من المتوقع أن يشهد الأسبوع المقبل، تسليط الضوء بشأن إمكانية السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ طويلة المدى تزودها بها الدول الغربية لتضرب العديد من الأهداف والمواقع العسكرية واللوجسيتية في العمق الروسي، وفقا لما ذكر العديد من الخبراء.
وكان الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلنسكي، أوضح في تصريحات لشبكة “سي إن إن” أن طلب أوكرانيا استخدام صواريخ بعيدة المدى لضرب أهداف داخل روسيا يعد جزءا من “خطة النصر” التي من المقرر أن يقدمها إلى المسؤولين الأميركيين الأسبوع المقبل.
وفي وقت سابق، أكد زيلنسكي أنه لم يحصل بعد على “إذن” من واشنطن ولندن لاستخدام صواريخ بعيدة المدى ضد روسيا خشية “تصعيد” الوضع، وفقا لوكالة فرانس برس.
وقال لصحفيين، مساء الجمعة، “لم تمنحنا الولايات المتحدة ولا المملكة المتحدة الإذن لاستخدام هذه الأسلحة على الأراضي الروسية” وبالتالي لن تقدم كييف على ذلك. وأضاف “أعتقد أنهم يخشون التصعيد”.
وحذّر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من أن قرارا مماثلا سيعني أن “دول (حلف شمال الأطلسي) الناتو في حالة حرب مع روسيا”.
من جهة أخرى، قال زيلنسكي إن المساعدات العسكرية “تسارعت” منذ مطلع سبتمبر في حين يكافح جيشه لإبطاء تقدم القوات الروسية في شرق البلاد، مضيفا: “نحن سعداء، ونشعر بتأثير ذلك”.
وأدى التأخير في تسليم المساعدات الغربية بسبب الانقسامات السياسية إلى نفاد الذخيرة والأسلحة من الجيش الأوكراني، حيث تعتمد كييف بشكل كبير على دعم حلفائها في مواجهة جيش روسي أكثر عدة وأفضل عتادا.
وحسب وكالة رويترز، فإن زيلنسكي أوضح أن اجتماعاته في الولايات المتحدة خلال الأيام المقبلة “حاسمة” في تأمين حصول كييف على القدرات الدفاعية التي تحتاجها.
وقال الرئيس الأوكراني “إذا استطعنا أن نوجه كل ما لدينا من انضباط نحو الدفاع عن بلدنا، إذا كان لدينا صواريخ كافية والموافقات التي يستطيع شركاؤنا تقديمها لنا، فإن موقف الحرب برمته سيكون أفضل لأمننا”.
وأضاف “الإجابة على سؤال ’متى تنتهي الحرب؟ هي حقا عندما لا يتأخر تصميم شركائنا بشأن ما يمكن أن نفعله لدفاعاتنا، واستقلالنا، وانتصارنا”.
وقال “إن استراتيجيتنا الواضحة ستكون على طاولة شركائنا. ستكون على طاولة رئيس الولايات المتحدة”.
وفي نفس السياق، أوضح زيلنسكي أنه، إلى جانب اجتماعه ببايدن، سيلتقي أيضًا بالمرشحة الرئاسية الديمقراطية، نائبة الرئيس كامالا هاريس، حسب شبكة “سي إن إن” الإخبارية.
وقال: “أريد أن أرى ما تفكر فيه (هاريس) بشأن خطة النصر هذه. كما أخبرتك، لا تتضمن الخطة ما هو مطلوب من بايدن اليوم فحسب. بل إنها تتضمن أيضًا حقيقة أننا سنواجه وضعًا مختلفًا بعد نوفمبر. أي أنه سيكون هناك رئيس جديد في الولايات المتحدة. ونحن بحاجة إلى التحدث مع كل من المرشحين بشأن تصورهما لهذا”.
ونوه إلى أنه سوف يعقد أيضًا “بالتأكيد” اجتماعًا مع الرئيس السابق، دونالد ترامب، الذي رفض في مناظرة حديثة أن يقول ما إذا كان يريد أن تفوز أوكرانيا بالحرب، كما قالت “سي إن إن”.
“حق مشروع”
وفي معرض تعليقه على سعي بلاده لاستخدام الأسلحة البعيدة المدى لضرب العمق الروسي، قال الدبلوماسي الأوكراني بالكويت، إيفان سيهيدا، في اتصال مع موقع “الحرة”: نؤكد أن لنا الحق في الدفاع عن أنفسنا ضد العدوان المستمر، وإذا قرر شركاؤنا الغربيون رفع القيود وتزويدنا بهذه القدرات، فسيساعد ذلك في تدمير البنى التحتية العسكرية التي تُستخدم لشن هجمات على بلادنا، مما قد يقلل الحاجة إلى إنشاء مناطق عازلة على الأراضي الروسية”.
ولفت إلى أنه “من الأفضل تدمير مستودعات الصواريخ الروسية قبل إطلاقها ضد أوكرانيا، مما سيقلص الإمكانيات العسكرية الروسية لمواصلة الحرب، فالرئيس الروسي بوتين، يفهم لغة القوة فقط”.
وفي نفس السياق، أوضح مدير مركز فيجن للدراسات الاستراتيجية، سعيد سلام، في حديث إلى موقع “الحرة” أن الحلفاء الغربيين قد زودوا كييف بـ “صواريخ (أتاكامس) ذات مدى 165 كم، ويمكن تزويدها مستقبلا بفئة يصل مداها إلى 300 كم، كما حصلت أيضا على منظومة صواريخ (ستورم شادو) بمدى 270 كم، ويمكن مستقبلا تزويدها بصواريخ يبلغ مداها 560 كم من نفس الطراز”.
وأردف”كما يمكن للولايات المتحدة أن تزود أوكرانيا بصواريخ جو – أرض من طراز JASSM التي يتم إطلاقها من طائرات أف- 16، بمدى يبلغ نحو 370 كم”.
ورأى سلام أنه يمكن لأوكرانيا عبر ذلك العتاد “استهداف المطارات والمواقع التي تشن منها قوات روسية هجماتها على مدن أوكرانية بالصواريخ والقنابل الجوية الموجهة”، مضيفا: “بحسب التقديرات يبلغ عدد المواقع العسكرية الروسية في مدى صواريخ أتاكامس (300 كم) 246 موقعا، من ضمنها 16 مطارا عسكريا، بالإضافة الى العديد من الثكنات ومستودعات الأسلحة والوقود”.
وأكد أن ذلك “بالطبع لن يؤدي الى انتصار أوكرانيا مباشرة في الحرب، لكن سوف يؤدي إلى ضرب الإمكانيات اللوجستية للقوات الروسية التي تحارب داخل الأراضي الأوكرانية المحتلة، مما سيؤدي إلى تراجع إمكانياتها الهجومية بشكل كبير، وعليه فإن ذلك سوف يسمح للجيش الأوكراني بشن عمليات مضادة لتحرير الأراضي التي احتلتها القوات الغازية”.
وتابع: “بالإضافة إلى ذلك سوف تساهم تلك الضربات في زعزعة استقرار نظام الرئيس الروسي”، على حد قول الباحث المقيم في كييف.
من جانبه، يعتقد ماثيو سافيل، مدير العلوم العسكرية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز أبحاث في لندن، أن صواريخ” أتاكامس” الأميركية يمكن أن تلحق أضرارًا جسيمة برادارات وأنظمة الدفاع الجوي الروسية،
وأضاف في تصريحات لشبكة “سي إن إن “أنه “إذا قمت تعطيل تلك المنظومات، فإن الطائرات من دون طيار الأوكرانية بعيدة المدى لديها في الواقع خيارات أفضل لاختراق عمق روسيا”.
من جانبه قال الباحث في معهد دراسة الحرب بالولايات المتحدة، جورج باروس، إن ضرب أنظمة الدفاع الجوي الروسية في المناطق الحدودية قد يحسن أيضًا فرص أوكرانيا لاستعادة أراضيها.
“الرد الروسي”
وفي المقابل أكد المحلل الروسي، أندريه أنتيكوف، أنه لا يمكن التنبؤ بردة فعل موسكو في حال قررت واشنطن وأوروبا السماح لكييف باستخدام أسلحة بعيدة المدى لضرب أهداف عسكرية داخل العمق الروسي.
وأضاف: “يمكن لروسيا أن ترد بشكل غير مباشر من خلال تزويد بعض القوى في الشرق الأوسط بأسلحة متطورة ودقيقة وبعيدة المدى بما يسمح لها بتهديد المصالح الأميركية والغربية هناك”.
وأردف: “تستطيع موسكو على سبيل المثال أن تعطي الكثير من الأسلحة لحزب الله في لبنان، وجماعة الحوثي في اليمن، بالإضافة إلى العديد من الميليشيات داخل العراق”.
وعلى صعيد آخر، رأى سيهيدا، أن بلاده تدرك “المخاوف المتعلقة بالتصعيد الذي قد ينجم عن استهداف العمق الروسي بصواريخ بعيدة المدى”.
وأضاف الدبلوماسي الأوكراني: “ثمة مخاوف غربية بشأن لجوء موسكو إلى الخيار النووي، ولكن ينبغي أن يكون واضحًا أن التهديدات لا يجب أن تمنع أوكرانيا والمجتمع الدولي من دعم الحق والعدالة، فروسيا لا تواجه قيودًا في استخدام أسلحة حصلت عليها من إيران وكوريا الشمالية ضد بلادنا”.
وتساءل “فلماذا تُفرض قيود علينا في الدفاع عن أنفسنا، خاصةً أن أوكرانيا تنازلت عن الأسلحة النووية التي كانت بحوزتها مقابل ضمانات أمنية واحترام وحدة أراضيها من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا، وفقًا لاتفاقية بودابست عام 1994”.
وختم بالقول: “نحن نؤمن بأن الاستقرار والأمن في المنطقة سيتحققان فقط عندما تحترم روسيا القانون الدولي وتوقف أعمالها العدائية”.
وفيما يتعلق بإمكانية أن تخسر موسكو حربها، خاصة إذا جرى استهداف العمق الروسي، أجاب سلام: “هناك أمثلة كثيرة في التاريخ عندما خسرت قوى نووية كبرى الحروب، فالاتحاد السوفييتي، الذي كان أيضًا قوة نووية كبيرة هزم في أفغانستان، والولايات المتحدة خسرت الحرب في فيتنام”.
واعتبر أن الزعم بأن روسيا لن تخسر حربها الحالية مجرد دعاية سياسية ترددها موسكو متذرعة بأنها دولة عظمى وقوة نووية كبيرة، مضيفا: “ولكن قوات الكرملين هزمت في السابق، وسوف تتجرع مرارة الخسارة في المستقبل”.