لا يزال ملف حاكمية مصرف لبنان يحتل المرتبة الأولى في أولويات الكواليس السياسية. فعلى بعد تسعة أيام من انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لا يزال الغموض يلف مصير الحاكمية، مع التأكيد من قبل مصادر مواكبة أن نواب الحاكم سيتقدّمون باستقالاتهم نهار الاثنين المُقبل، وعلى رأسهم نائب الحاكم وسيم منصوري مدفوعًا من مرجعيته السياسية، ولكن أيضًا نواب الحاكم الثاني والثالث، والذين بحسب المعطيات، يستهيبون المسؤولية ويفضّلون عدم تحمّل المسؤولية.
وكان نواب الحاكم الأربعة قد تقدموا بأجوبة الخميس الماضي على أجوبة النواب في لجنة العدل حيث كان الأداء، بحسب مصدر نيابي، «غير مُطمئن» ويثير الريبة حول تفلّت سعر الصرف. ويقول أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية البروفسور جاسم عجاقة لصحيفة الديار «إن خطة نواب الحاكم هي نفسها خطة نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي التي هي خطّة صندوق النقد الدولي، مع مطلب إضافي يتناول حق التصرّف بالاحتياطي الإلزامي، أي أموال المودعين المتبقية في المصرف المركزي». ويُضيف عجاقة «أن تنفيذ الخطّة شبه مستحيل نظرًا إلى أن الخطّة تفرض تطبيق إصلاحات عميقة لا يمكن أن تتم حاليًا بسبب الخلافات السياسية»، مؤكدًا أن «إلغاء منصة صيرفة سيكون كارثيا على لبنان في ظل غياب أي بديل يسمح بالسيطرة على سعر الصرف».
إلى هذا، تتوقّع مصادر وزارية أن يتمّ طرح ملف حاكمية مصرف لبنان خلال الجلسات الحكومية التي ستُناقش مشروع موازنة العام 2023 والتي تستمر على مدى أسبوع كامل. وتقول المصادر إنه من المتوقّع أن يتمّ طرح التمديد لرياض سلامة في حاكمية المركزي لحين انتخاب رئيس للجمهورية. وتُضيف هذه المصادر أن المعارضة ستكون من قبل نائب رئيس مجلس الحكومة سعادة الشامي مدعومًا من وزراء التيار الوطني الحرّ، لذا قد يستغرق الأمر أكثر من جلسة لأخذ القرار. وتعتقد هذه المصادر أن التمديد يفرض نفسه من باب أن نواب الحاكم غير قادرين على إدارة الملف النقدي في مرحلة حساسة ستمتدّ على عدّة أشهر أقلّه.
رئاسيًا، تُؤكّد الأوساط السياسية من مختلف الجهات أن المبادرة الفرنسية سقطت بضربة أميركية حيث ان بعض الأطراف اللبنانية تُعارض بشكل كبير هذه المبادرة كتلبية لضغوطات أميركية. وتعتبر بعض المصادر أن هذا الأمر يعني أن الأميركيين سحبوا السجادة من تحت أقدام الفرنسيين الذين يجدون أنفسهم بدون أي تأثير فعلي في الكتل النيابية، وبالتالي أصبحوا خارج المعادلة التي أصبحت بدورها معادلة أميركية – إيرانية، وهو ما يعني حكمًا إيطال أمد الأستحقاق الرئاسي.
في هذا الإطار، يواصل نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب جولته على الأفرقاء، واخرها كان لقائه مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في معراب، في حضور عدد من أعضاء الجمهورية القوية. وعقب اللقاء أشار بو صعب إلى أن هذه «الزيارة تمحورت حول الفراغ الموجود في البلد وحول إمكان التواصل أكثر بين الأفرقاء للوصول إلى حلٍّ ينهي هذا الفراغ القاتل». وبالتحديد تركز النقاش بين بو صعب وجعجع حول إمكان إقامة حوار أو نقاش بين الأفرقاء أو الكتل، إلا أن بو صعب لمس عدم اقتناع رئيس القوات بطاولة حوار تقليدية، كما كان يحصل في الماضي، إذ يعتبر أنّه من الضروري التوصّل إلى حلّ لإنهاء الفراغ الرئاسي في أسرع وقت، مع تأكيده على أن جعجع منفتح على أي تشاور أو تواصل او تفاهم مع الأفرقاء كافّة من دون استثناء، بغية تحقيق الهدف المنشود. وإذ أكّد بو صعب على أنه لم يَطرح أيَّ اسم ولم يسوّق لأي مرشح في كل جولاته، أشار إلى أن همّه الأساسي هو إعادة فتح قنوات التواصل.
إلى هذا يظهر من عودة قنوات التواصل بين حزب الله والتيار الوطني الحر أن التيار يعود تدريجيًا إلى حضن الحزب، خصوصًا بعد صعود أسهم قائد الجيش العماد جوزف عون الذي تشير المصادر أن الثنائي الشيعي لا يضع أي فيتو عليه. وبالتالي، ومع تراجع حظوظ الوزير سليمان فرنجية والوزير جهاد أزعور بسبب اعتبارهما مرشحي تحد، عادت حظوظ قائد الجيش إلى الارتفاع وهو ما يستهابه التيار الوطني الحرّ، مما دفعه إلى العودة إلى الحوار مع حزب الله.
على صعيد أخر، شهدت مختلف المناطق اللبنانية اعتصامات أمام المساجد، امس الجمعة، تلبية لدعوة أمين حزب الله السيد حسن نصر الله، وذلك تنديدًا بالإساءة إلى القرآن الكريم في السويد. ففي الضاحية الجنوبية، نُفّذت وقفات عديدة أمام مساجد مجمع القائم ومجمع السيدة زينب ومجمع الإمام الكاظم ومجمع الإمام صاحب العصر والزمان ومجمع الإمام العسكري وجامع الإمام الخميني ومجمع الإمام المجتبى وأمام مستشفى الرسول الأعظم. أمّا في البقاع فنفذ العديد من المواطنين احتجاجات في العديد من الأماكن البقاعية. و تركرّرت الصورة نفسها في الجنوب وفي جبيل وكفرسالا والشوف والفنار.
الجدير ذكره أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كان قد وجه دعوة في كلمته الأخيرة خلال احياء الليلة الثالثة من ليالي عاشوراء، للحضور الى المساجد لصلاة الظهرين، أو صلاة الجمعة حسب كل مسجد، في كل القرى والمدن والاحياء، والاعتصام أمام المسجد لمدة من الزمن، نُصرةً لِمصحفهم ومُقدسهم.
إقتصاديًا، أورد موقع TransOcean Ship أن منصة باخرة الحفر TransOcean Barents تركت مياه النروج متوجّهة إلى المياه الإقليمية اللبنانية حيث من المتوقّع وصولها إلى المنطقة الاقتصادية الخالصة للبدء بحفر البلوك رقم 9 في منتصف آب المقبل. إلا أن مصادر مواكبة تُشير إلى أن الوضع السياسي القائم اليوم في لبنان، سيشكّل عائقًا، نظرًا إلى أن الحكومة اللبنانية لم تقم حتى الساعة بالإصلاحات المطلوبة على الصعد المختلفة كيلا تذهب موارد هذه الثروة هدراً وفساداً.
على الصعيد المعيشي، سجّل مؤشّر الأسعار ارتفاعًا في الشهر المنصرم تخطّى السبعة في المئة، وهو ما علّلته أوساط اقتصادية بالفلتان الحالي في السوق نتيجة غياب الرقابة والمحاسبة. وأضافت أن التجّار يرفعون الأسعار بالدولار ويستفيدون من الخضّات التي تحصل حاليًا في السوق السوداء للتلاعب أكثر بالأسعار. ويقول أحد المواطنين في تصريح لجريدة الديار، إنه ذهب إلى أحد المحال التجارية، وقام بالدفع بالدولار الأميركي، وطلب أن يتمّ إرجاع الباقي بالدولار. إلا أن المحل التجاري قام بتحويل الدولار إلى ليرة لبنانية على سعر 90 ألف ليرة للدولار، وخصم ثمن السلعة (550 ألف ليرة)، وقام بتحويل الباقي إلى دولار على سعر 95 ألف ليرة. وعند سؤالنا عما إذا تقدّم بشكوى إلى وزارة الاقتصاد، قال المواطن، إن هذا لن يُجدي نفعًا بسبب فقدان الثقة بالدولة ومؤسساتها.
إذَا الأسبوع المقبل هو أسبوع حاسم على صعيد حاكمية مصرف لبنان، والتخوّف يبقى بإلغاء منصة صيرفة التي قد تضع قسما كبيرا من الشعب اللبناني في وضع تعِس سيدفعهم حكمًا إلى عنف اجتماعي لا نعلم مدى قدرة السيطرة عليه.