وكشف أحدث تقرير أصدرته وزارة الداخلية اللبنانية، إلى أن هناك 25 سجناً في لبنان، بينها 22 مناطقي وثلاثة مركزي في رومية وزحلة وطرابلس، في حين أن 57.5 في المئة من السجناء والموقوفين لبنانيون، و29.2 في المئة من السوريين، و13.3 في المئة من جنسيات أخرى.
وأضاف إلى أن مجموع عدد السجناء 6368، بينهم 1313 محكوماً، و5055 غير محكومين، ويوجد العدد الأكبر منهم في رومية (3467)، بينهم 1025 محكوماً، و2442 غير محكومين.
وأشار التقرير إلى وجود 34 طبيباً متخصصاً في السجون المركزية الثلاثة، و16 ممرضاً وممرضة، ولفت إلى توافر 165 نوعاً من الأدوية الضرورية، في حين هناك حاجة ماسّة لأدوية الأمراض المزمنة. أما عدد سيارات الإسعاف فيبلغ 25، بينها 7 جاهزة، و18 معطلة، أما سيارات النقل فعددها 85، منها 18 جاهزة و67 معطلة.
كذلك تحدث التقرير عن نقص في كمية المواد الغذائية، وتراجع نوعيتها، وحاجة المطابخ إلى إعادة تأهيل، ووجود نقص في مستلزمات النظافة الشخصية الأساسية، وبينها الملابس، ومشكلات في مكافحة الحشرات. وأعلن الحاجة أيضاً إلى خدمات ومعدات تنظيف، علماً أن ثمة مشكلات أخرى تشمل نقص أجهزة الرقابة وفحص الأمتعة والأشخاص وغيرها.
مقابر الأحياء
وفي السياق أكدت نائبة رئيس جمعية لجان أهالي الموقوفين رائدة الصلح، أن السجون باتت مقابر للأحياء، إذ “لا تمر لحظة عليهم إلا ويعتبرون أنفسهم أموات، فحالهم كأصحاب القبور قليل من يذكرهم”، مشيرة إلى أن القضاء شبه مستقيل من دوره وعشرات المحاكمات تؤجل لأجل غير مسمى، في ظل ظروف إنسانية قاهرة حيث “لا دواء ولا أطباء ولا ماء نظيفاً ولا وجبات غذائية صحية، ولا كميات كافية من الطعام للسجناء، ولا مواد وأدوات تنظيف واكتظاظ خانق فوق اختناقهم النفسي وتعبهم الجسدي والفكري”.
وكشفت أن عدداً كبيراً من السجناء يموتون بسبب انتشار الأمراض، ولا سيما الحساسية والجرب والأكزيما التي تفاقمت بتأثير غياب النظافة، وعدم تبديل أغطية الأسّرة، والرطوبة، وعدم وجود غرف طوارئ داخل المباني لعلاج المرضى حتى إنجاز الإجراءات الإدارية المطلوبة لنقلهم إلى مستشفى مركزي”، لافتة إلى أن “تسديد الفواتير الصحية والاستشفائية والدوائية بات في عهدة أهالي الموقوفين الذين يعانون بدورهم من الأزمة الاقتصادية، في حين لا تنفذ الوزارات المعنية أي دور، وتقلّص الجمعيات عملها بسبب الانهيار أيضاً، وهناك نقمة كبيرة على الدولة داخل السجون، ويزداد الشعور بالانتقام منها”.
ساحة للعنف والتمرد
أما رئيس جمعية عدل ورحمة الأب نجيب بعقليني، وصف واقع السجون في لبنان “بساحة ومساحة للعنف والتمرد في صراع على البقاء، موضحاً أنّ الظروف الحياتية الصعبة في لبنان خلال السنوات الأخيرة أثّرت بشكل مباشر على واقع السجون، وقال إن “الأسوأ هو أنّ النزلاء لا يخضعون للمحاكمة، وإهمال موضوع التأهيل لإعادة دمج السجناء في المجتمع يؤثّر بشكل كبير على صحة السجين النفسية”.
ورأى وجوب أن توكل مهمة إدارة السجون إلى وزارة العدل بدلاً من وزارة الداخلية وفقاً لمرسوم صدر في عام 1968 ولم يطبق لغاية اليوم، متأسفاً كون “العقل العسكري يتعاطى مع السجين بعنف”.
تخريج مجرمين
بدوره، أكد المحامي المتخصص بقضايا حقوق السجناء محمد صبلوح، أنّ السجون في لبنان تُعدّ مركزاً لتخريج المجرمين وليست بمثابة مركز للإصلاح والتأهيل، وقال “بات من الصعب تأمين الغذاء للنزلاء، فضلاً عن أننا نتسوّل لتأمين الخدمات الاستشفائية للمساجين، كاشفاً عن حصول 23 وفاة خلال سنة واحدة داخل سجن رومية معظمها نتيجة الإهمال الطبي”، وأضاف بأنه وفق إحصائيات منظمة العفو الدولية هناك أكثر من 34 سجيناً في مختلف السجون اللبنانية غالبيتهم قضوا بسبب الإهمال الطبي، في حين لم يفتح تحقيق بأسباب تلك الوفيات.
وتحدث عن إحدى الحالات الموجعة بقي فيها سجين ثلاثة أشهر ينتظر إجراء عملية قلب مفتوح بعد أن جمع مبلغ 7500 دولار، علماً أن طبابة السجين تقع على عاتق الدولة اللبنانية، وعندما جمع المبلغ توفي قبل وصوله إلى المستشفى.
التوقيف الاحتياطي
واعتبر عضو لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عقيص، أنّ إصلاح السجون في لبنان هو أولاً إصلاح قضائي، لأن نزلاء السجون ينفّذون قرارات قضائية وهو أيضاً إصلاح للإدارة السجنية، ولفت إلى أنه “في الدول المتقدمة يتوقّف المجرم احتياطياً في مركز أو في نظارة تابعة للمحكمة التي يحاكم فيها، وبالتالي لا تعود هناك مشكلة سَوق موقوفين، كاشفاً أنّ لبنان يُعدُّ من أكثر الدول التي يجري فيها سوق موقوفين في العالم”.
وانتقد عدم التزام الكثير من قضاة التحقيق بنصّ المادة 107 من أصول المحاكمات، والتوقف عن التوقيف الاحتياطي بشكل اعتباطي، والتقيد بالمهل المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية كون هناك مدة قصوى للتوقيف الاحتياطي، وأن ينجزوا كذلك الملفات بطريقة سريعة ويقرروا إما الإحالة إلى المحاكمة أمام محاكم الجنايات أو القضاة المنفردين بحسب طبيعة الجرم أو كفّ التعقبات وإخلاء السبيل، عندها يكون المدخل الأول لحلّ مسألة اكتظاظ السجون.
وكشف أنّ “نسبة الموقوفين احتياطياً في أي سجن لا يجب أن تتخطى الـ 25 في المئة، بينما تصل في السجون اللبنانية لحدود الـ 50 في المئة، وقال “على القضاء أن يُحسن إدارة الملف الجزائي وأن يتوافر العدد الكافي من القضاة في كل محافظة، فضلاً عن أن تكون أمكنة التوقيف الاحتياطي أثناء التحقيق الاستنطاقي في أماكن قصور العدل، وبعد أن يُحكم عليه يذهب إلى السجن أو يُفرج عنه”.
وفي ما خصّ الإدارة السجنية، قال عقيص إن “قوى الأمن الداخلي لا تستطيع رسم سياسات لإدارة السجون وأماكن الإصلاح، ولا يجب أن تكون هذه مَهمَتها أصلاً، بل مَهمة وزارة العدل”، مضيفاً أن وزارة الداخلية هي معنية بحماية المنشآت وحفظ الأمن فيها عند الاقتضاء، لكن إدارة السجن من داخله ونظافته وتأمين الطعام للنزلاء وجلسات الإصلاح وغيرها هي من مسؤوليات غير قوى الأمن الداخلي.
انهيار النظام الصحي
من ناحيته، لفت رئيس لجنة حقوق الإنسان النيابية النائب ميشال موسى، إلى أن السجون اللبنانية باتت تعاني من واقع سيئ نتيجة الاكتظاظ غير المسبوق، فضلاً عن تداعيات الأزمة الاقتصادية وما رافقها من انهيار طاول مختلف القطاعات الحيوية في مفاصل الدولة، ضمنها انهيار النظام الصحي الذي أثّر بشكل كبير على نزلاء السجون في لبنان.
وشدّد على ضرورة أن يشكّل هذا الملف أولوية لدى مجلس الوزراء والوزارات المعنية فيه، مطالباً بوضع خطط واستراتيجيات نقاطها الأساسية بناء سجون جديدة لتخفيف الاكتظاظ وتسريع المحاكمات، وأضاف “أن تصل نسبة المساجين غير المحكومين إلى ما فوق الـ 82 في المئة هذا أمر غير مقبول، وبالتالي يجب تسريع المحاكمات وتخفيف التوقيف الاحتياطي”.
إصلاح وتأهيل
من جهته، أوضح رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي العقيد جوزيف مسلّم، إلى أنّ “إدارة السجون في العالم هي من أصعب المهام التي تقوم بها أي دولة، وهي حلقة من حلقات العدالة والأمن للمجتمع، وبالتالي مسؤولية المجتمع والدولة هي مسؤولية أساسية مشتركة لتحويل السجن إلى مركز إصلاح وتأهيل، وليس إلى زنزانة”، مشدداً على ضرورة أن “يكون السجن مدرسة ومستشفى ومعهداً تدريبياً”.
وكشف أنّ سجن رومية يتسع لـ 1050 سجيناً ويوجد فيه حالياً 3700 سجين ويتغير هذا الرقم يومياً، مبيّناً أنّ “الوضع الاستشفائي للسجناء كارثي ولا شك أن هناك مساعدات من منظمة الصحة الدولية والصليب الأحمر الدولي لجهة الأمور التقنية والمادية لكن السجون بحاجة أكثر من هذا بكثير لناحية تعزيز المستوصفات وغيرها”.
غياب التحقيقات
وتنديداً بانتهاك حقوق الإنسان وتضاعف عدد الوفيات في السجون اللبنانية، دعت منظمة العفو الدولية السلطات اللبنانية لإعطاء الأولوية لصحة السجناء، وطالبت السلطات القضائية بإجراء تحقيقات سريعة ونزيهة وفعالة في كافة حالات الوفيات في الحجز لتحديد مدى إسهام سوء تصرف موظفي السجن أو إهمالهم في حدوث هذه الوفيات.
وأضافت أنه ينبغي للسلطات التحقيق في مدى ارتباط الزيادة الحادة في الوفيات بعوامل بنيوية، مثل الاكتظاظ وقلة الموارد الوافية والإفلات من العقاب على المعاملة السيئة، وهي عوامل تفاقمت جميعها بفعل الأزمة الاقتصادية، التي يعيشها لبنان منذ عام 2018.
وشدد بيان “العفو الدولية” على أن الأزمة الاقتصادية ليست عذراً تسوقه سلطات السجن من أجل حرمان السجناء من الحصول على الأدوية، أو إلقاء كلفة الاستشفاء على كاهل عائلات السجناء، أو تأخير نقل السجناء إلى المستشفيات.