عمقت أحدث المؤشرات حول ارتفاع التضخم في لبنان القلق من خروج الأوضاع عن السيطرة بشكل أكبر، مما يوسع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية وخاصة الفقيرة، التي لا تزال تترقب حدوث اختراق في جدار الأزمة المالية الخانقة.
وتسارعت وتيرة أسعار الاستهلاك في الشهر الماضي مدفوعة بزيادة أسعار الغذاء وتكاليف الطاقة لتبلغ مستويات قياسية، ولتستمر في الضغط أكثر على المواطنين الذين يكابدون لتوفير مستلزماتهم اليومية منذ تفجر الأزمة الاقتصادية أواخر 2019.
وواصل التضخم قفزاته بشكل مقلق ليسجل المؤشر ارتفاعا في سبتمبر الماضي بمقدار 1.4 في المئة عن الشهر السابق، وفق بيانات نشرتها إدارة الإحصاء المركزي الاثنين.
وأشارت إدارة الإحصاء في بيان نشرته وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية إلى أن مؤشّر أسعار الاستهلاك لشهر سبتمبر بلغ 208.5 في المئة على أساس سنوي.
وحل لبنان خلال العام الماضي في المركز الثاني عالميا على مؤشر البنك الدولي لتضخم أسعار الغذاء بنسبة 240 في المئة بعد زيمبابوي بنسبة 353 في المئة.
ويرجع خبراء اتخاذ الأسعار مسارا صعوديا إلى المشاكل الداخلية المتعلقة بشح الدولار، وإلى أزمات خارجية أيضا لعل أبرزها تداعيات الحرب في أوكرانيا على الاقتصاد العالمي مما زاد تكاليف الشحن والإنتاج.
ويرى البعض أن المعدل الفعلي للتضخم الذي تعلنه الحكومة غير دقيق وقد يكون أكبر من ذلك بكثير لأن مجموعة واسعة من السلع، وأغلبها مدعومة مثل الأدوية، تقتصر تجارتها على السوق السوداء بفعل نقص المنتجات واحتكارها من قبل اللوبيات والتجار.
كمأ أن تكاليف النقل بفعل الزيادات المتواترة في أسعار الوقود ارتفعت بشكل كبير إلى درجة أنها باتت حكرا على عدد قليل من الناس، مما يجعل الفجوة تتسع بين الطبقة الفقيرة، التي انضمت إليها الطبقة المتوسطة، وطبقة الأثرياء.
ويشهد لبنان المثقل بالديون ارتفاعا حادا في غلاء المعيشة منذ أن بدأت الأزمة الاقتصادية والمالية في أكتوبر عام 2019، والتي يصفها المحللون بأنها الأسوأ منذ عقود، وتقدر الأمم المتحدة أن قرابة 40 في المئة من السكان يعيشون في حالة فقر مدقع.
وفي محاولة للإفلات من براثن الأزمة توصلت بيروت مع فريق من خبراء صندوق النقد الدولي منذ أبريل 2022 إلى اتفاق للاستفادة من تسهيل ائتماني يعادل 3 مليارات دولار، لكنّ الاتفاق لم يصل إلى حيز التنفيذ نظرا لعدم تنفيذ اللبنانيين الإصلاحات المطلوبة.
وكان صندوق النقد قد أكد مرارا أن لبنان لم يقدم الإصلاحات العاجلة لمواجهة الظروف المالية الصعبة في ظل افتقار الحكومة إلى القدرة على اتخاذ قرارات صعبة ولكنها حاسمة.
وأشار إلى أن التأخر يترك البلاد في مواجهة قطاع مصرفي ضعيف وخدمات عامة غير كافية وتدهور البنية التحتية وتفاقم ظروف الفقر والبطالة واتساع فجوة الدخل.
وعمليا تسببت الأزمة في هبوط تاريخي في قيمة العملة المحلية الليرة مقابل الدولار، وتراجع حاد في احتياطي مصرف لبنان المركزي، فيما فرضت البنوك قيودا قاسية على الودائع بالعملات الأجنبية، كما وضعت سقوفا على السحب بالعملة المحلية.