تعزز إشارة رئيس مجلس النواب نبيه بري بأن رئيس تيار المردة سليمان فرنجية هو المرشح الوحيد لرئاسة الجمهورية، مخاوف المعارضة اللبنانية من صفقة مقايضة يجري طرحها خلف الكواليس، وتقضي بالتزام حزب الله بالقرار الأممي 1701، في مقابل تمكين الحزب الموالي لإيران من مكاسب سياسية من بينها رئاسة الجمهورية.
ونقلت أوساط إعلامية مقربة من زعيم حركة أمل عنه قوله إنه ليس هناك سوى مرشح واحد الآن هو رئيس تيار المردة، فـ“الباقون إما لم يعودوا موجودين أو لا يريدون الترشح”. وأضاف بري حليف حزب الله “الآن أمامنا مرشح هو سليمان فرنجية. إذا كانوا موافقين على ترشحه، أدعو إلى جلسة وليذهبوا إليها”.
ويشهد لبنان فراغا رئاسيا منذ انتهاء ولاية ميشال عون في أكتوبر 2022، وقد فشلت إثنتا عشرة محاولة لانتخاب رئيس للبلاد على مدار العام الماضي، في ظل إصرار الثنائي الشيعي الممثل في حزب الله وحركة أمل على تمرير مرشحهم فرنجية، في مقابل رفض قاطع من المعارضة اللبنانية.
وقبل اندلاع أحداث غزة في السابع من أكتوبر الماضي، وما استتبعها من تصعيد امتدت شرارته إلى جنوب لبنان، كانت هناك حركة دبلوماسية غربية وإقليمية نشطة لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء اللبنانيين من أجل اختيار مرشح توافقي، حيث كان المطروح قائد الجيش الحالي العماد جوزيف عون.
وقد أبدى حزب الله كما حركة أمل استعدادا لإمكانية القبول بعون، في ظل إدراكهم باستحالة إيصال مرشحهم للمنصب، لكن الوضع تغير بحرب غزة، حيث اعتقد الثنائي أن الفرصة مواتية لإعادة خلط الأوراق، وإحياء فرص فرنجية، عبر مقايضة شاملة.
وقد تواترت في الأيام الأخيرة زيارات لموفدين غربيين آخرهم كبير مستشاري البيت الأبيض آموس هوكشتاين إلى بيروت، من أجل التوصل إلى اتفاق يهدف إلى خفض التصعيد في جنوب لبنان، وإبعاد عناصر الحزب لنحو ستة كيلومترات عن الحدود اللبنانية. وتخشى القوى السيادية ولاسيما المسيحية في لبنان من أن يأتي التزام الحزب على حساب تحقيق مكاسب كالسيطرة على رئاسة الجمهورية وهو أعلى موقع سياسي للطائفة المارونية، أو أقل تقدير تهميش هذا المنصب خصوصا في ظل ما يجري الحديث عنه من توجه للتفاوض بشأن ترسيم الحدود البرية بين إسرائيل ولبنان.
وحذر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظة الأحد من عملية ربط ملف الجبهة الجنوبية برئاسة الجمهورية.
وقال الراعي “إننا نتساءل أين هو لبنان اليوم، والنافذون من كل تكتل نيابي وأحزاب وذوي أهداف شخصية ومشبوهة يمعنون في بتر رأس الدولة، بتعطيلهم لانتخاب هذا الرأس”، موضحًا أنّه “لا يمكننا القبول بتغييب رأس الدولة المسيحي المارونيّ“.
وشدد على أنّه “لا يمكن القبول بربط انتخاب الرئيس بوقف الحرب على غزة”، مشيرًا إلى أنّه “كثر الحديث عن حركة دوليّة تهدف إلى ترسيم الحدود على الرغم من أن هذه الحدود مرسمة ومثبتة، وكل هذا يجري وموقع الرئاسة الأولى شاغر، ومع حكومة غير مكتملة الصلاحيات”.
وأضاف الراعي “إننا ندعو إلى تنفيذ القرارات الدولية بشأن المنطقة الجنوبية، وندعو لعدم إجراء أي تعديل حدودي في ظل الفراغ الرئاسي”.
وكان حزب القوات اللبنانية أول من سلط الضوء على إمكانية حصول مقايضة حول الأحدث الجارية في الجنوب، وحذر رئيس الحزب سمير جعجع مرارا في الفترة الأخيرة مما يطبخ خلف الكواليس.
وبالتزامن مع زيارة هوكشتاين إلى بيروت كان جعجع أصدر بيانا قال فيه إن “رئاسة الجمهورية في لبنان موضوع قائم بحدّ ذاته لا علاقة له بأيّ صفقة أخرى“.
وشدد على “أنه بعد كلّ الذي جرى في لبنان وما يعيشه المواطن اللبناني أصبحنا وأكثر من أي وقت آخر بأمس الحاجة إلى رئيس جمهوريّة فعليّ، همّه، ليس ترتيب أمور محور الممانعة ولا خدمته، إنما تنظيم أمور الجمهورية اللبنانية والالتفات إلى مصالح الشعب اللبناني”.
وأكد رئيس القوات على أن حزبه يرفض أيّ رئيس صوريّ لا يتمتّع بالصفات المطلوبة لرئيس الجمهورية في هذه المرحلة، ويأتي كجزء من تسوية إقليمية يجري النقاش فيها في الوقت الحاضر.
ولفتت مصادر من داخل القوات إلى أن “جعجع أراد القول للبنانيين إنه في الوقت الذي تسعى فيه القوات والقوى السيادية لحماية لبنان وتطبيق القرارات الدولية وانتخاب رئيس للجمهورية وإعادة الانتظام إلى المؤسسات والاستقرار إلى لبنان، يقوم الفريق الآخر بمحاولة مقايضة على حساب مصلحة اللبنانيين من أجل استمرار وإبقاء الفساد وتغييب الدولة في لبنان“.
وأوضحت المصادر لموقع القوات الإلكتروني أنه “في اللحظة التي يتعرض فيها لبنان لقصف ومواجهات وحروب بسبب أن هناك فريقاً يصادر قرار الحرب، وفي الوقت الذي يخسر فيه لبنان مليارات الدولارات جراء ربط الممانعة للبنان بحرب غزة، يأتي من يحاول أن يقول للموفدين الغربيين أعطوني السلطة مقابل تنفيذ القرارات الدولية وترك الحدود”.
وشددت المصادر نفسها، على أن “لا أحد من الموفدين يتجاوب مع طلبات فريق الممانعة الذي يريد ثمناً لكل شيء يقوم به للاحتفاظ بسلاحه والإمساك بالسلطة. بالتالي، القوات تؤكد لهذا الفريق أن القرارات الدولية يجب أن تنفذ، وهذا ما قصده جعجع في بيانه، كما أن الحدود اللبنانية ليست للمقايضة كونها حدود لبنانية وليست إيرانية أو سورية، والشرعية اللبنانية هي الوحيدة العين الساهرة على الحدود”.
ويرى مراقبون أن المواقف الصادرة عن القوى السيادية من شأنها أن تشكل ضغطا لقطع الطريق على مرامي حزب الله للسيطرة على كل لبنان، وهذا ما قد يعيد الحزب إلى النقطة الأولى بأنه لا وقف للمناوشات في الجنوب، بدون إنهاء الحرب على غزة.
وقال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله الأحد، إن إسرائيل وبعد 100 يوم من الحرب على غزة، “غارقة في الفشل، ولم تنجز سوى القتل، ولم تصل حتى إلى صورة النصر”، موجها رسالة إلى الولايات المتحدة بأن هدوء البحر الأحمر والتطورات في العراق ولبنان رهن بوقف الحرب على القطاع.
وأشار نصرالله إلى أن “إسرائيل فشلت في تحقيق الأهداف المعلنة وشبه المعلنة والضمنية. ومن بين المعلنة، القضاء على حركة حماس، وحكومة حماس، واستعادة الأسرى الإسرائيليين، أما من بين الأهداف شبه المعلنة والضمنية، فهي تهجير أهل غزة واحتلال غزة وتدميرها”، لافتاً إلى أن “إسرائيل في هذه الحرب هي أكثر تشددا وتكتما وسيطرة على الأخبار والمعلومات من أي حربٍ مضت”.
وهذه ثالث إطلالة لنصرالله منذ بدء عام 2024، وتأتي في وقت كثف فيه حزب الله من عملياته العسكرية ضد المواقع الإسرائيلية.