط” في واشنطن بول سالم، أن تلك التنظيمات المستجدة تتحرّك بغطاء من “حزب الله”، والذي يسمح لها بشن عمليات بين الحين والآخر لكسب تأييد شعبي من جهة عبر التنظيمات ولرفع المسؤولية عنه في بعض العمليات والمساومة من جهة أخرى.
ويعتبر أن قرار فتح جبهة جنوب لبنان ليس بيد أي جهة لبنانية أو فلسطينية، إنما بيد إيران وإسرائيل، وما يحصل يؤشر إلى أنهما يتخطيان تدريجاً قواعد الاشتباك المتّفق عليها، وهذا بحد ذاته يشير إلى تصاعد التوتر إلى حدود مقلقة، مذكراً أن إيران و”حزب الله” هددا على لسان أكثر من مسؤول بأن “القرار الاستراتيجي” بفتح جبهة جنوب لبنان سيُتّخذ عندما تبدأ إسرائيل بالاجتياح البرّي لقطاع غزة، وموضحاً أن عنصر المفاجأة يبقى سيّد الموقف من قبل إسرائيل إذ ما قررت شنّ عملية استباقية مفاجئة ضد الحزب.
التنسيق حتمي
من جانبها، اعتبرت مصادر مقربة من “حزب الله” أن من حق جميع اللبنانيين مقاومة إسرائيل وأن البيان الوزاري للحكومة اللبنانية يشرع عمل المقاومة، نافياً أن يكون للحزب أي دور في دفع مجموعات سياسية لبنانية أو فلسطينية لإنشاء تنظيمات عسكرية نصرة لغزة، معتبراً أن تلك المجموعات منسجمة مع نفسها ومؤمنة بالقضية الفلسطينية.
وكشف أن تلك الفصائل تنسق مع “حزب الله” ميدانياً وليس سياسياً أو عقائدياً، إذ لا علاقة للحزب بتسليحها وتمويلها، إنما ضرورات الميدان وفعالية العمل “المقاوم” يحتم التنسيق، مشدداً على أن “جميع تلك التنظيمات هدفها تحرير لبنان ونصرة غزة وليس هناك أي هدف آخر محلي أو إقليمي”.
دعم إيراني
وشكل التبني الصريح للعمليات من قبل فصائل فلسطينية تتلقى دعماً إيرانياً مباشراً وتنسق مع “حزب الله” وفق تقارير دولية ومحلية، سابقة لم يشهدها لبنان منذ سنوات طويلة، أعادت إلى الأذهان مخاوف واعتراضات لبنانية على ظهور “فتح لاند” أخرى بما تعنيه من انتهاك للسيادة اللبنانية، يضاف إليه مصادرة “حزب الله” أساساً لقراري الحرب والسلم متجاوزاً إرادة السلطات الدستورية المنتخبة.
وفي هذا الإطار، يؤكد النائب مارك ضو، أن ما يحصل كله بتنسيق كامل وتحت مظلة “حزب الله” لتحريك الجبهة الجنوبية وتوجيه رسائل من خلال إشراك فصائل فلسطينية في المواجهة”، متهماً الحزب بتكريس “إيران لاند” مرة أخرى عبر القيام بعمل عسكري من دون التنسيق مع القيادة اللبنانية السياسية والجيش اللبناني، بما يختلف والأجندة الوطنية اللبنانية.