لا ضمانات كافية لكون الحرب الشاملة ممنوعة، أقله بالنسبة إلى ما تسميه إسرائيل “حرب الشمال”. الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله يقول إن إسرائيل “مردوعة”. حكومة نتنياهو توحي يومياً أنها على مسافة زمنية قليلة مع حرب واسعة على “حزب الله”، من دون دلائل عملية على نوعية الحشد الذي تتطلبه تلك الحرب.
“حزب الله” يكرر التأكيد أنه فتح جبهة الجنوب لإسناد “حماس” ودفع العدو الإسرائيلي إلى وقف الحرب على غزة، لا أكثر ولا أقل. وأميركا وإيران تعلنان يومياً أنهما لا تريدان توسيع حرب غزة، لكن طهران تكشف بلسان وزير خارجيتها حسين أمير عبداللهيان في بيروت عن أنها “تتبادل الرسائل” مع واشنطن وتتحدث عن “حل سياسي” للحرب.
واشنطن تركز على وقف النار لأشهر في حرب غزة لإطلاق الرهائن، وفتح الطريق أمام تسوية سياسية طال زمن انتظارها: تسوية “حل الدولتين”. تسوية تختلف عن الحل السياسي الذي تريده إيران عبر صفقة مع أميركا. ويقول عبداللهيان إن رفض حل الدولتين هو “النقطة الوحيدة التي تلتقي عليها طهران وتل أبيب”.
لكن طرفي القصف المتبادل والمتصاعد نوعاً وعبر الجغرافيا، على جبهة الجنوب اللبناني يبدوان شبه واثقين من أن اللعبة ممسوكة بحسابات إسرائيل و”حزب الله” وتلاقي أميركا وإيران على منع الحرب الشاملة.
السيد حسن نصر الله يكرر رفضه لوقف القصف على جبهة الجنوب ولو شنت إسرائيل حرباً واسعة، قبل توقف العدوان على غزة. وهو، في باب الرفض لما يطلبه الوسطاء العرب والدوليون من زوار بيروت حول انسحاب “قوة الرضوان” إلى نهر الليطاني أو أقله إلى نحو ثمانية كيلومترات من الخط الأزرق، يستخدم تعبيراً ساخراً قيل إن حليفه في “الثنائية الشيعية” رئيس المجلس النيابي نبيه بري قاله لزائر أوروبي: “نقل النهر إلى الحدود أسهل من نقل حزب الله إلى النهر”.
لا بل يطلب نصر الله من بقايا السلطة في لبنان التي تتولى دور “صندوق البريد” في التفاوض الأميركي والأوروبي معه وضع “شروط جديدة” لتطبيق القرار 1701 الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي بعد حرب 2006 بين “حزب الله” والعدو الإسرائيلي، وجرى بموجبه نشر قوات “اليونيفيل” المعززة إلى جانب الجيش اللبناني.
الواقع أن القرار الدولي لم يكن مطبقاً، بحسب نصه، في منطقة عمليات القوات الدولية بين الخط الأزرق ونهر الليطاني. والكل يعرف أن “المقاومة الإسلامية” عززت مواقعها تدريجاً بشكل غير معلن إلى أن صار كل شيء علناً بفتح جبهة الجنوب يوم الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) بعد “طوفان الأقصى” يوم السابع من أكتوبر.
لبنان اليوم في مرحلة ما قبل حرب 2006، مع وجود شكلي لـ”اليونيفيل” والجيش اللبناني وخروقات برية وجوية وبحرية إسرائيلية للخط الأزرق، فضلاً عن أنه كان في لبنان يومها رئيس للجمهورية وحكومة كاملة الصلاحيات وأحلام “استقلالية” بعد انسحاب الجيش السوري ونهاية الوصاية السورية على الوطن الصغير. والبلد اليوم بلا رئيس، وفي أعمق هاوية أزمات سياسية ومالية واقتصادية واجتماعية، وسط انحلال الدولة وتعاظم سطوة “الدويلة” على كل شيء في إطار وصاية إيرانية بديلة من الوصاية السورية.
والجغرافيا قدر، والديموغرافيا هي المصير، كما يقول علماء الاجتماع. الجغرافيا ثابتة، والديموغرافيا متحركة. ولبنان المأزوم في جيرة ثنائية صعبة صارت ثلاثية بإضافة جار ثالث من دون اتصال جغرافي ولكن عبر اتصال مع مكون لبناني يقوده حزب أيديولوجي مذهبي مرتبط بولاية الفقيه.
وفوق ذلك فإن المنطق السائد في حرب أوكرانيا وحرب غزة والجبهات المفتوحة في الجنوب اللبناني واليمن عبر باب المندب والبحر الأحمر والمقاومة الإسلامية في العراق خطر جداً. خلاصته أن حسابات الصراع الجيوسياسي والاستراتيجي وموجباته تتقدم على حقوق الأفراد وتضحيات الشعوب والدمار اللاحق بالأرزاق والضحايا البريئة التي تسقط وخسائر الجيوش والميليشيات من المقاتلين. ولا حول ولا قوة إلا بالله.