فتحت مجموعة من البنوك اللبنانية جبهة ضغط جديدة على الحكومة من أجل الإسراع في تسوية نزاعاتها مع المودعين، والتي تشتد يوميا مع غياب أيّ خطة ملموسة لحلها.
وقرر 11 بنكا الأربعاء التقدم بمذكرة ربط نزاع مع الدولة لإلزامها بسداد مستحقات مترتبة لمصرف لبنان المركزي بقيمة تبلغ 67.9 مليار دولار، لأنه مدين لهذه المؤسسات المصرفية.
وذكرت جمعية المصارف اللبنانية في بيان أوردته وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية أن هذه البنوك تريد من السلطات ضخ الأموال في البنك المركزي حتى تتمكّن من الإيفاء بالتزاماتها مع المودعين.
ولفت البيان إلى أن “المذكرة ارتكزت في حيثياتها على ميزانيات مصرف لبنان، وعلى نتائج التدقيق الجنائي الذي أصدرته ألفاريز آند مارسال، وعلى التدقيق المحاسبي الذي أصدرته أوليفر وايمن، بناء على طلب من الدولة اللبنانية”.
وتملك البنوك العاملة بالسوق المحلية أكثر من 70 في المئة من مجموع ودائع القطاع المصرفي لدى البنك المركزي.
والبنوك التي تعتزم مقاضاة الدولة تشمل البنك اللبناني السويسري والبنك اللبناني الفرنسي وبنك الاعتماد اللبناني وبنك البحر المتوسط، وبنك بيبلوس وبنك بيروت وبنك بيروت والبلاد العربية وبنك عوده وبنك لبنان والمهجر وفرانس بنك وبنك سوسيتيه جنرال في لبنان.
وتتهم هذه البنوك، التي لديها مقاعد في مجلس إدارة جمعية المصارف، البنك المركزي بالامتناع عن إعادة الودائع بالعملات الأجنبية إليها لكي تردّها بدورها إلى المودعين.
وقال اتحاد المصارف في البيان “اتضح أن الدولة كانت، وخاصة على مدى الأحد عشر عاما بين سنتي 2010 و2021، قد استدانت من ودائع المودعين لدى البنوك وأنفقتها”.
وتؤكد البنوك أن الدولة لم تسدّد دينا بقيمة 16 مليار دولار، ولم تغط خسائر البنك المركزي بقيمة تقدر بنحو 51.3 مليار دولار، والتي احتسبها تقرير ألفاريز أند مارسال، فضلا عن عجز إضافي مترتب عن عامي 2021 و2022.
ويرى متابعون للشأن الاقتصادي اللبناني أن خطوة البنوك قد لا تأتي بنتائج تذكر مع بطء الإصلاحات، التي من المفترض أن تقوم بها الحكومة وخاصة مشروع قانون “كابيتال كونترول”.
كما أن استمرار المحاصصة الحزبية، وتنامي التوترات الإقليمية قد تكون حجر عثرة أمام تحقيق اختراق في جدار ملف الودائع بينما يتحول الاقتصاد إلى الدولرة بفعل انهيار الليرة.
ومنذ تفجر الأزمة في أواخر 2019 جمدت البنوك ودائع العملاء ومنعت تحويل النقود للخارج. ورفع مودعون دعاوى قانونية متهمين البنوك بالإهمال والاحتيال وسط مخاوف من تبدد مدخراتهم. لكن البنوك نفت ارتكاب أيّ مخالفات وأكدت مرارا أن الودائع في أمان.
وعمقت الإجراءات التي فرضتها السلطات لمكافحة الجائحة الأزمة القائمة في بلد يشهد فيه المودعون تهاوي قيمة مدخراتهم بسبب ارتفاع الأسعار وضعف العملة المحلية وفرض قيود وصلت في بعض الأحيان إلى السماح بسحب 100 دولار في الأسبوع فحسب.
وفرضت المصارف طيلة أشهر قيودا متصاعدة على سحب الأموال، حيث لا يمكن للزبائن في بعض المصارف سحب أكثر من 800 دولار شهريا.
وامتدت القيود بعد ذلك حتى على سحب الليرة التي يشكل فك ارتباطها بالدولار كابوسا للمسؤولين نظرا لكونها شريان الحياة بالنسبة إلى نشاط المصارف.
ولا يمكن لأصحاب الودائع بالدولار إجراء سحوبات نقدية إلا بتحويلها إلى الليرة وبسعر صرف أدنى بكثير من المتداول به في السوق السوداء.
وتراجع حجم الودائع في البنوك بنسبة 3 في المئة خلال عام 2022، وحوالي 76 في المئة من مجمل هذه الودائع هي بالدولار وتصل قيمتها إلى نحو 95 مليار دولار.
ومعظم هذه المبالغ غير متوفرة كسيولة نقدية مع تدني احتياط البنك المركزي من العملة الصعبة إلى ما دون العشرة مليارات دولار بعدما كان يفوق 36 مليار دولار قبل الأزمة.
وانضم البنك المركزي الشهر الماضي إلى ركب معركة استرداد الودائع المجمدة لدى القطاع المصرفي، وهو تحول يدل على مدى امتعاض السلطات النقدية في ظل عدم اكتراث السلطات بحل المشكلة بينما تشكو فيه الدولة من أسوأ أزمة مالية على الإطلاق.
وطالب القائم بأعمال حاكم المركزي وسيم منصوري السلطات السياسية بإيجاد حلول للأزمة الاقتصادية ومسألة حصول المودعين على أموالهم من البنوك.
واعتبر أن الحل الوحيد لمعالجة المواضيع التي تهم المودعين هو في وضع القوانين. وقال إن “المحاسبة ضرورية، ولكن لا حل من دون قوانين لمعالجة الوضع”.
وأضاف “هناك ثلاثية ذهبية للتعافي. تصحيح الاقتصاد، تصحيح قطاع المصارف وتصحيح أوضاع المودعين. وإذا لم نعمل على تنفيذ هذه الثلاثية معا لن نصل إلى نتيجة”.
ولفت حينها إلى أن على اللبنانيين جميعا رفض أن يلعب البنك المركزي دورا ليس من مهمته.
وكانت الحكومة قد وقّعت مع صندوق النقد الدولي اتفاقا أوليا في أبريل العام الماضي للحصول على تمويل بقيمة 3 مليارات دولار، ومنذ ذلك الحين لم تفعل بيروت شيئا يبرهن على أنها جادة في برنامج الإصلاح.